ترك برس

خلال العام الماضي، تحدث كثير من المراقبين عن أن روسيا وتركيا قد نحّيا خلافاتهما التاريخية جانبًا ويبنيان تحالفًا بغيضا ولكنه مفيد للطرفين. ويشيرون للتدليل على ذلك إلى موافقة روسيا الضمنية على العمليات التركية ضد تنظيم "ي ب ك" في شمال سوريا، وتعاون البلدين في إنشاء منطقة منزوعة السلاح في إدلب، وتحدي أنقرة الواشنطن بالإصرار على صفقة شراء منظومة الدفاع الصاروخي الروسي S-400.

ولكن موقع جيوبوليتكال فيوتشر، يرى أن مظاهر التقارب تلك قد تكون خادعة، حيث ما يزال هناك ما لا يحصى من القضايا محل الخلاف بين البلدين، وآخرها دعمهما للأطراف المتصارعة في الحرب السورية.

وعلاوة على ذلك، كما يقول الموقع تتطلب التحالفات بين الدول مصالح مشتركة، وليس فقط فرصًا التعاون المؤقت ولكن التقارب طويل الأجل حول القضايا ذات الأهمية الحيوية، واستراتيجيات جديدة لمتابعة مصالحها. و في حالة روسيا وتركيا هناك أدلة قليلة على حدوث ذلك.

صراع حول البحر الأسود والقوقاز وسوريا

ويشير الموقع إلى أن المنافسة التركية الروسية ترجع إلى قرون مضت. ويكشف العدد الهائل من الحروب التي خاضها البلدان ضد بعضهما البعض، ووصلت منذ القرن السابع عشر إلى عشر حروب، مدى التنافس بينهما.

أما في الوقت الحالي فإن العلاقات بين البلدين تبدو معقدة أيضا. فمن ناحية تعاونت أنقرة وموسكو على بعض الجبهات، بما في ذلك محادثات السلام في أستانا وإنشاء مناطق وقف التصعيد في سوريا. كما تعتمد تركيا اعتمادًا كبيرًا على روسيا في إمدادات الغاز الطبيعي، وتربط بين البلدين علاقات تجارية وسياحية متنامية.

لكن هذا التعاون بينهما ليس جديدا،  فعلى مر التاريخ وجدت تركيا وروسيا وسائل لتطوير العلاقات الاقتصادية على الرغم من النزاعات المتكررة. فعلى سبيل المثال حصلت روسيا وفق معاهدة كوتشوك كاينارجي التي أنهت الحرب الروسية التركية بين عامي 1768 و1774، على حقوق الشحن التجاري في البحر الأسود بالإضافة إلى سهولة الوصول إلى التجارة في الإمبراطورية العثمانية.

وعلى الرغم من أن البلدين قد توصلا إلى تسوية بشأن بعض القضايا الحالية، فإن مصالحهما لا تزال متباعدة حول نقطتين جيوسياسيتين رئيسيتين: الأولى هي البحر الأسود.

ويوضح الموقع أن تركيا وروسيا تنافستا منذ زمن طويل على مضيق البوسفور وجناق قلعة، وكان مضيق البوسفور الذي تسيطر عليه تركيا على وجه الخصوص نقطة خلاف. وتخشى روسيا منذ فترة طويلة من إمكانية منع وصولها إلى البحر المتوسط عبر المضيق. وعلاوة على ذلك، فمنذ أن استولت روسيا على شبه جزيرة القرم في عام 2014، رفضت تركيا الاعتراف بشبه الجزيرة كجزء من روسيا، وترى أن توسيع الوجود الروسي  في البحر الأسود يمكن أن يشكل تهديدًا أمنيًا لها.

نقطة الخلاف الثانية بين البلدين هي القوقاز. فإذا وقع الجبل الضيق جنوب القوقاز في أيدي خصوم روسيا، فقد يهدد شمال القوقاز وبالتالي قلب روسيا. ولذلك حاولت روسيا إبقاء القوى الأجنبية الأخرى خارج المنطقة، وتحتفظ بقاعدة عسكرية في أرمينيا، على سبيل المثال، لردع الغزو التركي لجنوب القوقاز. كما أن لدى روسيا هدفًا أوسع في أرمينيا وهو منع اتحاد الشعوب التركية في تركيا وأذربيجان، مما قد يؤدي إلى إخلال التوازن في جنوب القوقاز.

ويلفت الموقع إلى تصادم المصالح التركية الروسية في سوريا، بسبب دعمها لأطراف متعارضة في سوريا. وبعد استعادة نظام الأسد السيطرةعلى معظم مناطق المعارضة التي تدعمها تركيا، فإن تركيا تستمر في دعم المعارضة بمحافظة إدلب وترفض عودة سيطرة الأسد عليها، وهو ما تريده موسكو التي ترغب في إعادة سيطرة الأسد على جميع الأراضي السورية حتى المناطق التي يهيمن عليها تنظيم "ي ب ك".

صفقة S-400

وأخيرا يشير الموقع إلى أن رغبة تركيا في شراء منظومة الدفاع الروسية S-400 من روسيا وتعريض علاقاتها مع الحلفاء الرئيسيين للخطر، ترجع إلى علاقة تركيا غير المستقرة مع الولايات المتحدة.

ويوضح أن الدرس الذي استفادته تركيا من الحظر الذي فرضته الولايات المتحدة على توريد السلاح لتركيا في أعقاب الحرب القبرصية عام 1974 هو أنها لا تستطيع الاعتماد على الدول الأجنبية لتزويدها بالأسلحة اللازمة للدفاع عن نفسها. وبدأت منذ الثمانينيات تطوير صناعتها العسكرية المحلية.

وأضاف أن تركيا ما تزال بحاجة إلى استيراد بعض التقنيات حتى تتمكن من تطوير وإنتاج أنظمة الأسلحة والدفاع المحلية. وبعد رفض الولايات المتحدة تبادل التكنولوجيا مع الأتراك في صفقة صواريخ باتريوت مرتين في عامي 2013 و2017، قررت أنقرة شراء الصواريخ الروسية.

ورأى الموقع أن تركيا ربما تستخدم الصفقة الروسية كوسيلة ضغط لمحاولة تأمين شروط أفضل مع واشنطن بشأن اتفاق باتريوت، ولكن الصفقة مع روسيا لا تعكس تحولا استراتيجيا تجاه روسيا، ومن الممكن أن يكون محاولة من قوى متوسطة للعب بالقوى الكبرى للحصول على أفضل صفقة ممكنة.

وخلص إلى القول بأن صفقة S-400 تعقد علاقة أنقرة مع واشنطن، لكن شراء تركيا للأنظمة الروسية، وحتى تعاونها مع موسكو في سوريا، لا يدل على إعادة تنظيم استراتيجية أوسع، فهو مجرد حل مناسب لمشكلة فورية، ولا يجب تفسيره على أنه أي شيء آخر.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!