إسماعيل ياشا - العرب

الهجوم المسلح على صحيفة شارلي إيبدو الفرنسية في باريس ومقتل عدد من صحافييها، و «مسيرة الجمهورية» التي شارك فيها قادة وزعماء من أنحاء العالم للتضامن مع الشعب الفرنسي وحكومته، وصدور الصحيفة في عددها الجديد مرة أخرى برسوم كاريكاتيرية مسيئة إلى النبي صلى الله عليه وسلم؛ كل هذه الأحداث وتداعياتها تشغل الرأي العام العالمي منذ السابع من الشهر الحالي.

المسلمون أمام هذه الأحداث التي تصدرت نشرات الأخبار وعناوين الصحف ووسط أصوات تطالبهم بالاعتذار من الجريمة وأخرى تتهمهم بالغلو والتطرف وجدوا أنفسهم في حيرة وأزمة تستهدفهم، إلا أن هذا «الشر» قد يفتح أبوابا لخير كثير إن تم استغلال الأزمة بحكمة وعقل.

ومن الطبيعي الحديث حول ما حدث ومحاولة فهم ملابسات ما جرى في العاصمة الفرنسية، لأن هناك علامات استفهام كثيرة بحاجة إلى إجابات وتفسيرات واضحة. ولكنه من الخطأ أن يظل هذا شغلنا الشاغل وأن نكتفي بسرد المبررات أو أن نشعر بالذنب والخجل وضرورة الاعتذار من جريمة هي في الحقيقة ثمرة جرائم أخرى ارتكبها غيرنا ونحن من ضحاياها. بل المطلوب أن نتحرك لتحويل اتجاه الدعاية والتطورات وتداعيات الأحداث نحو وجهة تخدم الإسلام والمسلمين، وتدعم الجاليات المسلمة المقيمة في الدول الغربية، وتبني استراتيجية فعالة لمكافحة الإسلاموفوبيا والعنصرية. ويجب ألا تنحصر أفعالنا وأقوالنا وفعاليتنا ومواقفنا بردات الفعل. 

ماذا يمكن أن نفعل؟ ولعل أفضل رد على الإساءة إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأفضل ما يمكن أن نقوم به الآن حملات عالمية كبيرة للتعريف بالإسلام ونبيه صلى الله عليه وسلم وبيان مكانته لدى المسلمين، ونشر سيرته الطاهرة ورسالته الخالدة بعدة لغات. وبعد إساءة صحيفة شارلي إيبدو الفرنسية إلى النبي صلى الله عليه وسلم في عددها الجديد، أطلق ناشطون وسماً في موقع التواصل الاجتماعي الشهير «تويتر» ليشرحوا من خلاله رسالة نبي الرحمة، إلا أن المطلوب وما يمكن أن نقوم به أكثر من ذلك، وهناك مسؤولية كبيرة تقع على عاتق المؤسسات التعليمية والمنظمات الأهلية وكذلك على الشركات ورجال الأعمال في تنظيم هذه الحملات وتمويلها، ولكن الجزء الأكبر من المسؤولية يجب أن يتحملها هؤلاء الزعماء العرب والمسلمون الذين هبوا إلى باريس لتقديم التعازي إلى الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند ومواساته وشاركوا في «مسيرة الجمهورية».

أحداث باريس والاهتمام البالغ بمقتل عدد من الصحافيين فرصة ذهبية لفضح ازدواجية معايير الغرب في التعامل مع قضايا الإرهاب وحرية الرأي والتعبير وحرية الصحافة. وأوضح دليل على النفاق الغربي مشاركة الإرهابي الكبير ومجرم الحرب السفاح بنيامين نتنياهو في مسيرة قيل إنها ضد الإرهاب.

القوات الإسرائيلية قتلت 16 صحافيا بينهم صحافي أجنبي خلال عدوانها الأخير على قطاع غزة في الصيف الماضي كما قتلت 39 صحافيا في الأراضي الفلسطينية منذ العام 2000، في محاولة لإسكات صوت الإعلام الحر الذي يفضح جرائمها وينقلها إلى الرأي العام ويسجلها بالصوت والصورة. ولا شك في أن هؤلاء الصحافيين الشرفاء أحق للتضامن معهم باسم حرية التعبير وحرية الصحافة من حثالة ديدنهم الوحيد هو الإساءة إلى الأديان والمعتقدات.

قادة أكثر من 50 دولة شاركوا في المسيرة التي تم تنظيمها في العاصمة الفرنسية باريس ضد الإرهاب الذي يستهدف حرية التعبير، مع أن بعض هؤلاء القادة لا يوجد في بلدانهم المستوى الأدنى من الحريات. وهذه فرصة للمطالبة بالإصلاح وتعزيز الحريات في تلك الدول، إذ لا يعقل أن يكون المرء مدافعا عن حرية التعبير في باريس بينما يقمعها في بلده بالنار والحديد.

المسلمون المقيمون في أوروبا يشعرون هذه الأيام بالخوف والقلق على حياتهم بسبب تصعيد الهجمات العنصرية التي تستهدفهم، ومن أهم ما يمكن أن نقوم به في الوقت الراهن أن نعلن تضامننا معهم ونطالب الحكومات الأوروبية بحمايتهم من جميع أشكال التمييز العنصري والهجمات الإرهابية، ونقول لمن تسول له نفسه من الزعماء الغربيين إن تأجيج الإسلاموفوبيا والعنصرية ضد المسلمين سلاح في نهاية المطاف يعود ويضرب الدول الغربية نفسها.

عن الكاتب

إسماعيل ياشا

كاتب تركي


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس