بريل دادا أوغلو – صحيفة ستار – ترجمة وتحرير ترك برس

تتحول القضية السورية بمرور الوقت إلى عنصر تهديد لمحيطها، مع أنّنا لو نظرنا إلى أفعال "الدولة الإسلامية" في العراق، لأدركنا أنّ الأخيرة أصبحت جزء لا يتجزأ من القضية السورية، ولو تذكرنا أنّ إيران تشن حملة عسكرية ضد تنظيم "الدولة الإسلامية"، لوجدنا أنّ القضية السورية أصبحت فعليا ذات بعد إقليمي منذ زمن.

نحن لا نقصد هنا  أنْ تصبح الأحداث والأعمال التي تقوم بها الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها ضد تنظيم الدولة الإسلامية، ولا الأعمال التي تقوم بها إيران وقوات برزاني، ذات بعد إقليمي. فما قامت به "الدولة الإسلامية"، هو تطهير عرقي للمناطق التي تريد السيطرة عليها فقط. بمعنى آخر، إلى الآن لم تتخذ "الدولة الإسلامية" أي دولة أو نظام حاكم كهدف مباشر لها بما فيها نظام الأسد في سوريا.

ومع أنّ تنظيم "الدولة الإسلامية" قد أثّر على الأداء السياسي لدول المنطقة، إلا أنه لم يكن يستخدم ذلك للمساس بأنظمة الحكم المركزية صاحبة النفوذ في الشرق الأوسط، فمثلا لم يوجه التنظيم أي هجمات للقاعدة البحرية الروسية في طرطوس السورية، كما لم يشن هجمات على الأراضي التركية التي يقع عليها "قبر سليمان شاه" داخل الحدود السورية، وحتى أنه لم يشن أي هجوم على سفارات الدول الأجنبية في دمشق، ولم يحشد تعزيزات مقاتليه على الحدود، باستثناء الحدود العراقية.

لكن المرحلة التي وصلنا إليها الآن، نستطيع الاستنتاج منها، أنّ التنظيم لم يعدْ يكتفي بسياسة التطهير العرقي للمناطق التي يريد السيطرة عليها، ونستطيع القول أنّ تنظيم "الدولة الإسلامية" تجاوز هذه المرحلة فعليا.

سيناريوهات مختلفة

التوقعات الآن تشير إلى أنّ تنظيم الدولة الإسلامية يقوم بتطهير عرقي من جهة، ومن جهة أخرى يقوم بتأسيس نظام حُكم، ولهذا في المرحلة المقبلة لن يكتف التنظيم بالمحافظة على استمرار الصراع في سوريا، وإنما سيسعى لفرض نظام حُكمه على كل الأراضي السورية.

ليس من السهل توقع الأحداث والسيناريوهات القادمة، لكن مستقبل سوريا سيكون إحدى مشروعين يتنازعان الآن، الأول، هو تأسيس نظام يشبه ذلك القائم في بغداد، بين النظام السوري الحالي، وبين ائتلاف معارضة "عقلاني"، بمعنى أنّه حتى لو تم تأسيس أنظمة حُكم ذاتية، سيبقى النظام الحالي المركزي يؤدي دوره على أكمل وجه، تماما كالنموذج العراقي.

هذا السيناريو هو الأكثر قبولا بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية، ولروسيا على حد سواء، بحيث يكون ائتلاف المعارضة مكوّن من الأكراد ومن الفئات المعتدلة، بمعنى أن يكون النظام يتبع للنفوذ الروسي، والمعارضة تُدار من قبل الولايات المتحدة الأمريكية.

لكن وجود كلا من "الدولة الإسلامية"، وكذلك حزب الاتحاد الديمقراطي (PYD) بعيدين عن ائتلاف المعارضة وعن هذا الحل، سيقوّي بذلك احتمالية حدوث السيناريو الآخر، فالسيناريو الثاني يتمثل بنموذج البوسنة، وهو نموذج اتحاد فيدرالي واسع، بين دويلات تكونها كل فئة دينية-عرقية، وربما أوروبا تدعم هذا النموذج بقوة.

الحاجة للاعب جديد

أصبحت الدول صاحبة النفوذ اليوم بحاجة إلى "لاعبين جُدد" ليحققوا مشاريعهم وأهدافهم، لأن تلك الدول جميعا لا تريد أنْ تلوث أياديها بصورة مباشرة، وحاجتهم للاعبين جدد سببها أنّ اللاعبين الحاليين لن يستطيعوا التقدّم أكثر من ذلك على طريق تحقيق أهداف ومشاريع تلك الدول.

ولهذا فإنّ على تركيا أنْ تكون أكثر حذرا، لأنّ سحب تركيا إلى أي مشروع كان، سيعني خلق وضع جديد، وربما يكون "قبر سليمان شاه" الهدف التالي، وهذا سيكون كافيا لجرّ تركيا إلى تلك المعمعة.

لا شكّ أي هجمة ستشن على "قبر سليمان شاه"، سيُجبر تركيا على التحرك والرد على ذلك، بمعنى إذا شُنّ هجوم عليه، ستضطر تركيا لمحاربة "الدولة الإسلامية"، وإذا ما حصلت هذه الحرب في الأراضي السورية، ستُعتبر تركيا دخلت دولة الأسد بدون إذن، وبالتالي ستتعقد الأمور أكثر.

لنفترض أن تركيا دخلت الأراضي السورية، وقامت بطرد مقاتلي "الدولة الإسلامية" من محيط "قبر سليمان شاه"، فبالتالي سيدعم هذا الوضع السيناريو الأول، لكن لكي تخرج تركيا من مكان دخولها، عليها الخضوع لضغوط الدول التي تتبنى المشروع الثاني، وعندها لن يكون من السهل على تركيا اتخاذ خطوة للأمام أو التراجع خطوة للخلف.

وربما سيكون المخرج الأكثر عقلانية لتركيا هو بإفشال هذه المؤامرة والألعوبة، عن طريق تجنب المخاطر الكبرى، وتحمّل تبعات المخاطر الصغيرة، من أجل عمل "منطقة آمنة"، تحمي وتعزل الأرض المقام عليها "قبر سليمان شاه".

عن الكاتب

بريل ديدي أوغلو

كاتبة في صحيفة ستار


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس