موقع لا كابيتال الفرنسي - ترجمة وتحرير ترك برس

بعد أن عانت من أزمة حادة خلال العام الماضي، يبدو أن الأسهم التركية استعادت عافيتها، وقد حان الوقت بالنسبة للمستثمرين لركوب هذا القطار والاستفادة من تعافيها.

يبدو أن تركيا بصدد العودة من بعيد في المجال الاقتصادي. فهذا البلد الذي يقوده الرئيس رجب طيب أردوغان، استفادت سوق أسهمه من فترة هدوء نسبي بعد أن عانت في العام الماضي من أزمة حادة، اتسمت بشكل خاص بانهيار الليرة. كان السبب الأساسي لهذه الأزمة السياسة النقدية الصارمة التي فرضها البنك المركزي في الولايات المتحدة، وارتفاع قيمة الدولار، وقد عمقتها التوترات الجيوسياسية في المنطقة.

وفيما يلي، عودة إلى جذور تلك الأزمة والأسباب التي تجعل المستثمرين يعودون مجددا للاهتمام بالأسهم التركية.

خلال العام الماضي، عانت الدول النامية من صعوبات اقتصادية ومن تصلب السياسة النقدية للولايات المتحدة ومساعيها لدعم قيمة الدولار، في وقت تمثل فيه تركيا واحدة من الحلقات الأضعف في هذا المجال. وأوضح فريديريك رولان، المستشار في استراتيجيات الاستثمار لدى شركة التصرف السويسرية Pictet" Asset Management" أن "تركيا عانت من عجز ضخم بلغ ما يعادل 5.6 بالمئة من الناتج القومي الصافي لتركيا في سنة 2017، وقد جاء هذا العجز في الموازنة العامة (مجموع قيمة مبادلات البضائع والخدمات والمداخيل والتحويلات الجارية)، في وقت عانت فيه البلاد من هشاشة مالية كبيرة. وبما أن عددا كبيرا من المؤسسات التركية تعتمد على عملة الدولار، تضررت مصالحها بسبب الارتفاع المتواصل في نسبة الفائض الذي فرضه البنك المركزي وارتفاع قيمة الدولار، وهو ما أثقل كاهل هذه الشركات عند خلاصها للديون".

وبالطبع، عانت الشركات التي لا تبيع بضائع أو خدمات كثيرة لخارج البلاد، وهي التي لا يتأتى إلا جزء قليل من مداخيلها من الخارج بالعملة الصعبة، من تبعات هذه الأزمة، وذلك حسب ما أكده لورن جيرونيمي، مدير التصرف في نسب الفائض في البنك السويسري Swiss Life.

وبين لورن جيرونيمي أن "الدائنين الأجانب أصبحوا فجأة أكثر فأكثر ترددا بشأن إرسال أموالهم إلى تركيا. كما أن ظهور هذا المشكل تزامن مع تضخم تكلفة المواد الأولية. وبما أن تركيا تعد من أكبر الدول المستوردة للبترول، فقد شهدت أسعار هذا الذهب الأسود ارتفاعا بين صيف 2017 وربيع 2018، وكل هذا ترجم على أرض الواقع بحدوث تضخم أثر على القدرة الشرائية والنسق الاستهلاكي للسكان، وبالتالي انعكس سلبا على النمو الاقتصادي في البلاد".

خلفت هذه الظروف أزمة ثقة لدى المستثمرين الدوليين، الذين أصبحوا شيئا فشيئا أقل ارتياحا تجاه الاستثمارات التركية، سواء كانت أسهما أو سندات، وهو ما ألقى بظلاله على العملة التركية. وقال هذا الخبير إن "هذه الأزمة المالية عمّقها تفاقم الخلافات والتوترات الدبلوماسية والجيوسياسية بين أنقرة وواشنطن، خاصة في ظل أزمة القس الأمريكي المشتبه بضلوعه في الإرهاب الذي كان محتجزا في تركيا لفترة، في وقت قررت فيه الولايات المتحدة تجميد ممتلكات وزيرين في الحكومة التركية على الأراضي الأمريكية".

أزمة عمّقها صراع ليِّ الذراع بين أردوغان وترامب

شهدت الليرة التركية في أغسطس/ آب من عام 2018 انخفاضا سريعا بشكل مخيف، وذلك على إثر صراع ليِّ الذراع بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ونظيره الأمريكي دونالد ترامب. وقد عمد ترامب إلى مضاعفة الرسوم الجمركية المفروضة على واردات الصلب والألومنيوم التركي، معتبرا أن انخفاض قيمة الليرة التركية يمثل ميزة تنافسية غير عادلة يتمتع بها الأتراك مقارنة ببقية منافسيهم. وقد أدى هذا الإعلان الصادم إلى مزيد انخفاض قيمة الليرة. وردًا على ذلك، دعا أردوغان مواطنيه إلى تبديل عملاتهم الأجنبية، وبشكل خاص الدولار واليورو، بالعملة المحلية من أجل دعمها.

أشار لورن جيرونيمي إلى أن "هذه الخطوة لم تزد إلا من تعميق مخاوف المستثمرين الدوليين، الذين كانوا يخشون من أن الرجل القوي في تركيا الذي كان قد انتخِب مجددا لقيادة البلاد، سوف يواصل تدخلاته في السياسة المالية للبنك المركزي التركي بشكل يضر الاقتصاد".

منعرج مشجع فيما يخص التضخم ونسبة الفائدة

يجب الإقرار بأن الانحدار المخيف لليرة التركية أدى بشكل طبيعي لزيادة كلفة البضائع المستوردة من الخارج، وهو ما أحدث ظاهرة اقتصادية تسمى "التضخم المستورد". ولسوء الحظ، ظل البنك المركزي التركي لفترة طويلة مترددا في التعامل مع ظاهرة ارتفاع التضخم، وذلك على الأرجح تحت ضغوط الرئيس نفسه.

في النهاية قرر البنك المركزي التدخل من خلال زيادة نسبة الفائدة. وحسب فريديريك رولان، فإن "هذا القرار سمح بتخفيف التضخم والاستعادة التدريجية للثقة في الاقتصاد التركي". وأوضح رولان أن نسبة الفائدة على السندات الحكومية لمدة عامين وصلت إلى ذروتها في 16 أغسطس/ آب 2018 حين بلغت 26.6 بالمئة، إلا أنها الآن انخفضت عند مستوى 17.5 بالمئة. وبالتوازي مع ذلك، فإن نسبة الفائدة على السندات الحكومية لمدة 10 سنوات، بعد أن تجاوزت 20 بالمئة، انخفضت الآن إلى 14 بالمئة. وهو ما يمثل تطورا إيجابيا لبورصة إسطنبول، بما أن هذه الخطوات تعتبر بمثابة تدخل لإنعاش الأسهم.

نحو تواصل تحسن أسس اقتصاد البلاد

منذ الصيف الماضي، تميز أداء الليرة التركية بالاستقرار فيما أثر رفع نسبة الفائدة على النمو الاقتصادي وبالتالي على الواردات. وفي ظل هذه الظروف، يمكننا أن نتوقع انخفاضا في عجز الموازنة العامة، حسب الخبير فريديريك رولان، الذي أشار إلى أن استقرار الليرة التركية وتراجع معدلات التضخم سوف يساهمان في تدعيم الاستهلاك في تركيا. وبما أن العملة التركية تبقى غير مكلفة، فإن المؤسسات التركية سوف تستفيد من استعادة قدراتها التنافسية، وربما تحصل على امتياز لإنعاش صادراتها. وفي النهاية، إن عودة المستثمرين تدريجيا للثقة في الاقتصاد التركي قد تساهم في عودة الإقبال على الاستثمار في تركيا.

كيف يمكن شراء الأسهم التركية بشكل بسيط

لمن يريدون المراهنة بكل سهولة على الأسهم التركية، يمكنكم بالطبع شراء هذه الأسهم بشكل مباشر عبر وسيط أو عبر شبكة الإنترنت، كما ينصح الخبراء بالشراء عبر صناديق المؤشرات المتداولة (trackers) أو شراء السندات، من أجل تجنب المخاطر. ويمكن التوجه نحو بعض أبرز هذه الصناديق على غرار Lyxor Turkey (DJ Turkey Titans 20) وETF. وتقوم هذه الصناديق بعرض مؤشرات أهم عشرين شركة في تركيا من حيث رأس المال والسيولة. كما أن الرسوم السنوية للاعتماد على هذه الصناديق لا تتجاوز 0.65 بالمئة.

وهنالك خيار آخر بديل بالنسبة للمستثمرين الذين يرغبون في الابتعاد تماما عن المخاطر، يتمثل في التوجه نحو أحد صناديق أسهم "أوروبا الناشئة" (وهو الصنف الذي توجد فيه تركيا)، مثل مجموعة Pictet Emerging Europe. وقال فريديريك رولان إن "وزن الأسهم التركية حاليا يناهز 23 بالمئة داخل هذا الصندوق، لذلك يمثل هذا المنتج عامل جذب كبير، باعتبار أنه يعد الأقل سعرا والأكثر ربحية في العالم".

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!