د. عبد الله اللبابيدي - خاص ترك برس

المسلم لا يعرف اليأس والقنوط أبدًا، ومن قرأ التاريخ يعرف تمامًا أنَّ اليأس لا يدخل إلى قلب المسلم، والأيام دُوَل.

بناء على ما سبق فالثورة لا تموت لأنها فكرة، هي راسخة رسوخ الجبال لا تترنح ولا تتهزهز في قلوب وضمائر أبنائها المخلصين، والفكرة بالأصل لا تموت لأنها قائمة على مبادئ وقيم راسخة، تسري في عروقنا ودمائنا وأرواحنا.

ثورتنا بدأت بحراك شعبي في الشوارع حيث كانت الارهاصات التي عبرت عن الاحتقان السياسي، وانسداد أساليب الحوار الورقية التي طرحها النظام باستخدامه للغة الرصاص والقتل والتشريد، فمن السلمية، إلى العنف الممنهج، إلى العسكرة، وصولًا لاستخدام الأسلحة المحرمة دوليًا، مع مجازر كيماوية، وبراميل دموية، وأخيرًا إلى الاحتلال الروسي والإيراني، والتغيير الديموغرافي الحاصل.

صحيحٌ أنها تراجعت وسقطت فريسة في أيدي اللصوص سارقي الثورات، وصحيحٌ أنَّ الدنيا بأجمعها حاربت الشعب السوري، وصحيحٌ أنها انحرفت عن مسارها عبر تشويهها بإدخال السواد إليها، وذلك بصنيعة مخابراتية عالمية، ولكنها ثابتةٌ في عقول وقلوب وفكر أبنائها لتحقيق العدالة والحرية والكرامة، ومع هذا الثبات لا بد من المطالبة بمحاكمة المجرمين أعوان الظالم أينما تواجد السوريون في بلاد المهجر، فالعدالة ماضية لتضعهم خلف القضبان نتيجة ظلمهم وعدوانهم، وعلى جميع الناشطين فضحهم بجميع اللغات التي يفهمها العالم حتى تصل الرسالة للجميع بأننا عازمون صامدون، ولن نتخلى عن معتقلينا وشهدائنا ومفقودينا.

وبعد التصحر السياسي الذي عاشه شعبنا عبر عقود من الزمان، ولا داعي للتطرق إلى الدواعي والأهداف التي من أجلها تحرك الشارع السوري، فخمسون عامًا من الاستبداد كافية للوقوف في وجهه في ظل غياب الإصلاح العام المنشود، والإصلاح الدستوري المطلوب، المحاط بالشروط الكفيلة بضمان تحقيقه، ومع ذلك نحن نحتاج إلى زمن كاف كذلك تتم من خلاله تنمية التفكير عند أبناء شعبنا لإرادة التغيير والتعايش السياسي السلمي عبر مشاريع الديمقراطية التي لا تموت، لأن هذه المشاريع عبارة عن أفكار قابلة للتحقيق على الأرض بجهود المخلصين من أبناء الوطن.

ثمانية سنوات حاول العالم أنْ يقدم درسًا لشعوب الأرض عامة، والعالم العربي خاصة، في عدم المطالبة بالحرية والكرامة والعدالة عبر إذلال الشعب السوري، وإخضاعه لمؤامرات الدول ومصالحها، ولكن ها نحن نرى أمام أعيننا أهلنا في السودان والجزائر ينتفضون مطالبين بحريتهم وكرامتهم، علمت الشعوب العربية أن دول العالم وعبر ثمانية سنوات أرادوا إيصال رسالة إلى الشعوب العربية مفادها أنَّ مصيركم كمصير الشعب السوري ما بين قتيل وغريق ومشرد ونازح، ولكنَّ الشعوب تعلم علم اليقين بأنه تحرك شعبي ثوري ضد سلطات مستبدة ظالمة سرقت مقدرات الشعوب تحمل مطالب وطنية مشتركة هادفة إلى التغيير السلمي.

بعد ثمانية سنوات كنّا وما زلنا شهودًا على تلاعب دول العالم بنا وفق مصالحها، ولكنّ الفرصة لا تزال أمامنا ولا تضيع أبدًا، فرصتنا هي في ترسيخ الروح الثورية، وقيم العدالة والحرية والكرامة في نفوس أبنائنا، وفي عقول الجيل القادم لنواصل معه الطريق في تحقيق غايتنا وأهدافنا، فالمجتمع خلال الفترة الماضية تبيَّن أنَّه بحاجة إلى تغييرات جذرية في طريقة تفكيره، هو بحاجة إلى الوعي والمعرفة، وهذا يتطلب من النخب العاملة المزيد من الجهد والتعب.

بكل تأكيد لن نخون دماء شهدائنا ولا آهات معتقلينا، وما زلنا رغم التهجير والتطفيش والتخوين على العهد ماضون، وفي التغيير سائرون، هدفنا واضح، وغايتنا معلومة للجميع، فلنعمل على توعية جيلنا، ولِنُعلِم أولادنا أنَّ التغيير ليس بهذه السهولة، فهو يحتاج إلى صبر ووعي وعلم ومعرفة، مع إبعاد المجاهيل، وأصحاب الرايات، ومدعي الجهاد يتحقق لنا التغيير المنشود.

ثورتنا تحتاج إلى دراسات جامعية في الماجستير والدكتوراه، وبشتى التخصصات الاجتماعية والإنسانية، عبر دراسات ميدانية وتحليلية لقراءتها ومعرفة نتائجها، فتبقى للجيل القادم درسًا يعتبر وتاريخًا يسجل.

مازلنا نعيش الأمل، والأمل فينا لا يموت، وقلوبنا تصدح بالإيمان بأن النصر قادم لا محالة، ورحم الله من قال: "الفجر الباسم قادم من قلب الليل الجاثم وربيع الأمة آت من بعد شتاء قاتم".

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس