ترك برس

تلوح في الأذهان عن تركيا صورة الصوفي في جبته البيضاء وهو يدور مادا يده اليمنى إلى السماء واليسرى إلى الأرض، عندما نفكر بتركيا الروحية في ارتباطها بالعالِم جلال الدين الرومي، أو "مولانا" كما يسميه الأتراك، لكن حالًا بات يجول بالأذهان أيضا ذيوع صيت هذا البلد على صعيد الإنشاد الديني الإسلامي.

لا يتعلق الأمر فقط بمنشدين كبار، بل بالجيل الجديد الشاب من المنشدين الدينيين الذين تعرف عليهم أقرانهم في البلدان العربية عبر الطفرة الإعلامية التي صاحبت دخول الدراما التركية للعالم العربي، حسب ما ورد في تقرير نُشر بالعدد الجديد لمجلّة الجزيرة.

ويُشير التقرير إلى أن من هؤلاء المنشدين الشباب مسعود كورتيس، وهو من أسرة تركية متدينة ذات أصول مقدونية، تتمتع بتذوق عال للإنشاد الإسلامي، وتضم أصواتا جميلة، مما جعل منه منذ المرحلة الابتدائية عضوا في فرقة أناشيد للمدائح النبوية في المدرسة.

وإلى جانب كورتيس، هناك مصطفى جيجلي الذي يزاوج بين الإنشاد الديني والغناء العاطفي. والشابان معا ينضمان إلى كل من المنشد اللبناني السويدي ماهر زين، والبريطاني سامي يوسف، في خلق حالة شابة مهتمة بالإنشاد الإسلامي.

ونقل تقرير المجلة عن المنشد والصحفي المصري المقيم في تركيا محمود عبد الشافي، قوله إن "ظهور المنشدين الشباب الأتراك امتداد لظاهرة المنشدين غير الناطقين بالعربية مثل سامي يوسف، لكن الإنشاد الإسلامي في تركيا سابق، وقد ارتبط بالحالة الصوفية التي تمثل عماد التدين في البلاد، وبالتالي فنحن نتحدث عن هوية قديمة".

ويصرح كورتيس بالقول إنه يسعى إلى أن يقدم الثقافة الإسلامية الشرقية للشباب المسلم في الغرب، وهو ما يذهب إليه سامي زين وسامي يوسف، لكن شبابا آخرين عربا بالتحديد، يريدون حمل أو توسيع هامش ذات الثقافة عبر الإنشاد في تركيا.

يقول عبد الشافي وفد إلى تركيا منشدون عرب فارون من ظروف سياسية صعبة، وفي ظل الثورات المضادة، ويحمل معظمهم مواقف سياسية معارضة، وبالتالي أصبحوا مطاردين لكن إلى جانب هؤلاء يسجل منشدون عرب آخرون حضورهم، ليس فقط من باب الاهتمام بالثقافة الإسلامية في تركيا واهتمام الأتراك بها، وإنما أيضا لاحتضان البلاد لمهرجانات دولية روحية تحتفي بالإنشاد الديني.

من جهته، يقول المنشد المغربي عبد السلام إن "اهتمام الأتراك بالجانب الديني والعربية يدفعهم للإقبال على المديح والسماع، وهو ما نحترفه في المغرب من منطلق تشبع روحي بالدين وبالثقافة الصوفية، وننقلها لإخوتنا الأتراك سواء عبر المحافل التي يدعوننا لتقديم وصلاتنا فيها، أو عبر المهرجانات الدولية والملتقيات الفكرية التي نحضرها معا".

وعن المنشدين اللاجئين قسرا إلى تركيا، يضيف عبد الشافي إن "معظمهم انطلقوا في هذا العالم من باب المهنة لظروفهم المادية قبل أن يتجهوا إلى الاحتراف، ويستفيدون في ذلك من تقدم التقنيات الموسيقية عن نظرائهم العرب، فقطاع لا بأس به من المنشدين العرب حتى وقت قريب كانوا يحرّمون استخدام الموسيقى في الإنشاد ويكتفون بالدفوف والطبول، بينما تقدمت تركيا موسيقيا وتقنيا".

هذا التطور تعكسه اليوم جوقات وفرق في تركيا، كفرقة "دستار" وجوقة إسطنبول العثمانية، وغيرهما. فترى في حفلات كل منهم استعراضا بديعا ما بين الموسيقى التقليدية التركية والإنشاد الروحي فيما يسمونه "الفن الهادف" مستعملين الناي والقانون والعود وآلات موسيقية أخرى، في حين يحتضن مركز "يونس إمره للثقافة التركية" عددا من المهرجانات والفعاليات لتقديم السماع الروحي والإنشاد الديني.

يقول عبد السلام "كنا نعرف قديما أن مصر هي عاصمة السماع الروحي، لكننا لقينا في تركيا احتفاء به وبالإنشاد، يجعلنا اليوم أسوة ببقية المنشدين الإسلاميين نتحدث عن الحفاوة التركية بنا وبكل ما ينهل من الثقافة الإسلامية. وهذا الأمر لا يخلق منافسة بين البلدين بقدر ما يعوضنا وإن قليلا عن جراح العالم الإسلامي".


العدد الجديد لمجلة الجزيرة، يسلط الضوء على جوانب من حضور اللغة العربية في المجتمع التركي، بدفع من حكومة العدالة والتنمية، التي تتجه نحو المنطقة العربية سياسيا واقتصاديا وإعلاميا، وبمساهمة الحضور العربي المتزايد على الأراضي التركية لجوءً واستثمارا.

ويقول محمد المختار الخليل، مدير تحرير موقع "الجزيرة نت"، إن "الارتباط الوثيق بين تركيا والعالم العربي، بدأت تدب فيه الحياة في العقد الأخير، مع حكم حزب العدالة والتنمية الذي يرى في المنطقة العربية عمقه الاستراتيجي والتاريخي، ويحرص على تجذير هذه العلاقة من خلال السياسة والاقتصاد، كما من خلال نشر اللغة العربية وتعليمها في المجتمع التركي، ومخاطبة الشارع العربي بلغته فيما يخص الشأن التركي والتعريف بتاريخه وواقعه".

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!