ترك برس

في الماضي، كان الأوروبيون يمثلون غالبية السياح الذين يزورون تركيا. لكن، تراجعت أعدادهم في الوقت الراهن مقارنة بأعداد الوافدين من الشرق الأوسط، وهو ما يعني نهاية 150 سنة من الاعتماد التركي على السياحة الأوروبية.

في الحقيقة، تمثل السياحة قطاعا هاما في الاقتصاد التركي، حيث تدر على خزينة البلاد قرابة 35 مليار دولار سنويا. وخلال سنة 2014، زار نحو 37 مليون سائح الأراضي التركية، وهو ما جعلها سادس أكبر وجهة سياحية في العالم، والوجهة رقم واحد في العالم الإسلامي.

الأوروبيون كانوا يمثلون جسرا ثقافيا

خلال العقود الماضية، كان الأوروبيون يسافرون كثيرا إلى تركيا، وكانوا حينها يشكلون أكثر من نصف السياح. وفي هذا البلد، الذي يحمل فيه أقل من 15 بالمئة من السكان جواز سفر، مثلت هذه الحركة السياحية جسرا ثقافيا هاما ليتعرف الأوروبيون على الثقافة التركية ويكتشف الأتراك العادات الأوروبية.

في المقابل، أظهرت الدراسات والإحصائيات الأخيرة أن هذا الجسر بدأ يتآكل شيئا فشيئا إذ أنه بسبب الهجمات الإرهابية والأزمات الدبلوماسية والمحاولة الانقلابية الفاشلة في تموز/ يوليو 2016، تراجعت جاذبية تركيا كوجهة مفضلة للأوروبيين. وخلال العام الماضي، سجل انخفاض حاد في أعداد الوافدين من بعض الدول الهامة في هذا القطاع على غرار ألمانيا وإنجلترا، فيما تراجع العدد الجملي للسياح الأوروبيين إلى 25 مليون.

خروج الأوروبيين ودخول سكان الشرق الأوسط

بينما تجاهلت الحكومات التركية السابقة دول الشرق الأوسط ولم تعتمد عليها لتنشيط السياحة، سعى حزب العدالة والتنمية لربط العلاقات معها عبر تنظيم حملات ترويجية ضخمة ساهمت بشكل مباشر في زيادة إقبال السياح منها على زيارة تركيا.

وخلال الفترة الممتدة بين سنتي 2015 و2016، ارتفع عدد السياح الوافدين من دول على غرار جورجيا، وأوكرانيا، وأفغانستان، والبحرين، وفلسطين، والمملكة العربية السعودية والأردن، بنسبة لا تقل عن 15 في المئة. وبشكل أوضح، لم تثن الأزمات الدبلوماسية والمخاوف الأمنية التي أدت لتراجع أعداد السياح القادمين من مناطق أخرى من العالم، سكان الشرق الأوسط ودول الاتحاد السوفييتي سابقا عن زيارة الأراضي التركية حتى أن عدد السياح من روسيا نفسها بدأ يرتفع مجددا، ما إن نجحت أنقرة وموسكو في تجاوز الخلافات واستعادة العلاقات الودية بعد الأزمة المتعلقة بإسقاط الطائرة الروسية.

البعد الاجتماعي

بالإضافة إلى البعد الاقتصادي، يحمل هذا التطور أيضا تأثيرات اجتماعية هامة. ففي أمسية جميلة في شارع استقلال في إسطنبول، الذي كان لوقت طويل يمثل رمزا للهوية المعولمة لهذه المدينة، بات الآن من النادر سماع حوارات بلغات أخرى غير العربية والتركية على الرغم أنه خلال السنوات الماضية، كان من المعتاد هنا رؤية خليط من التركية والإنجليزية والعديد من اللغات الأوروبية. علاوة على ذلك، غيرت العديد من المحلات اللافتات واللغات المعتمدة لجذب الزبائن.

فضلا عن ذلك، استُبدلت المقاهي وأروقة الفنون الجميلة التي كانت في السابق مليئة بالسياح الأوروبيين والمواطنين الأتراك بأنشطة تجارية جديدة أكثر جذبا للقادمين من الشرق الأوسط، على غرار محلات بيع الملابس العربية ومقاهي تدخين "الشيشة".

ويمكن أن يكون تأثير هذا التغيير في جنسيات السياح القادمين إلى تركيا كبيرا على الجيل الحالي من الشباب التركي، إذ أن 11 بالمئة فقط من الأتراك يسافرون إلى الخارج، وحتى في ذروة تنقلهم في سنة 2015، بلغ عدد السكان الأتراك الذين سافروا خارج البلاد، تسع ملايين فقط من جملة 80 مليون تركي.

وفي ظل هذه الظروف، كانت هذه هي الفرصة الوحيدة للعديد من الأتراك للتعرض للعالم الخارجي والتعرف على ثقافة مختلفة من خلال التعامل مع السياح. وخلال العقود الماضية، كانت هذه التفاعلات بمثابة فرصة لهم للتعرف على الثقافة والعادات الأوروبية. في المقابل، باتوا يلتقون بسكان الشرق الأوسط ودول الاتحاد السوفييتي سابقا.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!