ترك برس

شهد قطاع العقارات في تركيا طفرةً منذ بدايات العقد الجاري، ومنذ ذلك الحين تذبذب مؤشر القطاع تزامنًا مع الأزمات التي مرّت بها البلاد، وفي خضم ذلك برز فاعلون جدد على الساحة العقارية التركية، عمل بعضها مع المشترين المحليين وبعضها الآخر مع المستثمرين الأجانب.

وتتّسم السياسة الاقتصادية التي تتبناها الحكومة التركية بالانفتاح عمومًا، خصوصًا فيما يتعلق بالاستثمار الأجنبي في العقارات، فيما تعد إسطنبول عصب الاستثمار العقاري ومركزًا استثماريًا بشكل عام في تركيا.

ولتسليط الضوء على آخر تطورات قطاع العقارات في تركيا، وإقبال المستثمرين الأجانب والعرب على وجه التحديد عليه، تحدث ترك برس إلى عبد الله الحمّاد المدير العام لمجموعة امتلاك العقارية، التي برزت خلال السنوات الأخيرة كفاعل رئيسي على الساحة العقارية في إسطنبول وتركيا، خاصة فيما يتعلق بالاستثمار الأجنبي في قطاع العقارات.

سؤال: من المعلوم أنّ العمل في مجال العقارات في إسطنبول بالذّات ينطوي على منافسة شديدة، حيث تعمل في هذا المجال شركات عريقة ذات حضور قويّ، والسّؤال هنا كيف أوجدتم كشركة ناشئة نسبيًّا مساحةً خاصّة بكم في سوق مزدحم كهذا؟ وبماذا تنصحون الشركات الجديدة حتى تحقّق النّجاح بالرّغم من هذا التّحدّي؟

الحماد: "الحقيقة أنّ التّحدّي المذكور قائمٌ بالفعل، ولكنّ الحقيقة كذلك أنّه يشكّل واحدًا فقط من تحدّيات كثيرة وعقبات لا بدّ من تجاوزها للوصول إلى عتبة النّجاح. فبعد توفيق الله عز وجلّ، ومنذ انطلاقتنا الأولى، وضعنا نصب أعيننا هدفًا واضحًا سعينا من أجل تحقيقه، وأخذنا على عاتقنا بذر معاني الثّقة بيننا وبين المستثمر العربي بالذّات، وذلك من خلال نهجنا العمليّ القائم على الشفافية والمصداقيّة التامّة."

"ومن هذا المنطلق، ومن خلال خبرتنا في القطاع العقاريّ التركيّ، قَصَرْنَا تعاملنا على النّوعين التاليين فقط: أوّلًا: المشاريع ذات الضّمان الحكوميّ. ثانيًا: شركات الإنشاء الموثوقة، حيث عقدنا اتفاقيات عمل مع قرابة مئتي مشروع عقاريّ على مستوى تركيا."

"وشيئًا فشيئًا، وفي زمنٍ قياسيّ، بدأنا نحصد ما زرعناه، وتحوّلت هذه الثّقة فيما بعد إلى أساسٍ يمكن التّعويل عليه من السّمعة المِهَنيّة الطّيّبة، الأمر الذي كان وما يزال مصدر فخر لنا، ما يدفعنا إلى العمل الدّؤوب للحفاظ على هذه الثّقة مهما تقلّبت الظروف."

سؤال: بالحديث عن الظروف المتقلّبة، إلى أيّ حدّ يمكن القول بأنّ المرحلة الصّعبة التي تمرّ بها اللّيرة التّركيّة قد أرخت بظلالها على النشاط الاقتصاديّ في مجال عملكم على الأقلّ؟

"لا يمكن لأحدٍ أن ينكر حساسيّة المرحلة فيما يتعلّق بأزمة اللّيرة، ولكن وفي الوقت ذاته لا يمكننا كأصحاب فعاليّات اقتصاديّة أن نجلس مكتوفي الأيدي لتسيطر علينا المخاوف، ونكون محكومين بالانتظار."

"وأعتقد جازمًا أنّ أفضل سياسة ناجعة في الوقت الرّاهن هي تفعيل الطّاقات والاتّجاه نحو النموّ لمقاومة الانكماش. وهو ما نطبّقه عمليّاً في مجموعة امتلاك، فبعد إطلاقنا لشركة "سفرك" السياحية، سنطلق قريبًا جدًّا شركتين جديدتين في المجال التعليميّ والعلاجيّ."

"فالتوقّف عن النّموّ في هذه المرحلة يعني الانكماش، وربّما مثّل هذا في جانب منه محاكاةً للسّياسة الاقتصاديّة التي انتهجتها الحكومة التركيّة مؤخّرًا في القطاع العقاريّ بالذّات، والتي تهدف في مجملها إلى تحويل نقطة الضّعف إلى عقدة قوّة فاعلة."

"وقد انعكست هذه السّياسة على القطاع العقاريّ بشكل واضح من خلال تزايد إقبال الأجانب على التملّك العقاريّ في تركيا في الفترة الأخيرة. إذ يتوجّه كثيرٌ من المستثمرين الأجانب عمومًا والعرب خصوصًا باستثماراتهم إلى تركيا، والتي يُنظر إليها كقطب جاذب للطّاقات الاستثماريّة على مستوى المنطقة ككلّ، الأمر الذي يفسّر تلك الأعداد المتزايدة من الشّركات النّاشئة والطّامحة إلى الاستفادة من النّهضة الشّاملة، والحراك الاقتصاديّ الذي تشهده البلاد."

وعن أهمّ محفّزات الاستثمار في تركيا، رأى أنها طبيعة الشّعب التّركي المتعاون، والبنية التّحتيّة المتطوّرة، والقوانين والتشريعات الدّاعمة للاستثمار، والبيئة الاستثماريّة العامّة المحفّزة.

تسهيلات حقيقيّة للمستثمرين الرّاغبين بالحصول على الجنسيّة التّركيّة

وأكّد الحمّاد أنّ الإقبال على التملّك العقاريّ بهدف نيل الجنسيّة التّركيّة قد ارتفع في الأشهر الأخيرة بشكل كبير من قبل جنسيّات أجنبيّة متعدّدة. وأضاف أنّه وفقًا للإحصائيّات فقد سجّل العرب الإقبال الأكبر في هذا المجال، وبالأخصّ الجنسيّات العراقيّة والسّعوديّة والكويتيّة والقطريّة وغيرها من الجنسيّات العربيّة التي يحق لها التملّك في تركيا.

ولدى سؤالنا: "ما الذي يدفع العرب فعليًّا للاتّجاه إلى تركيا؟ ولماذا قد يفضّلونها على غيرها من البلاد، استثماريًّا أو حتى للاستقرار ربّما؟"، أجاب الحمّاد بأن الأسباب التي تدفع بكثير من العرب لترجيح تركيا كبلد للاستثمار والاستقرار متعددة.

وأشار إلى أن من أبرزها الاستقرار السّياسيّ والأمنيّ الذي تعيشه تركيا وخصوصا بعد انتخابات 2018، الأمر الذي ينعكس إيجابًا بالضّرورة على الوضع الاقتصاديّ في البلاد، والتقارب في النّمط الثّقافي بين العرب والأتراك في كثيرٍ من الجوانب، دينيًّا بالدّرجة الأولى، مرورًا بتفاصيل الحياة الأبسط كأنواع الأطعمة والألبسة.

بالإضافة إلى البيئة التّربوية المناسبة، وهو جانب لا يقلّ أهمّيّةً عمّا سبق، خصوصًا بعد تجربة العيش التي خاضها الكثير من العرب مع أولادهم في الدّول الغربيّة، ما جعلهم ينظرون إلى تركيا مجدّدًا كخيار ممتاز في هذا الإطار بحكم الطّابع الإسلاميّ الوسطيّ والمتسامح السّائد في البلاد.

هذا فضلًا عن الإجراءات الحكوميّة التي يمكن وصفها بالذّكيّة تجاه المستثمرين الأجانب، حيث عمدت الحكومة التركيّة إلى إغراء المستثمرين عن طريق جواز السفر التركي القوي، وذلك عبر إقرارالقانون الجديد للجنسية التركية، والّذي تضمّن تعديلات هامّة منها منح الجنسيّة التّركيّة مقابل شراء عقار في تركيا بقيمة 250 ألف دولار أمريكي فقط، بعد أن كان بقيمة مليون دولار أمريكي في القرار السّابق.

وهذه تسهيلات غير مسبوقة شكّلت خطوة متقدّمة باتّجاه المستثمرين الأجانب، ولذلك يُعتقد على نطاق واسع بأنّ الاستثمار العقاري في تركيا يشكّل بالفعل الطّريقة الأسرع والأضمن للحصول على الجنسية التركية، حيث لا تتجاوز مدّة الانتظار بعد استكمال الأوراق الرّسميّة خمسةً وأربعين يومًا كحدّ أقصى، مضيفًا: "وهي مرحلة تجاوزها عددٌ لا بأس به من عملائنا مؤخّرًا، وتمّ لهم الحصول على الجنسيّة بالفعل."

مسؤوليّة التّوعية العقاريّة

وحول ندرة المحتوى العربيّ المتخصّص والمواكب للشّأن العقاريّ التركيّ، قال الحمّاد: "الملاحظ بالفعل أنّ المحتوى العربيّ بالتّوصيف المذكور ضحلٌ للغاية، وسبب ذلك أنّ الشّركات عمومًا تنشر الأخبار والمقالات المتعلّقة بالعمليّة الاستثماريّة ذات الرّبحيّة المباشرة كأسعار الشّقق وأفضل المناطق للاستثمار في تركيا."

وأضاف: "لكنّنا في امتلاك العقارية نعتبر أنّ الثّقافة العقاريّة كلٌّ لا يتجزّأ، ونستشعر أهمّيّة التّوعية الاستثماريّة، وذلك بإطلاع المستثمر على حقائق الأمور بتفاصيلها على الأرض قبل دخوله في العمليّة الاستثماريّة أيّاً كان نوعها."

وتابع قائلًا: "لهذا ندأب على تحديث كلّ ما يتعلّق بالشّأن الاقتصاديّ والعقاريّ من أخبار، وخصوصًا فيما يخصّ مجال التّشريعات التي تتبدّل على الدّوام بطبيعة الحال، لما في ذلك من أثر مباشر على واقع العمليّة الاستثماريّة على الأرض، وهي معلومات غاية في الأهمّيّة، وكثيرًا ما يدفع المستثمر ثمن جهله بها."

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!