احسان الفقيه - خاص ترك برس

"القوة ليست محصورة في المال والجاه، ولا في السلطة والحكم، ولا بكثرة الأعوان والأنصار ؛ فإن في العالم قوى حسية وقوى معنوية"، عبارة لمحمد رشيد رضا، أستهلّ بها مقالتي وقد جرت العادة أن يتجه الكاتب لاستهداف كل الشرائح والأطياف ما أمكن، وربما تُقاس قوة ما يكتب بمدى القبول الذي يحظى به لدى تلك الشرائح المختلفة، لكن الفكرة التي راودتني قبل كتابة هذه السطور، قد ألجأتني لأن أقتصر على استهداف فئة بعينها.

(إنها فئة أهل الإيمان)، التي اتّصل أهلها بالسماء، ونظروا إلى حقيقة علاقتهم بالكون وخالقه، أولئك الذين لم تخُطّ النظرة المادية الجامدة آثارها على إدراكهم، الذين يتعاطون مع الأسباب وهم يعلمون يقينا أن هناك  من يُسبب تلك الأسباب، ويدير حركة الكون، بقدرة غالبة، وحكمة بالغة، هؤلاء وحدهم هم الذين سيفهمون كلماتي، ولا يُمطرونني بوابل من التهكُّم والسخرية، وهؤلاء هم الذين يعنيني قراءتهم لذلك الموضوع.

أسوق هذه المقدمة لموضوع يتعلق بالانتخابات الرئاسية والبرلمانية المصيرية في تركيا، نظرًا لأن محور الحديث هو ورقة من الأوراق التي يُعوَّل عليها في فوز أردوغان وحزبه يغفل عنها الكثيرون، إلا أنها ورقة مكتوبة بلغة معينة لا يفهمها إلا أهل هذه الفئة التي تحدثت عنها، إنها دعوات المسلمين في المشارق والمغارب.

ليست مقالة وعظية، لكنها انطلاق من حقيقة ثابتة باعتبارنا مسلمين، وهي أن الله تعالى بيده مقاليد السموات والأرض، وأن الدعاء سلاح المؤمن.

حدثني بعض إخوتي في الدول العربية التي فتحت سجونها للدعاة والمصلحين ومناهضي الظلم، أن ليلة الانقلاب الذي داهم تركيا قبل عامين قد شهدت ملحمة داعمة لأردوغان خلف القضبان، فقد كان المعتقلون يُحيون الليل بالصلاة والذكر والدعاء والتضرع لأن تنقشع سحب الأزمة، وأن يرد الله كيد الخائنين.

وبصرف النظر عن توجّهات النظام التركي التي احتدم حولها الجدل والتنازع هل هي إسلامية أم علمانية محافظة أم نظام يتعامل بمنطلقات إنسانية ونحو ذلك، فما يهمنا في الأمر هو المواقف العادلة الشريفة القوية لتركيا حيال قضايا العالم الإسلامي، والتي جعلت أبناء هذه الأمة يرفعون أكُفّ الضراعة لأن تُسفر الانتخابات عن فوز أردوغان وحزبه، لقناعات راسخة لديهم بأن ذلك الفوز يعني استمرار المسيرة التركية واستمرار الانتصار للمظلومين، ويعني الانتصار على القوى الإمبريالية العالمية ومعها أنظمة استبدادية عربية سعت لعرقلة المسيرة التركية التي خرجت عن العباءة الأمريكية.

اللاجئون السوريون في تركيا تجاوز عددهم الثلاثة ملايين و 424 ألف لاجئ وفق إحصائية صادرة عن وزارة الداخلية ودائرة الهجرة التابعة لها في يناير الماضي، هؤلاء تُحلّق دعواتهم في سماء تُظلّل أردوغان وفريقه والأتراك الشرفاء، فبعدما فتح لهم البلاد واقتسم الشعب معهم رغيف الخبز بعيدًا عن براميل الموت المتفجرة والغازات السامة، يُطاردهم شبح فوز القوميين، لأنه في هذه الحالة سيكون مصيرهم الطرد والترحيل إلى أرض الموت، وليس هذا من قبيل التكهُّنات، وإنما صرّحت به ميرال أقشنر مرشحة الحزب الصالح "إيي" ، أمام حشد من أنصارها في ولاية طرابزون، أنها ستقوم بإعادة اللاجئين السوريين إلى بلادهم حال فوزها بالانتخابات المقرر إجراؤها في 24 يونيو/حزيران الجاري.

أهل فلسطين وخاصة قطاع غزة يتضرعون لخالقهم في أن يفوز أردوغان الذي يُولي القضية الفلسطينية اهتمامًا خاصًا، فلم ينس له الشعب الفلسطيني مواقفه التاريخية ابتداء بمؤتمر دافوس 2009 أمام شيمون بيريز، مرورًا بالدعم الإغاثي والتنديد بالانتهاكات الإسرائيلية، وانتهاءًا بالحراك القوي المناهض إزاء نقل السفارة الأمريكية إلى القدس.

البلاد الإسلامية المنكوبة مثل بورما التي لم يلتفت لأزمتها الطاحنة سوى قليل من الدول على رأسها تركيا، والتي أرسلت رموزها السياسية الرفيعة بقوافل الإغاثة إلى مخيمات اللاجئين المنكوبين، إضافة إلى التركيز على ذلك الملف في المحافل الدولية، هؤلاء يدعون الله تعالى بأن يكون الفوز حليف أردوغان وحزبه.

الهاربون من بطش الأنظمة الاستبدادية القمعية، الذين خُيِّروا في أوطانهم بين القتل والسجن أو مُمَالئة الظالمين، وجدوا في تركيا الملاذ الآمن، أولئك يتضرعون إلى ربهم في أن يفوز أردوغان وحزبه لتظل أبواب تلك البلاد مفتوحة للمظلومين المضطهدين.

المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها الذين يرون في تركيا - التي تنتمي إلى العالم الإسلامي – نموذجا لدولة مسلمة حديثة يُرجى تكراره، نموذجا لدولة خارجة عن التبعية لكبار الغرب والشرق، دولة ترفع لواء القضاء على الفساد، وتحترم شعبها وتنطلق في قراراتها من صميم مصالحه وإرادته الحرة، وتقيم وزنًا لإرادة الشعوب وتدعم قضاياها العادلة، أولئك يدعون ربهم بفوز أردوغان وحزبه، لتظل بارقة الأمل ماثلة أمام أعين المُحبطين.

تلك هي الورقة الرابحة التي سيدخل بها أردوغان وفريقه الانتخابات، وكما قلت في البداية، أهل الإيمان هم الذين سيدركون هذه المعاني ويضعون ذلك السلاح موضوع الاهتمام، ولئن سخر منا الساخرون وقالوا أن ذلك حديث الدرويش الضعيف العاجز، فنقول مرحى بالضعفاء الذين تنطلق سهاهم بالليل، فيُنصر بدعواتهم الحق وأهله، وهو ما جاء في الحديث النبوي الصحيح (هل تنصرون إلا بضعفائكم؟ بدعوتهم وإخلاصهم).

لقد أدرك القائد المسلم قتيبة بن مسلم قيمة الأيدي المرفوعة إلى السماء، فحين هالَهُ أمر أعدائه في الحرب، سأل عن العالم الزاهد محمد بن واسع، فقيل: هو ذاك في الميمنة جامح على قوسه، يبصبص بأصبعه نحو السماء (أي يدعو)، قال: تلك الأصبع أحب إلي من مائة ألف سيف شهير وشاب طرير.

وتلك الأيادي المتوضئة التي تُلِحّ على ربها بالدعاء لفوز أردوغان هي سلاحه وورقته الرابحة، وبعد أيام ستحتفل الأمة بهذا النصر، إن شاء الله تحقيقا لا تعليقا، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون. 

عن الكاتب

احسان الفقيه

كاتبة أردنية


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس