علي حاجي زاده - ذا جريت ميدل إيست - ترجمة وتحرير ترك برس 

في الآونة الأخيرة، تحدث كثير من الخبراء الذين يتمتعون باحترام ومصداقية كبيرة عن ظهور "تحالف جيوسياسي" جديد، وبالتحديد محور "موسكو طهران أنقرة"، ويضم بعض الخبراء باكو أيضا إلى هذا المحور. وألمح البعض إلى أن هذا التحالف يمكن أن يصبح تحالفا جيوسياسيا قويا في مواجهة واشنطن وبروكسل.

وعلى النقيض من هذه التقارير الجريئة، فإنني أتشكك في وجود مثل هذا التحالف، وأرى أنه لا يعدو كونه مجرد تقارب تكتيكي ظرفي.

لماذا لا أعتقد في استمرار محور "موسكو طهران أنقرة"؟

أولا وقبل كل شيء، أنّ تكّونَ مثل هذا المحور يتطلب التقارب بين المصالح طويلة الأجل لبلدان التحالف . هل هناك أشخاص سذج يتحدثون عن أن المصالح طويلة الأمد لموسكو وطهران وأنقرة قد تتزامن؟ تسعى كل دولة من هذه الدول إلى الفوز بالقيادة الإقليمية ،ولها استراتيجيتها وأدواتها لتحقيق ذلك.

ثانيا، تعتمد نخب تركيا وروسيا، فضلا عن اقتصادات هذين البلدين، اعتمادا كبيرا على الغرب وتتداخل معه (وخاصة الاقتصاد التركي).

ثالثا، أن هذه البلدان الثلاثة هي خصوم تاريخية أو أيديولوجية بطريقة أو بأخرى، وفي هذا السيناريو يصعب الحديث عن التعاون الجيوستراتيجي على المدى الطويل. وأود أن أفصل ذلك.

ما تزال هناك كثير من القضايا المفتوحة بين تركيا وروسيا عموما. وعلى سبيل المثال، هذا العام اتفقت تركيا وروسيا على توريد أحدث أنظمة الدفاع الجوي S-400 إلى الجانب التركي، وعلاوة على ذلك، سيتم تصنيع وحدتين في تركيا، وبالتالي فإن الجانب التركي سوف يحصل على التقنيات الروسية وسوف تكون تركيا قادرة على استخدامها في المستقبل أو مشاركتها مع حلفاء الناتو.

تبلغ قيمة الصفقة 2.5 مليار دولار. هل من المفيد  لروسيا نقل تكنولوجيا المنظومة الصاروخية إلى الدولة، التي كانت تصفها أخيرا بأنها شريك في الإرهاب، واتهمتها بأنها طعنتها في الظهر؟ يجب تهنئة تركيا على هذه الصفقة الجيدة. أزعج حصول أنقرة على تقنيات حديثة واشنطن، وجعل أنقرة في موقع أقوى في المفاوضات المستقبلية مع الناتو.

قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان خلال زيارته الأخيرة لكييف: "إن تركيا لن تعترف أبدا بضم روسيا لشبه جزيرة القرم". وهنا يجب أن أقول إن هذا التصريح لا يتلاءم حتى مع التحالف الظرفي مع روسيا. ومن الواضح أن هناك الكثير من القضايا الخلافية وعدم الاتفاق بين البلدين، بما في ذلك سوريا، التي يمكن أن تطفو على السطح في أي وقت.

أما إيران-تركيا، فعلى الرغم من أن أنقرة وطهران ما تزالان تقفان معا بشأن قضية استقلال إقليم شمال العراق في الأيام القليلة الماضية، فعلينا أن لا ننسى أن إيران وتركيا تقفان على طرفي النقيض في سوريا، وهذه مسألة لا يمكن إهمالها في التأثير في المسار المشترك.

وبالإضافة إلى ذلك هناك العنصر الديني والجيوسياسي المهم بين البلدين:  تناضل إيران الشيعية من أجل الفوز بسبق السيطرة على المنطقة التي كانت جزءا من الإمبراطورية العثمانية السنية، في حين أن أنقرة لها وجهات نظرها الخاصة في ذلك، وليست سوريا سوى جبهة واحدة فقط من هذه المعركة.

أما روسيا-إيران، فخلافا للاعتقاد السائد بين الخبراء الروس، فإن من المبالغة وصف إيران بأنها حليف لروسيا. توجد في الوقت الحالي كثير من القضايا الخلافية بين طهران وموسكو، أولها الوجود الإيراني في سوريا.  يقف الإيرانيون عقبة في طريق روسيا، ويحدون من مجال مناورة الدبلوماسية الروسية ويزيدون من سوء علاقات الروس بإسرائيل. وسيكون من دواعي سرور روسيا استبعاد إيران من المشاركة في الصراع السوري، وبالتالي أخذ زمام المبادرة والحصول على جميع المغانم. ولكن هذا مستحيل في الوقت الحالي. كما أن طهران غير راضية عن الوجود العسكري الروسي في سوريا، على الرغم من أنها تعترف بأن الجيش الروسي ساعد على تحويل مسار الحرب.

ومن المسائل الخلافية الأخرى في العلاقات بين إيران وروسيا إمكانية التعاون العسكري والتقني الروسي مع المملكة العربية السعودية، حيث تشعر طهران بغيرة كبيرة من الاتصالات السعودية الروسية. ولكن ذلك لم يمنع الإيرانيين من طلب صفقة طائرات كبيرة (بوينغ  وإيرباص) من الغرب، لتلبية احتياجات الطيران المدني، متجاوزين شركات صناعة الطيران الروسية، بعد رفع العقوبات، وعلى الرغم من أن الدبلوماسية الروسية كانت تدعو إلى رفع العقوبات المفروضة لإيران.

وفيما يتعلق بأذربيجان، فإن بعض الخبراء يجعلون هذا البلد جزءا من هذا المحور. أما الخبراء الذين هم على دراية بالمنطقة، فيتفهمون جيدا سياسة أذربيجان الخارجية التي  تسير عليها منذ سنوات ، ويقولون أن انضمامها إلى هذا المحور ليس حقيقيا. وتتمثل هذه السياسة في تحقيق توازن في العلاقات مع الجهات الفاعلة العالمية والإقليمية. وبالإضافة إلى ذلك، فإن أذربيجان عضو في حركة عدم الانحياز. وفي الوقت نفسه، ترتبط باكو بوصفها مصدرا للطاقة ارتباطا وثيقا بالشركاء الغربيين.

وبطبيعة الحال من المستحيل وصف كل جانب من جوانب هذه العلاقات في مقال واحد، ولكنني حاولت تقديم لمحة موجزة.

عن الكاتب

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس