ممصطفى بارودي - خاص ترك برس

ما أسعدنا بذلك الربيع الذي أكرمنا الله تعالى بطلعةِ خير البرية سيدنا محمد عليه أفضلُ الصلاة والسلام، وأشرفُ ما أكرمنا الله تعالى به بعد الإيمانِ بهِ عزوجل والعبودية له، الأسوة الحسنة والتأسي بسنته الشريفة نبراساً ومنهجاً، نسير على نهجه ونَقتفي أثرهُ الكريم تَشرفاً.

وأُعَطرُ هذا المقال بمدحهِ كما قال أخي الشاعر أنـس الدغيم:

بكُلّ بساطةٍ يهواكَ قلبي . . . وروحي والهواجِسُ والخواطِر

وأعرفُ أنّ مثلي ليس أهلاً . . لمدحِك غير أنّ الوجهَ ساحِرْ

فعذراً يا رسولَ الله إنْ لم . . . أجِدْ مدحي فإنّي نصف شاعرْ

لن أخوضَ مع الخائضين سنوياً في هذا المقال حول إباحة أو حِل أوتحريم هذه الذكرى العطرة إنما أود أن أتحدث عن تزامن الذكرى هذا العام مع فعاليات معرض موصياد 17 (MÜSİAD). قد يَجولُ بخاطر القارئ الكريم، لماذا الربط هذه المرة بين المناسبة العطرة وفعاليات موصياد؟

وقد عهدنا في المقالات السابقة أن غالب جوهرها سياسي مغلفة بغلاف أجتماعي أو ديني! هل هو إعجاب بالتجرية التركية وهي جزء منها؟ أم هناك أمر آخر لذلك؟ الحقيقة الأمرين معاً.

لا يخفى على كل ذي لُب النجاح المُبهر للتجربة التركية إذا قيست بعدم إعتمادها على الثروات  النفطية والفترة الزمنية القصيرةً نسبياً مقارنة مع التجارب الدولية الآخرى حتى الآن.

أما الأمر الآخر هو قيام الخمسة الأوائل من السادة المؤسسين لمنظمة موصياد (MÜSİAD) سنة 1990 بوضع اللبنة الأولى في تأسيس هذا الصرح. وبعد ثلاث سنوات من تلك الخطوة في عام 1993 شُرعَ بإحياء فكرة سوق المدينة الأول بإقامة أول معرض شامل لمنظمة موصياد.

وقد أقتبس السادة الخمسة المؤسسون أصحاب السيد: إيرول يارار -الرئيس الأول المؤسس لمنظمة رجال الأعمال والصناعيين المستقلين (MÜSİAD)- فكرتهم من السيرة النبوية الشريفة، حين وصل سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وقام ببناء المسجد لصلاة المسلمين لعلمه أن أستقرار الإيمان يبدأ من المسجد ويشع نوره منه لنشر القيم والتربية الإسلامية.

وبعد ذلك دعت الحاجة بناء سوق مستقرة تتوافق في ضوابطها وتعاملاتها مع أسس ومبادئ وقيم هذا الدين الحنيف وحضارة وشرف التعاليم النبوية الكريمة التي لا غش فيها ولا خداع وبسبب تباين هذه القيم والمبادئ مع قيم أباطرة وأرباب المال والذهب في المعاملات التجارية. قام رسول الله عليه السلام ببناء أول سوق تجارية للمسلمين في يثرب، حيث حدد حدود سوق المسلمين على أرض بجوار أول مسجد وضعه للمسلمين حينها, وقال لهم: نبيع ونشتري هنا.

وكان تلك المعاملات تقوم على تقصي أقصى درجات الطهر والنقاء وهي الحدود الأخلاقية الجديدة لتجارة المسلمين وبعيدةعن السحت والربا ودنس الشبهات والمحرمات السائدة حينها. وقد أنشأ معرض موصياد (MÜSİAD)في نسخته الأولى تأسياً بما فعله الرسول الكريم عليه أفضل الصلاة والسلام, وقد أمتثل الصحابة الكرام لأمره وسار الجميع على نهجه بالدخول أولاً إلى المسجد ليس للعبادة والصلاة فحسب بل للتَفقُه بالدين وأهم ما يُتفَقهه من يبتغي التقوى في تجارته (فقه المعاملات) بإضافته إلى مكارم أخلاقه وللقيم الناظمة لتجارته. ثم يخرج من المسجد ويسمح له بالدخول إلى السوق المخصص للمسلمين يبتاع ويشتري فيها.

وقد فهم الصحابة الكرام جوهر السنة الشريفة في هذا الخصوص وقد تجلى ذلك في قول سيدنا عمر بن الخطاب-رضي الله عنه-حين قال: (لا يبع في سوقنا إلا من تفقه، وإلا أكل الربى شاء أم أبى). وقد كان سوق المسلمين في المدينة حينها فيه كل شيء ليس حكرا على بضاعة دون الأخرى وهكذا هو سوق معرض موسياد (MÜSİAD) بِنِسَخهِ كافة حتى وصولنا إلى نسخته17فيه كل شيء. وقد أُقيم هذا العام في ثمانية قاعات ويَشمل كافة القطاعات بالإضافة لمعرض التكنولوجيا المتقدمة والدفاع 4 على عكس السائد حالياً وهي المعارض التخصصية.

وتُعَد جمعية (MÜSİAD) من أكبر جمعيات رجال الأعمال والصناعيين في تركيا التي تضم 50000 شركة تؤمن 1,6 مليون فرصة عمل بالإضافة إلى 11000 عضو, 86 فرع لها في الولايات التركية 210 نقطة أرتباط وإتصال دولية تتوزع في 80 دولة حول العالم وتُشكل 22% من الاقتصاد التركي، الذي يَتعرض منذ2011 حتى الآن لضغوطات كبيرة جداً بسبب وقوف الحكومة التركية بجانب مَظلُوميات الناس وتدعم الشعوب التي تطمح للتحرر من نير الأستبداد والطغيان. وكان أكبر هذه الضغوط في الأشهر الأخير حيث وصلت الأزمة ذروتها بالضغط على الأقتصاد التركي الذي يعتبر أكبر مُصدر للمنسوجات إلى أوروبا، وثاني أكبر مُصدر للحديد والفولاذ بالعالم، وأول مُصدر للمشمش والبندق في العالم, والسابع في تَصنيع السفن بالعالم من أجل ذلك ركز الرئيس رجب طيب أردوغان على قوله: الإنتاج الإنتاج الإنتاج.

والذي حرص في السنوات الأخيرة على الحضور إلى سوق المدينة في معرض (MÜSİAD) والتجول فيه، والجدير بالذكر أنه حين كان يتجول الرئيس أردوغان بين أجنحته في إحدى السنوات توقف ملياً أمام جناح يُعرض فيه لأول مرة إنتاج طيارات تركية بدون طيار، وبدأ بطرح أسئلة عديدة ومتعاقبة تخص هذا النوع من الطائرات، وتعتبر الشركة التي تصنع هذه الطائرات التي توقف عندها حينها من أكبر شركات صناعة هذا النوع من الطائرات حالياً.

و جرياً على عادته و دعماً من الرئيس أردوغان قام بإلقاء الخطاب المعتاد له في معرض (MÜSİAD)17 هذا العام أيضاً أمام جمهور إقتصادي غفير مُتعدد الجنسيات القادم من عدة دول. وقد قُدرَ في دورته 16 عام 2016 عدد الزاور حوالي 100000 زائر، وقد عقد 8000 لقاء تجاري ثنائي B2B بين الشركات.

ذكرت ما يخص عدد الزوار الكبير سنوياً المُتعددي الجنسيات. والمُلفت للانتباه حقيقة أثناء تجوالك بين أجنحة معرض (MÜSİAD) هذا العام ليس تعدد جنسيات الزاور فحسب  بل الغلبة العربية الكبيرة على باقي الجنسيات, ويتجلى ذلك بالأجنحة العربية الكثيرة المشاركة في معرض موصياد بنسخته 17 كشركات صناعية وتجارية مُلَاكُها من العرب، وكمنظمات مجتمع مدني وقنوات فضائية ووسائل إعلام مختلفة ناطقة بالعربية، وإن دل ذلك على شيء فإنه يدل على حجم المشاركة العربية الكبيرة والملفتة للانتباه في الاقتصاد التركي كزبائن ومستثمرين طامحين في الدخول إلى أقتصاد من أهم وأكبر 20 أقتصاد في العالم ضمن مجموعة العشرين (G20).

الذي أتمناهُ على إخوتنا رجال الأعمال والصناعيين العرب المهاجرين إلى الجمهورية التركية  بأن تكون جمعية موصياد (MÜSİAD) قدوة وأسوة لهم كما كان سوق المدينة الذي بناه الرسول الكريم قدوة ونبراس للأباء المؤسسين لجمعية موصياد (MÜSİAD) جل جلاله ولي ذلك والقادرعليه.

عن الكاتب

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس