د. زهير حنيضل - خاص ترك برس

بدايةً، لا يسعني إلا أن أقولها بملء الفم: شكراً ترامب!

أشكر ترامب من أعماق قلبي لأنه وقع على قرار نقل سفارة بلاده من تل الربيع "تل أبيب" إلى القدس، وله منّي شكرٌ عظيم لا يمكن أن يتخيّله.

هذا الشّكر الموجّه لترامب لا ينبع من فراغ أو رعونة، بل هو نابعٌ من كونه قد جعل مئات الملايين من المسلمين في أصقاع العالم ينتفضون انتصاراً لقلسطين الحبيبة وللقدس المقدسة.

"بتوقيعه على القرار؛ إنما وقع ترامب على نسف العملية التفاوضية برمتها ضمن رؤية حل الدولتين"، هذا ما جاء على لسان الرئيس الفلسطيني أبي مازن في كلمته التي أعقبت توقيع ترامب على القرار .

الدجل الأمريكي في القضية الفلسطينية

إن توقيع ترامب قد أوضح للعالم أجمع كذب أمريكا ودجلها وعدم جديتها كوسيط في الوصول لحل على أساس "الدولتين" فقد انحازت علناً دون أدنى مراعاة لعاقبة الأمر، ويبدو أن ترامب يستخف بمليار ونصف مليار مسلم لدرجة أنه لم يأخذ بعين الاعتبار ما قد يعقب توقيعه على قرار كهذا من انتفاضة شعبية عربية ومسلمة سواء، تجمع الخصوم على كلمة سواء، فهناك المهم وهناك الأهم، والأهم في قضايا العرب والمسلمين هي فلسطين وعاصمتها القدس.

الإسلاموفوبيا الترامبية

سبق توقيع ترامب على قرار نقل السفارة الأمريكية من تل الربيع "تل أبيب" إلى القدس، ما كان من أمر إعادته لثلاث تغريدات افترائية عنصرية مناهضة للإسلام في موقع التواصل الاجتماعي "تويتر"، ورطته في أزمة دبلوماسية مع بريطانيا ورئيسة وزرائها "تيريزا ماي"، فلم يكن من ترامب إلا أن تابع وقاحته مخاطباً إياها: "اهتمي بأمور بلدك".

لا يخفي ترامب عداءه و كراهيته للإسلام، فمنذ وصوله للبيت الأبيض بدأ بالإجراءات المناهضة للإسلام فأصدر القرار القاضي بمنع دخول مواطني 7 دول إسلامية إلى أمريكا، ورغم المعارضة التي تلقاها ترامب إلا أن القرار أخذ الصبغة القانونية قبل عدة أيام.

من دفع ترامب للتوقيع!

تدور الأحاديث في الصحف الغربية عن كون ترامب مطيعاً لابنته "إيفانكا" التي تدير الكثير من الملفات في البيت الأبيض، ولعل زيارة زوجها اليهودي "كوشنير" وبصفة رسمية إلى الكيان الصهيوني قبل أشهر ولقائه بنتنياهو دليل على أن الملف بيد صهر ترامب المفوض والمخول من قبله! 

أما الأحاديث التي تدور حول دور للملياردير اليهودي الأمريكي "شيلدون أديلسون" في حث ترامب على التوقيع على قرار نقل السفارة  لقاء دعمه لترامب في حملته الانتخابية بمبلغ 20 مليون دولاراً، فلا تعدو كونها سوى محاولة من صناع الصحافة لحرف البوصلة عن المحرض الرئيس، فهل ترامب بحاجة لهذا المبلغ وهو التاجر الملياردير!

وحتى ولو صحت تلك الأقاويل، فيبقى الأمر ثانوياً أمام المحرض الرئيسي الذي جعل ترامب يقوم بالتوقيع، وهو دور اللوبي الصهيوني في القرار الأمريكي والذي يلعب فيه "شيلدون أديلسون" دوراً مساهماً بوصفه مؤسساً لجمعية "أديلسون فاونديشن" وهي أكبر جمعية خيرية داعمة لإسرائيل، فالدافع الحقيقي وراء توقيع ترامب ليس المال، إنما هو القرار الصهيوني النافذ في السياسات الأمريكية.

ترامب التاجر، موظّف مؤقّت بهيئة رئيس

قال ترامب - متفاخراً - قبل توقيعه على قرار نقل السفارة الأمريكية بثوانٍ قليلة: "لأكثر من 20 عاما رفض الرؤساء الأمريكيون الاعتراف بالقدس عاصمة "لإسرائيل". 

سجّلوها عليّ - أنا كاتب المقال -  للتّاريخ: موظّف مؤقّت بهيئة رئيس!

إن "ترامب" عبارة عن تاجر، رجل سيء الصّيت كما وصفته عديد الصحف الأمريكية والغربية خلال حملته الانتخابية، متهم من قبل عدد غير قليل من النساء المشاهير في أمريكا بالتحرش الجنسي، تم المجيء به لسدة الحكم في البيت الأبيض ليقوم بكل ما لا يمكن لأي سياسيّ أمريكيّ آخر أن يقوم به، فترامب هو الرجل المناسب للقيام بكل تلك المهام التي كانت شبه مستحيلة في عهد من كانوا قبله.

مهمة ترامب هي التنفيذ، وحالما تنتهي مهامه؛ سيتحوّل ترامب إلى الشمّاعة التي تعلّق عليها جميع الجرائم الأخلاقية للسياسة الخارجية الأمريكية، خاصة تلك التي تخصّ العرب والمسلمين.

لن يكمل ترامب - على الأغلب - سنينه الأربع في البيت الأبيض، وسيصار لتنحيته لأسباب مرتبطة بالشأن الداخلي الأمريكي لا الخارجي، إنما دون التراجع عن كل السياسات التي قام بتنفيذها فيما يخص منطقة الشرق الأوسط.

ستكون تنحيته لتبرئة من سيخلفه من تبعات المهام التي قام ترامب بتنفيذها ولفرضها أمراً واقعاً تمّ وانتهى لا يمكن تغييره.

يا أمة الإسلام: مشكلتنا ليست مع ترامب بحد ذاته؛ بقدر ما هي من جاء به ومع النهج الّذي يحرك قوى الشرّ ضد الإسلام.

إن العداء للإسلام قد وصل أعلى درجاته، متدرجاً من منع الحجاب فالنقاب فالاعتداءات العنصرية ضد المسلمين في أوروبا وأمريكا وصولاً للمسرحية الحقيرة التي كانت "داعش" بطلها الأساسيّ، في محاولة من اللوبي الصهيوني لتشويه الإسلام من جهة، و لزرع أذرعه في منطقة الشرق الأوسط من جهة أخرى، فقد شاهد العالم أجمع كيف تبخرت عناصر داعش الإرهابية اختفاءً من الرقة و بقية المدن التي تم تسليمها بعد أن دمرت على رؤوس المدنيين السوريين الأبرياء الذين كانوا محتجزين فيها رهائن لقتل أكبر عدد ممكن منهم!

أيها الزعيم المنشود لأمة المليار ونصف المليار مسلم:

أفتش عنك، ذات اليمين وذات الشمال، و أرسل لك رسالتي هذه بلسان حال أمة الإسلام جمعاء:

رسالتي إليك، لأن القدس درة الإسلام، ذي القدس زهرة المدائن وساكنة القلوب.

هي رسالة قصيرة، لا تحتاج للكثير من الكلمات، فالخطب جلل، والحدث مؤلم لأمة الإسلام.

لا أكتب لمنفعة شخصية ولا لحاجةٍ لي، بل لمصير أمة الإسلام بأكملها.

أحدثك بلسان العربي المسلم المحب لكل المسلمين على اختلاف أعراقهم وقومياتهم والساعي لأمة مسلمة واحدة، يكون فيها المجد للإسلام وللمسلمين.

كمسلمٍ وعربيّ، أقولها بكل وضوحٍ وصراحة، تكاد تخلو الساحة من قائدٍ حقيقيّ للمسلمين، يعيد لنا عهد العمرين، عدالة وعزة وكرامة وفخرا.

أنت آخر الآمال للمسلمين، فهل تفعلها؟

هل تفعلها وتقطع العلاقات الدبلوماسية مع أمريكا والكيان الصهيوني!

هل تفعلها فتطرد السفير الأمريكي!

هل تفعلهان فتكون الرئيس المسلم الوحيد الذي سيسجل التاريخ أنه لم يرضَ بغطرسة ترامب وكراهيته للمسلمين وانحيازه التام للكيان الصهيوني الغاشم!

هل تفعلها، فتكون الرئيس المسلم القائد الحقيقي الذي رفض أن يشرعن العالم المتآمر الاحتلال الصهيوني، القائد الرافض لاستمرارية اغتصاب حقوق الفلسطينين والعرب والمسلمين في أرض فلسطين العربية الكنعانية مهد الحضارات والرسالات الإلهية.

ما بين عرف السياسة وعرف القلوب. فهل من ثالثٍ لهما! 

إن الشعبين العربي والإسلامي في حالة غليان، فالقدس عاصمة العروبة والإسلام معا، وهي في قلب كل عربي ومسلم، ولا يمكن بأي شكل من الأشكال أن يقبل أي عربي أو مسلم بأن تكون القدس - مهبط الأنبياء ومسرى الرسول - عاصمة للكيان العنصري الصهيوني.

والله إن فعلتها؛ لتجدنَّ خلفك أكثر من مليار ونصف مليار مسلم يهتفون ملء الحناجر والقلوب لقائد مسلم أعاد لهم عزتهم وكرامتهم وقوتهم كأمة إسلامية حيّة، لن ترضى بالخنوع ولن تقبل بأن تبقى ألعوبة بأيدي اللوبي الصهيوني.

في عرف السياسة، هناك دولة إسرائيل وهناك دولة فلسطين، أما في عرف كل مسلمٍ و عربيّ مؤمن بالله:

لا وجود لإسرائيل، بل هناك احتلال صهيوني من شرذمة من شذاذ الآفاق على أرض فلسطينية كنعانية عربية.

التّاريخ شاهد عيان على ما كان وسيكون، وقد استعاد القدس اثنان من قبل؛ الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وصلاح الدين الأيوبي...

فهل من ثالثٍ لهما!

عن الكاتب

د. زهير حنيضل

طبيب و أديب و معارض سوري مستقل


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس