ياسر عبد العزيز - خاص ترك برس

بعد ان تغيرت قواعد الحرب في أجيال متعاقبة وضع أسسها مفكرون غربيون، عكفوا على ترسيخ أقدام المستعمر القديم في مناطق النفوذ والثروات، وكبح جماح أي قوى تريد أن تنهض في تلك البلدان، أصبحت الحرب المخابراتية والعمليات النوعية هي المفضلة، لكن ولخبث هؤلاء استخدموا في تلك الحرب الخفية تابعين من غير جلدتهم لتزداد تلك العمليات خبثا ودهاء.

لا يستطيع أحد أن ينكر تلك الحرب الشعواء التي يشنها الغرب بقيادة راعي البقر على الإدارة التركية منذ أن استشعروا خطورة تلك الإدارة التي تتحسس خطاها للخروج من عباءة النفوذ الغربي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، ولعل حرب العملة والاقتصاد التي تشن على تركيا منذ أشهر خير دليل، وعلى الرغم من أن الإدارة التركية تحاول جاهدة لإفشال أثار هذه المعركة، إلا أن راعي البقر لا يهدأ في حفر الحفر بإطلاق يد أتباعه للإيقاع بتركيا. 

اختفى الناقد السعودي البارز والمسؤول في صحيفة واشنطن بوست جمال خاشقجي في تركيا بعد دخوله قنصلية المملكة العربية السعودية في إسطنبول، حسبما ذكرت بيت الإعلاميين العرب في تركيا في بيانها الصادر في 2 أكتوبر، وبحسب البيان المنقول عن شهادة خطيبة خاشقجي أن الرجل دخل القنصلية لإنهاء معاملات رسمية في الساعة الواحدة بعد الظهر يوم الثاني من أكتوبر ولم يخرج بعدها.

وعلى الرغم من أن خاشقجي كان مقربا في عهد الملوك السابقين، حيث عمل كمستشار لكبار المسئولين، بمن فيهم رئيس الاستخبارات السابق الأمير تركي، إلا أن النظام الجديد لا يرى في الرجل ما يمكن الاستفادة منه فنبذه، وفي المقابل أطلق الرجل عنان المعارضة للنظام الذي بدأ حكمه بالبطش وخلط أوراق المعادلات وأضحى الحليف لديه عدو.

وهو ما يظهر جليا من عملية اختطاف النظام السعودي لخاشقجي الذي يعيش في الولايات المتحدة منذ العام الماضي بعد مغادرته المملكة العربية السعودية بسبب مخاوفه من الاعتقال الذي طال كثيرين ممن قبله، فلماذا لم ينفذ النظام عملية الاختطاف هناك، ولماذا تركيا دون غيرها، فالرجل له سفرات كثيرة وقد تنفذ العملية كما غيرها مما طالت ناشطين في شوارع أي بلد؟

في الثاني والعشرين من شهر سبتمبر الماضي بعث الرئيس أردوغان برقية تهنئة للعاهل السعودي بمناسبة اليوم الوطني للملكة حوت إلى جانب التهاني توضيح لما تمر به الأمة من تحديات وتأكيد على رغبة تركيا في مواصلة التشاور والتعاون مع السعودية في كافة المجالات عبر الآليات المؤسساتية المشتركة.

لكن وفيما يبدو أن هناك من يعبث بتلك العلاقات ويريد أن يقطع الطريق على أي تعاون ممكن بين الدولتين الكبيرتين للإضرار بالمصلحة الاستراتيجية للأمة لصالح قوى تضغط لتبقي هيمنها على مقدرات الشعوب باستخدام صبيان اعتادوا التمسك باللعب فإذا امتلكوها حطموها دونما مراعاة للمبادئ والأخلاق والمصائر المشتركة وما يمكن أن تخلفه قراراتهم على المدى البعيد.

إن عملية خطف خاشقجي قصد منها إظهار تركيا على أنها غير قادرة على حماية ضيوفها، فتظهر بمظهر الضعيفة أمنيا ومخترقة مخابراتيا، كما أن العملية تهدف إلى دق إسفين بين الحكومتين مراهنين على رد فعل عصبي من الحكومة التركية يسوق شعبيا فيبث الكراهية بين صفوف الشعب السعودي المحب لتركيا والذي لم يستجب لحملة مقاطعتها سياحيا الصيف الماضي، كما لم يستجب للضغوط بعد الاستثمار فيها بعد أزمة الليرة التركية المفتعلة بيد الولايات المتحدة وعملائها في الخليج.

والغريب أن الخارجية في المملكة تنصاع لنزوات الولد الذي يحركه معلمه في الإمارات، دون النظر لمفاهيم السياسة وقواعد الدبلوماسية، فتقايض بالحجاج الأتراك المخالفين مقابل تمرير خروج خاشقجي من تركيا، فبالمناسبة لايزال الرجل داخل القنصلية ولم يستطع الخاطفين تهريبه، هذه السياسة التي تنتهجها الخارجية لدولة بحجم السعودية تعني أنه لا مؤسسات بها وإنما تعمل بهوى أشخاص دون النظر إلى المصالح الاستراتيجية لبلدها وهو ما يجعل العمل مع مثل هذا النظام خطر.

لكن الأهم، لماذا تلعب دولة يظن أنها كبيرة دور أصغر بكثير من حجمها الجغرافي والسكاني والجيوسياسي وتجاوزا السياسي؟

والإجابة... عدم الخبرة وبطانة السوء.      

عن الكاتب

ياسر عبد العزيز

كاتب وباحث سياسي ومدير مركز دعم اتخاذ القرار في حزب الوسط المصري سابقا.


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس