برهان الدين دوران – صحيفة صباح – ترجمة وتحرير ترك برس

انتقلت المشاحنات المتبادلة بين الرئيس الأمريكي ترمب ونظيره الإيراني روحاني إلى مرحلة جديدة، من المعروف أن روحاني اتبع سياسة معتدلة وتهدف لإصلاح العلاقات بين الدولتين الأمريكية-الإيرانية، في حين أن ترمب اتخذ موقفاً حاداً منذ بداية الأزمة، لكن في الوقت الراهن يبدو أن روحاني بدأ يميل للسياسة التي انتهجها القائد الديني "الخميني" و "قاسم سليماني" مسبقاً.

هذا وقد علّق روحاني خلال اجتماعه بالسفراء الإيرانيين على الحصار الأمريكي لتجارة النفط بعبارة "إن الصلح مع إيران هي مصدر السلام العالمي، والحرب ضد إيران هي مصدر جميع الحروب"، كما بادر الرئيس الإيراني مسبقاً إلى تحذير ترمب ونصحه بعدم العبث مع إيران، وجاء الرد من ترمب عبر موقع التواصل الاجتماعي "تويتر" على الشكل التالي: "لا تحاول تهديد أمريكا مرة أخرى، وإلا ستضطر لمواجهة نتائج لم يشهدها أحد في السابق".

يسعى ترمب الذي حوّل موقع تويتر إلى وسيلة تواصل دبلوماسي إلى إجبار إيران على الخضوع لأمريكا كما هو الحال بالنسبة إلى كوريا الجنوبية،  والهدف الرئيس من ذلك هو إجراء المفاوضات حول الاتفاق النووي الذي تخلّت عنه واشنطن في سنة 2015 واستمر في ظل إدارة بريطانيا وفرنسا والصين وروسيا.

يمكن القول إن السبب الأهم للتوتر الموجود بين واشنطن وطهران هو حصار أمريكا لصادرات النفط الإيراني الذي سيبدأ خلال شهر نوفمبر/تشرين الثاني، ورد الأخيرة على ذلك بإغلاق مضيق هرمز، لكن يجدر بالذكر أن ترمب ليس وحيداً في سياسة التهديد والقسوة تجاه إيران، إذ ينتهج مستشار الأمن القومي "بولتون" ووزير الخارجية "بومبيو" السياسة ذاتها أيضاً، كما أن بومبيو ألقى كلمةً أشار من خلالها إلى فساد القادة الإيرانيين، و وصف حكومة طهران بالمافيا، وكذلك صرّح رئيس الوزراء الإسرائيلي "ناتنياهو" بأنه يؤيد العبارات القاسية التي استخدمها ترمب وبومبيو خلال حديثهم عن إيران، في هذا النقطة يجب لفت الانتباه إلى أن المستفيد الأكبر من انتشار الأجواء المعارضة لإيران في المنطقة هي دولة الاحتلال، إذ استغلّت إسرائيل زخم التطورات الأخيرة وتمكّنت من تطبيق قرارها العنصري والذي ينصّ على الاعتراف بالدولة القومية اليهودية، وأعلنت أن الصهيونية قد وصلت إلى هدفها من خلال القرار المذكور، أما بالنسبة إلى السعودية فهي ترى أن حصار الإيراني لن يؤثر على مجال تجارة النفط، ولهذا السبب تؤيد سياسة ترمب وبومبيو أيضاً.

ساهمت إدارة ترمب في دعم المظاهرات المعارضة لحكومة طهران منذ شهر مايو/أيار، وعرضت على إيران 12 شرطاً مقابل تطبيق اتفاق نووي جديد، وفي هذا السياق يجدر بالذكر أن أربعة شروط فقط تتعلّق بمسألة الأنشطة النووية، والثمانية المتبقية تتعلّق بسياسة التوسّع التي تنتهجها إيران في المنطقة، والتي بدورها تتسبب في قلق إسرائيل والخليج العربي، وبتوضيح أكثر تنصّ الشروط الثمانية الأخيرة على مطالبة إيران بإخلاء سبيل المساجين الأمريكيين والانسحاب من الساحة السورية والتوقف عن دعم حزب الله وحركة حماس والتنظيمات الإسلامية الأخرى، وكذلك احترام استقلال وسيادة العراق وقطع الدعم عن الحوثيين في اليمن وإنهاء فعاليات القوة العسكرية في القدس والتوقف عن دعم تنظيمي طالبان والقاعدة والتخلّي عن موقفها العدواني تجاه الدول المجاورة لها.

إن عدم قدرة إيران على الموافقة على هذه الشروط هو أمر واضح، لكن مع مرور الوقت يزداد ضيق مجال الحصار الأمريكي، وواشنطن تستعد لتطبيق عقوبات اقتصادية لم يُرى لها مثيل من قبل، ومن جهة أخرى يحذّر المسؤولون الأمريكيون الشركات الدولية من الاستمرار في العلاقات التجارية مع إيران، وإلا سيتم فرض عقوبات اقتصادية على هذه الشركات أيضاً، وفي السياق ذاته تم إرسال هيئة من وزارة المالية الأمريكية إلى أنقرة أيضاً لتحذير مسؤولي "اتحاد الغرف والتبادل السلعي في تركيا" في هذا الصدد.

هناك بعض الجهات التي تعتقد أن تهديد أمريكا للشركات التي تتعامل مع إيران ستؤدي إلى أضرار أكبر من الناتجة عن الحرب الاقتصادية بين أمريكا والصين، قد تتمكّن إيران من توحيد عناصر  حكومة طهران ومقاومة المظاهرات المعارضة لفترة أخرى، لكن من المؤكد أن طهران ستواجه أيام عصبية في الخارج والداخل إذا استمر هذا الحصار لمدة طويلة.

إن مطالبة الفئة الشيعية في مدينة البصرة بخروج إيران من العراق تشير إلى مدى تأثير ترمب في المناطق التي تنفذ إليها إيران، كما أن تهديد إيران لأمريكا بإغلاق مضيق هرمز يحمل أهمية كبيرة أيضاً، وقد صرّحت الصين بأنها تعارض إغلاق المضيق المذكور، في حين أن تفاصيل اتفاق ترمب ونظيره الروسي بوتين خلال قمّة هيلسينكي في خصوص إخراج إيران من الساحة السورية ما زالت مجهولة إلى الآن، يبدو أن التوتر سيزداد خلال المرحلة المقبلة، وسنرى ماذا يمكن لطهران أن تفعله للخروج من الحصار الأمريكي!

عن الكاتب

برهان الدين دوران

مدير مركز الدراسات السياسية والاقتصادية والاجتماعية "سيتا" في أنقرة


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس