ترك برس

يكاد يكون من الصعب أن تمر بمدينة إسطنبول التركية دون أن تلمح آية قرآنية أو أبيات مديح خطّت على جدران مسجد، أو كلمة "ما شاء الله" كتبت بخطوط عربية مختلفة على بيوت ومحلات.

وفي آية صوفيا ومتحف توب كابي ومتحف صبنجة، وفي مسجدي الفاتح والسلطان أحمد آيات من جمال، وهي الرموز والتفاصيل الفارقة التي تفتح باب حكاية الاهتمام التركي بالخط العربي.

جاء ذلك في "مجلة الجزيرة" ضمن عددها الجديد لشهر أكتوبر/تشرين الأول الجاري، الصادر تحت عنوان "العربية تعود لتركيا".

ووفقًا للمجلة، فإن هذا الاهتمام بالخط العربي بدأ مع السلطنة العثمانية بدرجة أولى لأنه خط لغة القرآن، ولكن مع الانتقال إلى تركيا الجديدة، وتحويل أحرف الكتابة إلى اللغة اللاتينية في الدولة التركية انتقلنا إلى فصل آخر من الاهتمام بالخط العربي، عنوانه الحفاظ على الخط العربي بوصفه هوية مشتركة مع العالم الإسلامي.

وتركت الدولة العثمانية إرثا كبيرا من المخطوطات واللوحات الفنية المكتوبة باللغة العربية بخطوط مختلفة، جمعت من مصر والعراق وبلاد الشام وغيرها. ولعل مقولة ياقوت المستعصمي، وهو من أشهر خطاطي الدولة العثمانية، جامعة للروح التي جعلت العثمانيين والأتراك اليوم، كما العرب، على قلب واحد في عشق الخط العربي، فـ"الخط هندسة روحانية، ظهرت بآلة جسمانية، تقوى بالإدمان، وتضعف بالترك".

هذا الترك عرفته تركيا لزمن فاصل في تاريخها، قبل أن تعود في العقود الأخيرة إلى العناية بالخط العربي، والمقولة الشهيرة "نزل القرآن في مكة، وقرئ في مصر، وكتب في إسطنبول"، تعكس الارتباط العقدي للأتراك، وهو ما يعبر عنه شيخ الخطاطين الأتراك حسن جلبي بقوله إن "الارتباط بالخط العربي منطلقه ديني، فالأتراك من الشعوب التي عضت بالنواجذ على الدين الإسلامي منذ دخل ديارها".

وطوّر العثمانيون في الخط العربي واستحدثوا خط الجلي الديواني وخط الطغراء، لتأتي الطفرة الهامة مع استقطاب تركيا خطاطي العالم الإسلامي عبر جوائز دولية في الخط، وعبر مراكز ومؤسسات وجامعات عنيت ليس فقط بكتابته، بل بفرز الكنوز التي يضمها إرث السلطنة العثمانية، ويقول الخطاطون إن ما أميط اللثام عنه من هذه الكنوز ما هو إلا النزر اليسير.

تقول الدارسة المتخصصة في الخط العربي حفيظة بولفراح إن "من الجميل في تركيا أن المساجد والأوقاف متاحف للخط العربي، وهو ما يقدم للدارس خزانا جماليا يتأسى به، ناهيك عن ما يقدمه للسائح والمشاهد من لمحة ثقافية عن البلاد وصيانتها لتراثها".

هذا الخزان الجمالي يشعّ على سبيل المثال في مسجد السلطان أحمد، القبلة السياحية الشهيرة، حيث تستقبلك الآية القرآنية الـ238 من سورة البقرة "حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَىٰ"، تستقبلك في فنائه المفتوح على السماء، وتقودك إلى عليائها.

وعند مدافن السلطان محمد الفاتح واحدة من روائع الخطاط الشهير محمد نظيف، كما يراها خبراء الخط العربي، وكتبها بخط الثلث الجلي على شاهد قبر سعادت خانم، ابنة أستاذه الأشهر سامي أفندي.

ويتخذ الخطاطون أو فنانو الخط كما يليق بهم، من إسطنبول بالتحديد قبلة لهم، لحيازتها على القدر الأكبر من إرث السلطنة العثمانية فيما يخص الخط العربي، وللمشاركة في الفعاليات التي تنظمها بلديتها حوله، وأيضا للحصول على إجازات في هذا الفن من خطاطين أتراك كبار، يعلّمون الخط العربي مجانا للحفاظ عليه بوصفه هوية، وأبرزهم شيخ الخطاطين حسن جلبي.

تقول بولفراح إن "الحصول على إجازة من الشيخ جلبي من أحلام الخطاطين، فالخبرة أيضا تحتاج إلى صقل، وهو ما تحققه بالصبر والحب للفن الذي بين يديك".

وإذ نقول الخط فن، فلأن الاهتمام بالخط العربي في تركيا فني أيضا، إذ يُعامل الخطاطون بما يليق بالفنانين المبدعين من تقدير، ويدرس الخط بوصفه فنا في جامعات أبرزها جامعة مرمرة وجامعة معمار سنان وجامعة محمد الفاتح، حيث فتحت أقسام دراسات عليا تبحث وتناقش الخط العربي بوصفه فنا وتراثا إنسانيا وليس فقط بوصفه تراثا إسلاميا.

وفي وقتنا الراهن يظهر الاحترام، الذي يحظى به الخطاطون من تلاميذهم، المكانة الاجتماعية والفنية للخط العربي ولأساتذته ومشايخه، حتى إن الطالب لا يبالي بعسر الحصول على إجازات منهم، فيدرس لسنوات تبدأ من أربع وتنتهي بعشر، بغية الحصول على إجازة من الشيخ حسن جلبي، على سبيل المثال.


العدد الجديد لمجلة الجزيرة، يسلط الضوء على جوانب من حضور اللغة العربية في المجتمع التركي، بدفع من حكومة العدالة والتنمية، التي تتجه نحو المنطقة العربية سياسيا واقتصاديا وإعلاميا، وبمساهمة الحضور العربي المتزايد على الأراضي التركية لجوءً واستثمارا.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!