د. عمر بولاط - خاص ترك برس

في خريف العام 1994، شاركت بصفتي أمينا عاماً لجمعية الصناعيين ورجال الأعمال المستقلين، في اجتماع أقيم في إحدى الفنادق المطلة على مضيق البوسفور. و كان السيد مهاتير محمد رئيس الوزراء الماليزي في تلك الأيام، قد ألقى كلمة في ذلك الاجتماع، الذي تعرفت فيه على أكاديمي تركي مختص في العلاقات الدولية، كان يعمل عضوا في الهيئة التدريسية في الجامعة الإسلامية الدولية في ماليزيا. وكان اسمه الدكتور المساعد أحمد داود أوغلو. وسررت أكثر عندما علمت أنه زميل لي وجاري في "باهتشيلي إيفلر" وأنه من نفس مدينتي قونيا.

وبعد مرور عام تقريباً، عاد إلى تركيا، وأصبح عضوا في الهيئة التدريسية في جامعة مرمرة، وفي نفس الوقت كان ينقل المخزون العلمي الواسع وسعة الأفق اللذين يملكهما، إلى شريحة واسعة من الناس، عبر الدروس التي كان يلقيها في مؤسسة العلوم والفنون التي كان أحد مؤسسيها، وصحيفة يني شفق التي كان ينشر مقالاته فيها. ونحن بدورنا، كنا قد استفدنا كثيراً من أفكار وتوصيات السيد داود أوغلو، حيث كنا في تلك الأيام نحضر لعقد المنتدى الدولي للأعمال، والمعرض الدولي لجمعية الصناعيين ورجال الأعمال المستقلين واللذين يعتبران أكبر ملتقى للصناعيين ورجال الأعمال في العالم الإسلامي.

وعندما كنا نكافح من أجل نصرة قناعاتنا وقضيتنا، في المرحلة التي بدأت بتاريخ 28 شباط/ فبراير 1997 والتي أطلق عليها عملية 28 شباط/فبراير، أصدر السيد داود أوغلو كتابَي "العمق الاستراتيجي" و"الأزمة العالمية"، اللذين يعتبران من الإنتاجات العظيمة، التي لقيت أصداءاً واسعة في تركيا وفي العالم. حيث شكل بذلك نظرية في السياسة الخارجية، لم تنتشر في تركيا فقط، بل في جميع دول العالم أيضا.

وعندما تعرضت تركيا لأزمة اقتصادية حادة فيما بعد عام 2000، شاركت مع الأستاذ الدكتور داود أوغلو والدكتور مصطفى أوزال، في الكثير من الاجتماعات التشاورية، التي عقدت في سياق اجتماعات التنسيق والتقييم الاقتصادية، التي أقامتها مؤسسة العلوم والفنون.

وبعد نجاح حزب العدالة والتنمية في الانتخابات التي جرت بتاريخ 3 تشرين الثاني/ نوفمبر 2002، انطلقت في بلدنا الحبيب عملية إصلاحات وتحول حقيقية، في مجالات السياسة والديمقراطية والحريات والاقتصاد والسياسة الخارجية والمجالات الأخرى. وقاد هذه العملية كل من السيد رجب طيب أردوغان والسيد عبد الله غُل. بينما السيد داود أوغلو فقد كان منهمكاً في تنفيذ أفكاره النظرية، المتعلقة بالسياسة الخارجية على أرض الواقع. والسنوات العشر الأولى من هذا القرن تشير إلى تحول تركيا التي تزداد صعودا وتطورا، إلى قوة إقليمية كبرى.

اتبعت تركيا في هذه المرحلة "سياسة خارجية متعددة الجوانب"، وأقامت علاقات شراكة ندية مع الغرب تعتمد على الثقة بالنفس والمصالح المتبادلة، واتبعت بنجاح سياسة "تصفير المشاكل والتكامل الأقصى مع الجوار" مع منطقة القفقاس وحوض البحر الأسود والبلقان والجمهوريات التركية في آسيا الوسطى والدول الإسلامية في الشرق الأوسط ودول حوض أفريقيا. وعندما حدثت الاضطرابات الكبيرة في دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، في السنوات الثلاثة المنصرمة، نتيجة تعاون القوى العالمية مع شركائها الواقعيين في داخل هاتين المنطقتين، اتضحت مدى صحة الطروحات التركية.

وعندما توليت رئاسة جمعية الصناعيين ورجال الأعمال المستقلين في الأعوام 2004-2008 أطلقت تقليدا سنوياً، بعقد اجتماعات "جولة في أفق تركيا والعالم" مع السيد أحمد داود أوغلو. واستمرت هذه الاجتماعات لغاية تاريخه.

وخلال مسيرة الاستقرار والإصلاحات هذه، تولى السيد داود أوغلو منصب كبير المستشارين ووزير الخارجية ورئيس حزب العدالة والتنمية ورئيس الوزراء. وبذلك أصبح أميرا بعد أن كان عالما. لأن داود أوغلو وباعتباره شخص يملك قضية ومبادئ، أولى على الدوام أهمية كبيرة، للتضامن والاتحاد بين الثلاثي "أمير - عالم - تاجر" لإنشاء وإحياء حضارتنا المثالية مجدداً. ونحن مؤمنون بأن السيد داود أوغلو، الذي يتولى حاليا رئاسة الوزراء والسيد رجب طيب أردوغان رئيس الجمهورية، الذي وقف إلى جانبه على الدوام، سينشآن تركيا الجديدة والقوية لخدمة بلدنا وشعبنا. 

وأهم المنعطفات التي مرت بحياته كانت كالتالي: بعد مرور بعض الوقت على الانتخابات، التي جرت بتاريخ 22 تموز/يوليو 2007 كان السيد داود أوغلو  يستعد لترك منصبه ككبير للمستشارين والعودة إلى عمله الأكاديمي في الجامعة. وعندما رفعت دعوى حظر على حزب العدالة والتنمية، بتاريخ 14 آذار/مارس 2008، أي بعد مرور 7 أشهر على فوزه بالانتخابات بنسبة أصوات بلغت 47%، ذهب السيد داود أوغلو إلى السيد أردوغان و أبلغه برغبته في الاستمرار بمنصبه بعد أن قال له "سأبقى إلى جانبكم حتى النهاية في نضالكم من أجل الديمقراطية والحرية والقانون". وفيما بعد نقله هذا القرار الحرج، إلى توليه منصب وزير الخارجية أولا ومنصب رئيس الوزراء ثانيا. وهذه المعلومة نقلها لي السيد داوود أوغلو عندما رافقته في إحدى الندوات، التي عقدت في العاصمة القطرية الدوحة في شهر حزيران/يونيو 2008.  

سأورد لكم معلومة هامة أخرى. يحمل السيد أحمد داود أوغلو اسم جده، بينما أطلق على ابنه اسم والده محمد. أي أن جده أحمد ووالده محمد، هو أحمد وابنه محمد. كما أطلق على بناته اسم والدته والسيدة التي أعتنت بتربيته وكانت بمثابة والدته الثانية. وكل ذلك يظهر مدى تعلق واهتمام داود أوغلو والسيدة عقيلته بالروابط والتقاليد العائلية.

السيد داود أوغلو المحبوب والقدوة لدى عقيلته وأولاده، هو رمز للتفاني في العمل وعالم وحكيم لدى طلابه، ويستحق الشكر والتقدير صباح مساء، ومنظّر العلاقات الدولية والسياسة الخارجية والسلطة التنفيذية لها، والرئيس الجديد لحزب العدالة والتنمية، ورئيس الوزراء الثاني والستين للجمهورية التركية. ندعو الله سبحانه وتعالى أن يوفقه، هو ورفاق دربه، في هذا الطريق المشرف وأن يزرع محبته ومحبتهم في قلوب كل الناس. 

السيد أحمد داود أوغلو: أنار الله دربك، وأعانك ووفقك.

عن الكاتب

د. عمر بولاط

الدكتور عمر بولاط / رئيس جمعية الموصياد لرجال الأعمال والصناعين السابق


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس