محمد شيخ إبراهيم - خاص ترك برس

منذ إعلان قيام الثورة السورية في شهر آذار/ مارس من عام 2011 والموقف الأمريكي يتأرجح بين التردد حينا وعدم الإكتراث حينا آخر، وكان الرابح الأول من هذا الموقف الأمريكي السلبي هو النظام السوري في دمشق وحلفاؤه الإقليميون والدوليون.

رمت الولايات المتحدة الأمريكية بطوق النجاة الأول للنظام السوري حين منعت كل الدول المتعاطفة مع الشعب السوري من تزويد كتائب الجيش السوري الحر بالصواريخ المضادة للطيران لكي يدافعوا عن شعبهم وأهليهم ضد النظام في دمشق الذي أعلن حربا مفتوحة على الشعب السوري وقصفه بشتى أنواع السلاح وبالأخص سلاح الجو السوري واستخدام كافة أنواع الذخائر والصواريخ والأسلحة والبراميل التي ترمي بها الطائرات على الشعب الأعزل إلى أن وصل عدد القتلى والجرحى والمشردين إلى أكثر من نصف سكان سوريا ولم تحرك واشنطن ساكنا تجاه هذا الإرهاب وهذه المجازر.

ورغم أن أسلحة الثوار كانت بسيطة إلا أن إصرارهم على النصر جعل نظام دمشق قاب قوسين أو أدنى من السقوط مما أجبر بشار الأسد على الإنتقال من دمشق إلى اللاذقية في ربيع 2012، فرمت أمريكا بطوق النجاة الثاني للنظام حين سمحت بتدخل ميليشيا حزب الله والميليشيات الإيرانية لجانب النظام التي استخدمت شتى أنواع القتل والتدمير والتهجير والإرهاب تجاه الشعب السوري.

عندما عجزت قوات النظام والميليشيات المتحالفة معها عن صد زحف الثوار والحد من انتصاراتهم رمت أمريكا بطوق النجاة الثالث لنظام بشار الأسد حين غضت واشنطن بصرها عن التدخل المباشر للقوات الإيرانية كفيلق القدس والحرس الثوري الإيراني للقتال لجانب قوات النظام وميليشياته ومنعه من السقوط، وقد ارتكبت القوات والمليشيات الإيرانية جرائم لا تقل فظاعة عن الجرائم السابقة بحق الشعب السوري إلا أن هذه الجرائم ارتكبت بنفس طائفي بغيض ترافق مع صمت أمريكي مريب شجع الإيرانييين على القيام وبشكل ممنهج على تغيير البنية الديمغرافية للسكان على امتداد الأراضي السورية، ولم يرى الشعب السوري من الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل إلا التهديدات الجوفاء تجاه خطر التمدد الإيراني في المنطقة حتى وصلت إيران على بعد بضع كيلومترات من القوات الإسرائيلية في الجولان السوري المحتل، وقد زار الكثير من الجنرالات الإيرانيين وعلى رأسهم قاسم سليماني المنطقة الحدودية للجولان عشرات المرات بالسر والعلن وعلى مرأى من القوات الإسرائيلية.

وكانت الولايات المتحدة الأمريكية قد منحت النظام السوري طوق النجاة الرابع في صيف عام 2013 حين استخدم النظام السوري السلاح الكيميائي في غوطة دمشق مما أدى لقتل أكثر من 1500 شخص غالبيتهم من النساء والأطفال، واكتفت الولايات المتحدة حينها بالتنديد بتلك الجريمة ومصادرة بعض كميات الأسلحة الكيميائية التي بحوزة قوات النظام السوري.

مرة أخرى وأمام صمود الثوار وضرباتهم الموجعة للنظام والميليشات الإيرانية وميليشيا حزب الله إستطاعوا أن يحققوا انتصارات كبيرة على الأرض هددت بسقوط النظام بمنتصف عام 2015، فما كان من أمريكا إلا وأن رمت بطوق النجاة الخامس للنظام السوري وقد تمثل هذه المرة بالتدخل العسكري الروسي بموافقة علنية من الولايات المتحدة الأمريكية وبتنسيق عالي مع الإسرائيليين، فقامت روسيا ببناء قاعدتي طرطوس وحميميم العسكريتين اللتين أتخذ منهما منطلقا لطائراتهم وترسانتهم من الأسلحة الجديدة والمتطورة لتجربها في قتل وتشريد ماتبقى من الشعب السوري الصامد والعمل على تدمير ما عجز النظام ووقوات الحرس الثوري والميليشيات الإيرانية من تدميره على امتداد الأرض السورية مما منح النظام المزيد من القوة التي منعته من السقوط الحتمي حينها.

أما طوق النجاة الأمريكي السادس للنظام السوري فكان حين هاج المجتمع الدولي وماج ضد دمشق بسبب استخدام النظام بشكل متكرر للأسلحة الكيماوية المحرمة دوليا التي أستُخدمت في مدينة خان شيخون السورية لوحدها خمس مرات كان أخطرها الهجوم بغاز السارين في نيسان/ أبريل من 2017 وكان ضحيته أكثر من 100 قتيل و400 مصاب، واكتفت إدارة الرئيس الأمريكي ترامب بكثير من الجعجعة وقليل من العمل حيث قامت بقصف محدود على بضعة أهداف في مطار التيفور الذي قالت الإدارة الأمريكية أنه النقطة التي انطلقت منها طائرات الهجوم الكيماوي على خان شيخون.

سلبية الموقف الأمريكي مما جرى ويجري من أحداث على طول الأراضي السورية وعرضها تمخض عنه وبشكل لم يسبق له مثيل تدخل ايراني – روسي في سوريا للمساهمة في عدم سقوط النظام السوري، وقد انكفأ الدور الأمريكي على تقديم الدعم للميلشيات الكردية المسماة بقوات سوريا الديمقراطية وهي الجناح العسكري لحزب العمال الكردستاني "بي كي كي" المصنف بالمنظمة الإرهابية من الولايات المتحدة نفسها، وقد أصبحت هذه الميلشيات تهدد الأمن القومي التركي بشكل كبير وزادت من عملياتها الإرهابية داخل الأراضي التركية وما كان لها ذلك لولا الدعم السخي من واشنطن التي قدمت لتلك الميلشيات مئات الآلاف من أطنان السلاح والمعدات العسكرية والأسلحة الحربية المتطورة بالإضافة إلى كل أنواع الدعم الدبلوماسي والسياسي واللوجستي حتى أصبحت هذه الميليشيات الإرهابية بمثابة الكتلة السرطانية في الخاصرة الجنوبية لتركيا التي تُحتِّم على القوات والدولة التركية استئصالها والتخلص منها للأبد.

عن الكاتب

محمد شيخ ابراهيم

كاتب في مجال البحث السياسي في منطقة الشرق الأوسط واوربا


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس