أ. د. إبراهيم خليل العلاف - ترك برس

لا أريد أن أدخل في تفاصيل تاريخ العلاقات التركية -الأميركية، فهذه من القصص المعروفة. ولكن لا بد أن أذكر بأن تركيا منذ تشكيل الجمهورية التركية الحديثة سنة 1923 هي حليفة للغرب، وهي عضو في حلف شمالي الأطلسي. والغرب كان يعتمد على تركيا في حربه الباردة مع الاتحاد السوفيتي السابق طيلة الفترة 1945-1991. لكن ما الذي جرى خلال الأيام الماضية عندما أقدمت أميركا ترامب على البدء بحرب وحصار اقتصاديين على تركيا، كان من نتائجه أن خسرت الليرة التركية خلال أيام 40% من قيمتها أمام الدولار.

نعم العلاقات بين تركيا والولايات المتحدة ساءت بعد أن اتضح دور فتح الله غولن الداعية الإسلاموي التركي الذي يعيش في أميركا في الانقلاب الفاشل سنة 2016. ولكن بعد نجاح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في تغيير النظام السياسي في تركيا من برلماني إلى رئاسي وانتخابه رئيسا في حزيران/ يونيو 2018 بدأت الولايات المتحدة تثير أمامه المشاكل والعقبات، وكان قرار إحدى المحاكم التركية بإبقاء القس الأميركي (اندرو برانسون) في السجن بعد سنتين من اعتقاله واتهامه بالتجسس والإرهاب، والتعاون مع حزب العمال الكردستاني التركي، القشة التي قصمت ظهر البعير حيث رفض أردوغان طلب ترامب إطلاق سراح القس المتهم والمعتقل منذ تشرين الأول/ نوفمبر 2016.

الذي أريد أن أقوله إن الرئيس ترامب بعد رفض تركيا إطلاق سراح القس اندرو برانسون فرض جملة من العقوبات الاقتصادية على تركيا وفرض ضرائب على ما تستورده بلاده من تركيا وهدد بعقوبات قاسية وهذا سلاح استخدمه الأميركان مع العراق وأعادوه بعد احتلالهم له إلى عصر ما قبل الصناعة وهم اليوم يبدأون حصارا وعقوبات ضد إيران. والهدف واحد، وهو أن الغرب، وكما يدلنا التاريخ يقف ضد كل نهضة تظهر في الشرق… فعلوا ذلك مع الدولة العثمانية… وفعلوا ذلك مع محمد علي والي مصر 1805-1844… وفعلوا ذلك مع مصر عبد الناصر، وفعلوا ذلك مع العراق وفعلوا ذلك مع أفغانستان وسلاحهم واحد العقوبات الاقتصادية، والاتهام بالمعاداة للصهيونية، وممارسة الدكتاتورية، وإثارة قضايا حقوق الإنسان، والتصدي للجاسوسية (بازوفت وبرانسون كأمثلة).

الولايات المتحدة الأميركية في عهد الرئيس ترامب فرضت عقوبات ضد وزيري الداخلية والعدل التركيين واتهمتهما بأنهما قاما بدور كبير في اعتقال القس الأميركي. ورد أردوغان بالمثل. وعاد الرئيس الأميركي وهو اليوم يمارس (دبلوماسية التويتر) ليصدر قرارا بمضاعفة الرسوم على واردات أميركا من الفولاذ والألمنيوم التركيين إلى 50% و20% على التوالي، وكتب في تغريدة على تويتر "إن علاقاتنا مع تركيا في هذه الأيام سيئة".

وهكذا توالت الأحداث وانعكست التصريحات السياسية على أرض الواقع وانخفض سعر الليرة التركية أول الأمر إلى 16% ثم إلى 40% أمام الدولار، وهذا مما يشكل خطرا على الاقتصاد التركي.

وابتدأت الحرب الاقتصادية الأميركية، كما سماها أردوغان، على تركيا ودعا شعبه إلى إبدال أية أموال أجنبية لديهم إلى الليرة التركية. وقال إن هذا يقع ضمن إطار الدفاع الوطني عن البلاد… وقال إن تركيا ستبحث عن حلفاء جدد غير الأميركان، وإن تركيا لا يمكن أن تركع بسبب قس معتقل وخاطب ترامب بالقول وعبر دبلوماسية التويتر بالقول "عار عليك أن تستبدل شريكا ستراتيجيا بقس يدعم الإرهاب". وأضاف أن تركيا تواجه (مؤامرة) وإن الولايات المتحدة تتعمد طعن بلده في الظهر.

قلت في مطلع المقال، إن الغرب وقف ويقف أمام أي مشروع للنهوض الاقتصادي في الشرق الأوسط، وأردوغان طيلة السنوات الماضية حقق لبلده إنجازات كبيرة على المستوى الاقتصادي ومن ذلك مثلا أن الناتج القومي التركي حقق زيادة وصلت إلى ترليون و100 مليار دولار، وأن تركيا تخلصت من الديون الأجنبية وأنه قفز ببلاده إلى المرتبة 16 في المركز الاقتصادي العالمي بعد أن كان مركز تركيا يقف عند المرتبة 110 وهذا يعني أن تركيا 2023 (مرور 100 سنة على تأسيس الجمهورية التركية) ستصبح من الدول الكبرى اقتصاديا في العالم... تصوروا حجم التبادل التجاري مع العراق ارتفع في عهده إلى (12) مليار دولار بعد أن كان (3) مليارات قبل ذلك ومع هذا قال أمس وهو يلتقي الدكتور حيدر العبادي إنه يطمح إلى مضاعفة حجم التبادل التجاري.

تركيا اليوم من الدول التي تشهد تحولات اقتصادية كبيرة، وحجم التبادل التجاري مع أفريقيا ومع كثير من دول آسيا الوسطى يتضاعف، وعلاقات تركيا مع إيران على أفضل ما يكون، ومطار إسطنبول يستقبل يوميا 1260 طائرة وتعد الخطوط الجوية التركية أفضل ناقل جوي والصناعات العسكرية التركية في تطور فضلا عن الزراعة والصناعة والسياحة والتعليم والصحة والاستثمارات... ولا أريد أن أطيل فثمة إنجازات كثيرة لا يُسر لها الغرب الرأسمالي الذي لا يريد أن يرى غير إسرائيل في الشرق الأوسط قوة سياسية واقتصادية وعسكرية، وأعتقد أن هذا هو السبب في البدء بوضع عثرات أمام تركيا وحتى لا تتحول إلى قوة اقتصادية وسياسية في منطقة الشرق الأوسط.

الخلاصة الغرب، وعلى رأسه الولايات المتحدة الأميركية لا يريد لا لتركيا ولا لأية دولة شرق أوسطية - طبعا بإستثناء إسرائيل - أن تنهض وتقوم بدورها مستقلة عن الدور المرسوم لها من قبل الغرب وتلك واحدة من أبرز ما يواجه هذه المنطقة من مشاكل.

عن الكاتب

أ. د. إبراهيم خليل العلاف

أستاذ التاريخ الحديث المتمرس - جامعة الموصل


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس