ياسر عبد العزيز - خاص ترك برس

رد الفعل الشعبي العربي، خاصة المتعاطفين مع الصحفي المغدور جمال خاشقي كان قاسيا على الرئيس أردوغان، إذ لم يرضي الخطاب غرورهم، لاسيما وأن الرئيس قد أعلن أول أمس أنه سيعري الحقائق، فظن هؤلاء أن الرئيس سيضرم النار في الحطب ليكوي جباه البعض وجلودهم، وهو ما حدث بغير أن يظهر لذلك أثر للعوام، وكانت السياسية التركية في موقفها تجاه الأزمة بين حلين، راهن البعض على أحدهم ونفاه المتحدث باسم الحزب الحاكم وزميله في الرئاسة، حيث نفى المتحدثين أن يبتعد موقف تركيا عن المبادئ والأخلاق، فلقد راهن البعض على المزاد الذي افتتحه الرئيس ترامب للحلب، لاسيما وأن المحلوب لا يمانع.

فلقد ذهب الكثير في تحليلهم إلى أن تركيا ستحاول الاستفادة من الأزمة بعودة الاستثمارات السعودية بضغط من أمريكا، كما أن أمريكا نفسها سترفع العقوبات او تقلص قبضتها عن الاقتصاد التركي الذي يعاني منذ العقوبات الأمريكية وهو ما نراه حلا تكتيكيا آنيا قد يرفع حالة الضغط الاقتصادي الذي تسببت فيه العقوبات وسحب الاستثمارات الغربية والخليجية، وهو ما يعني نجاح للحزب الحاكم الذي تطارده المعارضة منذ الأزمة الاقتصادية، إلا أن الإدارة التركية اختارت الطريق الأطول لكنه الأسلم، فلقد فوتت فرصة الصدام المباشر مع السعودية، والذي راهنت عليه أطراف عديدة غربية أو إقليمية، وزادت على ذلك كسب ورقة ضغط قوية يمكن اللعب بها في الوقت المناسب، كما ان تركيا فتحت الباب أمام عودة العلاقات مع السعودية مع الاحتفاظ بزمام الأمور.

فقد واصلت تركيا الضغط على السعودية ووضعت الكرة في مرماها بالمطالبة بلجنة محايدة، وهو ما كذب الرواية السعودية التي لم تنطلي على أي دولة، ناهيك عمن يمتلك الدليل، لكنها في نفس الوقت ضربت ضربتها القاسمة بتحميل المتهمين الخمسة عشر الجريمة ورفع سقف الاتهام إلى المتحكم الحقيقي في الأمور في المملكة، وهي في ذلك قررت أن تخوض غمار المعركة إلى النهاية، فالقضاء على الرأس يجعل الذنب يموت وحده.

تورط الأمير الصغير بغواية من ساكن قصر الحصن في أبو ظبي في محاولة الانقلاب الفاشلة في تركيا وضع الأمير الصغير نفسه في ورطة مع تركيا مختارا غير مرغم، وهو في ذلك ينفذ أجندة غربية صهيونية، تعود بالضرر مهما أغواه في ذلك الغاوون، وعلى الرغم من محاولات الرئيس التركي لملمة الأمور والتعالي عن أخطاء الأمير لحداثة سنه ومحدودية قدراته في النظر إلى مآلات الأمور، إلا أن الشاب أوغل في الطريق الخطأ ليهدي تركيا هدية لا يمكن لعاقل أن يرفضها، أهدى الأمير الصغير لتركيا القلم الذي يمكن أن تكتب به نهايته.

تركيا اختارت أن تنهي أزمتها مع الأمير الشاب ومن وراءه في أبوظبي وتوجه ضربة موجعة في نفس الوقت لتابعهم في مصر، كما أن الرسالة التي ستصل لداعميهم في واشنطن والطامعين في ملياراتهم في الغرب مفادها أن السقوط يمكن أن يطول الكل، خاصة ترامب المقبل حزبه على انتخابات تجديد نصفي في البرلمان، وهو ما يعني أن ارفعوا أيديكم عن الصبي لأصفي حساباتي معه، بل وتعالوا معي لنحاكمه، ففي خطاب الرئيس دعا إلى تدويل القضية وهو في ذلك يحرج الجميع بعد ان أصبحت القضية، قضية رأي عام عالمي يتداولها أهل البسيطة يوميا وعلى مدى ثلاثة أسابيع.

وقد وضحت نية تركيا في ذلك من خلال بعض الشواهد في خطاب الرئيس منها قوله: (سنحاسب من أسفل السلم إلى أعلاه) وقوله (محاسبة جميع المتهمين) وتساؤله (من الذي وجه الأوامر) وعدم ارتياحه للرواية السعودية في قوله (لانطمئن لاتهام بعض ضباط المخابرات)

فكل هذه العبارات تشير إلى أن الرجل أراد صيدا ثمينا أكبر بكثير من طموح ترامب وحلفائه في الغرب، الرجل أراد أن يستأصل المرض لينعم الجسد التركي بقليل من الراحة من جهة حلفائه القدامى، ولو استطاع إعادتهم لمقاعد الحلفاء فقد فاز فوزا عظيما.

فرق كبير من يتعامل في السياسة بمنطق البائع المتجول، ومن يملك الشركات ويريد لها التوسع.

عن الكاتب

ياسر عبد العزيز

كاتب وباحث سياسي ومدير مركز دعم اتخاذ القرار في حزب الوسط المصري سابقا.


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس