حسن بصري يالتشين – صحيفة تقويم – ترجمة وتحرير ترك برس

في الآونة الأخيرة بات الجميع يبحث عن جواب عن السؤال التالي: "هل ستستمر تركيا مع حلفائها التقليديين أم ستبحث لنفسها عن حلفاء جدد؟. وتميل الكفة نحو المزاعم التي تنص على أن استمرار تركيا مع أمريكا على المدى الطويل أفضل من استمرارها مع روسيا على المدى القصير على الرغم من أن اتفاق أنقرة مع روسيا يُعدّ أمرا جيدا بالنسبة إلى تركيا. لكن يزداد هذا النقاش تعقيداً بسبب تجاهل بعض التفاصيل المفاهيمية، على سبيل المثال يتم النظر إلى التقارب التركي-الروسي على أنه تعاون تحت مسمى الشراكة الجديد، وتوصف هذه العلاقة بأشياء عديدة لا تحتويها على أرض الواقع، في حين أن مثل هذه العلاقة ليست تحالفاً كاملاً وشاملاً بل عبارة عن مجرد اتفاق قائم على بعض الأمور الموضوعية وعلى المدى القصير، أما الشراكة أو التعاون بطبيعتها تستند إلى وقائع مختلفة تماماً وبذلك تختلف كثيراً عن التحالف.

وفقاً للـ "سيكا" إن التحالفات تنشأ ضد شيء معين، وليست شراكات منشأة من أجل أهداف إيجابية، على سبيل المثال لا تنشأ التحالفات من أجل المال بل يتم التعاون في هذا الصدد، إن التحالف عبارة عن حسابات تجري في إطار الثقة المتبادلة على المدى الطويل.

لكن في الاتفاقات لا تثق الأطراف ببعضها البعض، بل تكتفي بتجميع قواها من أجل إيجاد حل للمشاكل التي تصعب مواجهتها بشكل فردي، وعندما يزول الخطر يفترق الجميع ويذهب كل في حال سبيله، وفي الوقت نفسه يمكن للحلفاء أن يدخلوا في اتفاقات أخرى فيما يخص مواضيع مختلفة، على سبيل المثال يمكن لتركيا التحالف مع ألمانيا وأكرانيا بينما هي في تحالف مع روسيا في سوريا، وليس في الأمر ما يدعو للغرابة بل هذه هي طبيعة الاتفاقات، وعلى سبيل المثال يتفق "ميتيرنيخ" مع بروسيا وروسيا من جهة ومع فرنسا وإنجلترا من جهة أخرى، وبذلك يحافظ على الوضع الراهن من خلال اتفاقات مختلفة مع دول مختلفة، وفي مثل هذا النظام لا يعتمد أي طرف على الآخر، إذ تختلف الأهداف النهائية بالنسبة لكل طرف، لكن يمكن للجميع التحالف فيما يخص بعض المواضيع الرئيسة.

في الفترة الأخيرة تزايدت نسبة الاتفاقات في حين يشهد التحالف بين الدول تراجعا واضحاً في نسبته ضمن إطار السياسة الدولية، إذ تتخلى الدول عن التحالفات التي تستند إلى الثقة المتبادلة على المدى الطويل وانتقلت إلى علاقات الأخذ والعطاء المتبادل.

تركيا تحاول الانسجام في النظام الجديد، لا تعتمد على روسيا ولا إيران ولا أمريكا ولا ألمانيا، إذ يمكن للأخيرة الدخول في اتفاقات جديدة مع جهات مختلفة في جميع المسائل الهامة ثم تتخلى عن هذا الاتفاق في اليوم التالي، يمكنها أن توحّد قواها مع أمريكا في مسألة وتواجهها في مسائل أخرى، إذ يؤدي تقييد مرونة هذه العلاقات إلى تضييق مجال المناورة السياسية، كما يؤدي النظر إلى المشاكل الموجودة على أنها قضية اجتماعية وليس سياسية إلى فشل العلاقات في الإنتاج الإجابي، إضافةً إلى أن ممارسة السياسة القومية ستدفعها إلى الخسارة بلا مفر.

يجب على تركيا إدراك مصادر الخطر واحدة تلو الأخرى واختيار حلفائها بناء على هذا الأساس، كما يجب عليها تذكر أن الحليف الذي يدعمها في سوريا قد يخونها في العراق وبالتالي يجب أن تكون جاهزةً لذلك من البداية، كما يمكن إنشاء تحالفات مختلفة في مختلف الولايات العراقية، تقف إلى جانب برازاني ضد إيران في الموصل، وتقف إلى جانب إيران ضد برازاني في كركوك، أي تدخل في تحالف ضد الطرف الذي يخلّ بالنظام، ولا تحوّل الأمر إلى مسألة عاطفية، على سبيل المثال إن مشكلة تركيا في سوريا واضحة جداً للعيان، إذ يمكنها إجراء أي نوع من المفاوضات مع الجهات التي تعرض عليها الاتفاق ضد حزب الاتحاد الديمقراطي وتتخذ الخطوات اللازمة من أجل تصفية الحزب في المنطقة، يكفي أن تكون هذه العروض ملموسة وواقعية.

سيكون هناك العديد من المنتقدين لهذا النهج، وخصوصاً الذين يزعمون أنهم يتكلمون في إطار الاخلاق ويطالبون بممارسة سياسة قومية في هذا الصدد، لكن في الواقع إنهم لا يهتمون بالأخلاق أو القومية، بس هؤلاء عم عديمي الاخلاق الذين يسعون للوصول إلى السلطة من خلال إلحاق الضرر بتركيا، والأمر الواجب فعله هو أن ندعهم وشأنهم ونلتفت إلى إنقاذ مستقبل تركيا، وهذا الأمر ممكن فقط من خلال الدخول في اتفاقات صحيحة وليس من خلال محاولة الدخول في تحالفات جديدة.

عن الكاتب

حسن بصري يالتشين

كاتب في صحيفة تقويم


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس