وكالة الأنباء القطرية (قنا)

دخلت الأزمة السورية مرحلة جديدة عندما أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في 19 ديسمبر الماضي في تغريدة له عبر تويتر قرارا بسحب القوات الأمريكية من سوريا بعد القضاء على تنظيم "داعش".

وجاء القرار الأمريكي ، بعد تطورات لافتة على الساحة الدولية فقد أعلنت أنقرة عزمها القيام بعملية عسكرية واسعة شرق الفرات وإرسال تعزيزات كبيرة إلى الحدود مع سوريا ، كما جاء القرار بعد إعلان الرئيس الروسي فلادمير بوتين خلال مؤتمر صحفي سنوي بأن عام 2019م سيشهد الحل السياسي في سوريا وتشكيل لجنة صياغة الدستور لسوريا.

وبحسب الخبراء الاستراتيجيين ، فقد أزال قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بسحب قواته من سوريا من أمام تركيا عائقا كبيرا للخلاف العميق مع الولايات المتحدة الأمر الذي شجع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على إعلان التريث في إطلاق العملية العسكرية المرتقبة شرقي نهر الفرات شمالي سوريا مما قد يفتح الباب أمام تسوية جديدة في سوريا لكن إعلان البيت الأبيض عن خطط لإبقاء قوة حفظ سلام صغيرة في سوريا ليغير جزئيا قرار ترامب سحب كل الجنود وعددهم 2000 خلط الأوراق من جديد.

وكانت المتحدثة باسم البيت الأبيض سارة ساندرز قد قالت في وقت سابق " إن القوات الامريكية ستبقى في سوريا لفترة زمنية مجموعة صغيرة منها لحفظ السلام قوامها نحو مئتي جندي" ، ولم تذكر ساندرز أي تفاصيل إضافية لكن وصف القوة بأنها لحفظ السلام في سوريا يمكن أن يحفز حلفاء أوروبيين على إرسال قوات إلى هناك لمهمة من هذا النوع.

ويرى المراقبون السياسيون بأن المواقف المتغيرة لدى واشنطن بشأن الانسحاب من سوريا كشفت بوضوح عن حجم الرسائل الأمريكية المتناقضة في سياستها السورية وضاعف من حجم الألغاز في سياق الترويج للانسحاب من سوريا.

وبهذا الخصوص فقد قال الخبير في الشأن التركي السيد غزوان المصري في تصريح لوكالة الأنباء القطرية/قنا/ " بأن السياسية الخارجية الأمريكية أصبحت لغزا محيرا كما وصفها وزير خارجية فرنسا لأن الرسائل المتضاربة من قبل واشنطن بشأن الانسحاب من سوريا وخلط الأوراق أصبحت أيضا من مميزات السياسية الخارجية الأمريكية".

وأضاف المصري ، بأن الغموض الكبير في سياسة واشنطن حيال الملف السوري يسبب إحراجا كبيرا للحلفاء واللاعبين الإقليمين على الساحة السورية كما تسبب هذه السياسة خلافات حادة داخل الإدارة الأمريكية .. مشيرا إلى أن واشنطن سعت لتقديم تطمينات لأنقرة بشأن ما بعد الانسحاب وأن "الأكراد لن يشكلوا أي خطر على أمنها لكن ذلك لم يفض إلى نتيجة مع استمرار دعم واشنطن للوحدات الكردية"، موضحا أن واشنطن تريد الإبقاء على قوات سوريا الديمقراطية في شمال سوريا بعد مدها بالسلاح الثقيل والخفيف وأن تكون ظلها في المنطقة.

وأضاف: " أن القرار الأمريكي الجديد الذي جاء بعد ساعات من الاتصال الهاتفي بين الرئيس ترامب مع نظيره التركي أردوغان بصدد إبقاء قوة عسكرية من 400 جندي في سوريا بعد الانسحاب يعكس بشكل كبير وواضح حالة التغيير في طريقة التعاطي الأمريكي مع قضية شرقي الفرات ما بعد قرار سحب القوات الأمريكية وهذا بدوره يزيد من فجوة الخلافات بين البلدين بعد انعدام الثقة بينهما.

وبحسب وسائل الإعلام التركية، فقد حاولت واشنطن خلال الفترة الماضية إقناع أنقرة بخطة حول المنطقة الآمنة، ترتكز على تشكيل إدارة جديدة وقوات دفاع مشتركة في منبج وشرق الفرات على أن تتألف من 18 ألف شخص، ويكون 6 آلاف عنصر من هذه القوة من / بيشمركة روج/ التي تم تدريبها على يد القوات الخاصة التابعة لحزب الاتحاد الوطني الكردستاني، حزب الرئيس السابق جلال طالباني في إقليم شمال العراق، و10 آلاف عنصر مما يعرف بـ /قوات سوريا الديمقراطية/ ومجموعة من ألفي عنصر من القوات المحلية.

لكن أنقرة رفضت هذا العرض الأمريكي معتبرة إياه مكافأة لقوات سوريا الديمقراطية التي تعتبرها امتدادا لمنظمة حزب العمال الكردستاني المصنفة إرهابية في تركيا.

إلا أن التصريحات القادمة من واشنطن في الأيام الأخيرة حول استعدادها لبحث المنطقة الآمنة مع تركيا كانت بمثابة مؤشر على ليونة في الموقف الأمريكي، وتفهم لهواجس أنقرة فيما يتعلق بأمنها القومي... حيث أجرى وفد أمريكي مكون من مسؤولين سياسيين وعسكريين الأسبوع الماضي في أنقرة مباحثات تفصيلية حول الانسحاب الأمريكي من شمالي سوريا مع نظرائهم الأتراك.

وبحسب وكالة/ الأناضول/ التركية فإن زيارة الوفد الأمريكي جاءت في إطار "لجنة العمل المشتركة"، التي جرى الاتفاق على تشكيلها بين أنقرة وواشنطن من أجل بحث تفاصيل الانسحاب الأمريكي من سوريا، الذي أعلن عنه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في ديسمبر الماضي .

وتطرقت المباحثات إلى اتفاق "منبج" حيث تطالب أنقرة بتسريع تنفيذ خطوات الاتفاق وسحب عناصر التنظيمات المسلحة من المدينة في أسرع وقت ممكن وبشكل أوسع، كما جرى بحث الخطط الميدانية للانسحاب الأمريكي ومستقبل الأوضاع في شرقي نهر الفرات عقب الانسحاب، حيث تطالب تركيا بإنشاء منطقة آمنة تكون تحت سيطرتها بشكل كامل وتطهير تلك المنطقة من تنظيم/ بي كا كا / و/ ب ي د/.

وبحسب صحيفة صباح التركية، فإن مسؤولين أتراك أبدوا رفضهم للحديث الأمريكي عن تشكيل قوة مراقبة تتكون من قوات التحالف الدولي في شرقي نهر الفرات، لكن التصريحات الجديدة التي أدلى بها وزير الدفاع التركي خلوصي آكار يوم /السبت/ الماضي، والتي قال فيها إن "بلاده أنهت التحضيرات لعملية عسكرية في منطقة منبج وشرق نهر الفرات شمال سوريا"... مشيرا إلى أن القوات التركية على أهبة الاستعداد وتنتظر أوامر رئيس الجمهورية رجب طيب أردوغان، وتشير الصحيفة إلى تعقيدات الوضع أكثر في شرق الفرات الذي بات يشكل كيانا خاصا، يتشكل على وقع سيطرة قوات سوريا الديمقراطية (قسد) على مزيد من المناطق.

وترى أنقرة أن "استمرار الدعم الأمريكي لأكراد سوريا" بات يشكل خطرا على أمنها القومي، وإن الولايات المتحدة غير جادة في التعاون معها لمعالجة المخاوف التركية ، فاتفاق منبج لم ينفذ بالكامل والدعم العسكري الأمريكي لقوات" قسد" ( قوات سوريا الديمقراطية) لم يتوقف مع أن المعركة ضد داعش انتهت تقريبا.

وأمام هذا الواقع الجديد، الذي بات يتشكل في سوريا بعد قرار الانسحاب الأمريكي، يبدو أن واشنطن عدلت عن القرار الانسحاب النهائي وهي تدشن حاليا لمرحلة سياسة جديدة بخصوص إبقاء الدول الحلفاء للولايات المتحدة في المنطقة، لإبقاء قواتها في المنطقة إلى جانب القوات الأمريكية وهذه التطورات تزعج أنقرة التي أعلنت أكثر من مرة رغبتها بتسلم المنطقة الأمنية بمفردها .

وأخيرا يبدو أننا مقبلون على موجة جديدة من الخلافات التركية الأمريكية بسبب مماطلة الأخيرة في مطالب تركيا بخصوص الوضع في شرق الفرات، فأنقرة أكدت في أكثر من مناسبة بأن أي مشروع في المنطقة الآمنة يجب أن يكون بالتشاور معها، وأن كلمتها هي العليا لإدارة هذه المنطقة لذلك فهي رفضت تدويل موضوع المنطقة الآمنة ودخول قوات من الناتو أو دول أوروبية دون التنسيق معها، ولهذا السبب يمكن القول إن زيارة المبعوث الأمريكي الخاص إلى سوريا جيمس جيفري إلى أنقرة اليوم، تأتي لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من تفاهمات وتوافقات مع الجانب التركي خلال المرحلة الماضية.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!