د. علي حسين باكير - العرب القطرية

تركّز غالبية التحليلات التي تتناول الوضع التركي مؤخراً، على الانتخابات الرئاسية دون البرلمانية، مع أن الثانية لا تقل أهمية عن الأولى، من ناحية ممارسة العملية الديمقراطية، لكن من الممكن فهم ذلك في إطار الأهمية المتزايدة التي تكتسبها السلطة التنفيذية، في سياق التحديّات المتراكمة والمزايدة التي تواجهها البلاد.

وفيما تشير تصريحات رجب طيب أردوغان -المرشّح الأبرز للانتخابات الرئاسية عن «تحالف الشعب»، الذي يضم حزب العدالة والتنمية وحزب الحركة القومية- إلى أنه يبدو واثقاً من فوزه في السباق الرئاسي، يركّز حزبه على أهمية حصد مزيد من المقاعد في البرلمان التركي المقبل، الذي سيرتفع عدد أعضائه من 550 إلى 600، وفق التعديلات الدستورية التي تم إقرارها في أبريل من عام 2017.

وفي هذا السياق، يبرز السؤال المهم: لماذا يسعى الحزب إلى زيادة حصّته في البرلمان، في الوقت الذي ستكون فيه صلاحيات البرلمان المقبل، أقل مما كانت عليه في النظام البرلماني؟ بالرغم من أن النظام السياسي سيتحول إلى نظام رئاسي، فإن البرلمان سيحتفظ ببعض المهام التي تحظى بأهمية في النظام الرئاسي، لعل أبرزها على سبيل المثال لا الحصر: التغلّب على الفيتو الرئاسي، والموافقة على الموازنة التي يقترحها رئيس الجمهورية.

تتطلب هاتان الوظيفتان أغلبية 300+1 من أعضاء البرلمان، وإذا استطاعت المعارضة تأمين نصف مقاعد البرلمان على الأقل، فستكون قادرة على ممارسة هذا الدور على الأقل، لذلك يسعى حزب العدالة والتنمية من خلال «تحالف الشعب» إلى تحصيل مزيد من مقاعد البرلمان، لضمان تقليص حصّة المعارضة، لكن هل سينجح في هذه المهمة؟

يشكّك البعض في قدرة حزب العدالة والتنمية على حصد أكثر من نصف الأصوات، لا سيما بعد دخول التحالفات الانتخابية في المعادلة البرلمانية، عندما اقترح الحزب الحاكم إدخال مبدأ التحالفات، كان يهدف إلى ضمان أصوات قاعدة الأحزاب الصغيرة المتحالفة معه، وتجييرها لصالح مرشحه الرئاسي -أي أردوغان- في المعركة الرئاسية، وذلك في مقابل وعود لهذه الأحزاب الصغيرة بمقاعد برلمانية، وهو مكسب مهم لهذه الأحزاب، لأنه ما كان لها أن تتأهل للبرلمان بشكل منفرد.

لكن مع إعلان المعارضة عن تشكيل تحالف آخر تحت اسم «تحالف الأمّة»، يبدو أن حظوظ الأخيرة في حصد مزيد من الأصوات يبدو متساوياً، على الأقل من الناحية النظرية، لا بل إن البعض يشير إلى أنه إذا تمّت إضافة أصوات حزب «الشعوب الديمقراطية» الكردي -الذي لم يدخل في أية تحالفات- إلى أصوات التحالف المذكور، فإن هذه الجبهة المعارضة ستحظى بأغلبية المقاعد في البرلمان المقبل. في هذا السياق، من الصعب بناء تصوّرات دقيقة إزاء النتيجة النهائية للانتخابات البرلمانية، لكن مما لا شك فيه أنه إذا حصلت نسبة مشاركة عالية من قبل القاعدة الجماهيرية للمعارضة، فستحقق نتيجة جيدة تضمن لها إمكانية لعب دور فعّال في السلطة التشريعية، صحيح أن ذلك لن يعوّضها عن عدم الحصول على رئاسة السلطة التنفيذية، لكن سيكون أفضل من السيناريو الآخر، الذي يتضمن فقدانها للسلطة التنفيذية، وعدم قدرتها على لعب أي دور في السلطة التشريعية، وهو الأمر الذي سيتسبب حينها في مشاكل كبيرة لتركيا، وليس للمعارضة فقط.

على كل حال، يبدو أن المعركة البرلمانية لن تقل حماساً عن الانتخابات الرئاسية، وإن كانت انعكاساتها اللاحقة على المعطيات السياسية في البلاد أقل تأثيراً.

عن الكاتب

د. علي حسين باكير

مستشار سياسي - باحث في العلاقات الدولية والشؤون الاستراتيجية


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس