ترك برس

شهدت الأسابيع القليلة الماضية تصعيدا عسكريا خطيرا في شمال غرب سوريا، حيث أطلقت قوات النظام  السوري والقوات الروسية حملة قصف هنيفة على أجزاء من محافظات إدلب وحلب وحماة. وكان هذا التصعيد الأخير الأهم منذ أن توصلت موسكو وأنقرة إلى اتفاق لتجنب شن هجوم بري على إدلب من خلال إنشاء منطقة منزوعة السلاح في المناطق التي تسيطر عليها المعارضة.

ويرى المحلل الأمريكي جو ماكرون، وهو زميل في المركز العربي بواشنطن، أن هذه الهجمات تظهر أن هناك تصدعات كبيرة تظهر في التحالف الروسي التركي، وأن البلدين غير قادرين بشكل متزايد على الاتفاق على سوريا.

وأوضح ماكرون في مقال نشره موقع الجزيرة الإنجليزية، أن روسيا وتركيا ربطا تعاونهما في سوريا بالمصلحة المشتركة لاحتواء ضغط الولايات المتحدة، ولكن أصبح من الصعب على نحو متزايد تجاهل الاختلافات الرئيسية بين البلدين.

وبيّن أن "موسكو نفد صبرها من أنقرة لعدم تأمينها التنفيذ الكامل للمنطقة المنزوعة السلاح، في حين أن الجانب التركي أصبح محبطًا من الوعود الروسية التي لم تتحقق من إبعاد تنظيم "ي ب ك" من تل رفعت."

ويشير ماكرون إلى أن التصعيد العسكري الأخير سبقه تطوران زادا من تعميق عدم الثقة بين موسكو وأنقرة: الأول فشل جولة محادثات أستانا التي عقدت نهاية نيسان/ أبريل الماضي في تحقيق انفراجة، حيث كانت موسكو تأمل أن تساعد أنقرة في المضي قدمًا في تشكيل لجنة دستورية مشتركة بين النظام والمعارضة من أجل دفع محادثات السلام السورية، ولكن لم يتم التوصل إلى اتفاق.

أما التطور الثاني، فكان في مطلع الشهر الحالي حين أعلن وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، أن أنقرة وواشنطن تقتربان من إنشاء منطقة أمنية شرق نهر الفرات، وهو التطور الذي أزعج موسكو فقررت زيادة الضغط على المجالين الرئيسيين اللذين يثيران قلق تركيا: تل رفعت، وإدلب.

ويذكر المحلل الأمريكي أن "روسيا وإيران تحافظان على تل رفعت كمنطقة عازلة لإبقاء تركيا وحلفائها السوريين في المتناول، في حين تريد أنقرة السيطرة على المنطقة لتعزيز مكاسبها في عفرين والمضي قدمًا نحو منبج؛ بهدف منع "ي ب ك" من السيطرة على منطقة واسعة متواصلة جغرافيا."

ويضيف أن إدلب لها أهمية استراتيجية بالنسبة لتركيا أيضًا، إذ تخشى أنقرة أنه إذا سيطر النظام السوري على المحافظة والمناطق المحيطة التي تسيطر عليها المعارضة، فإنها ستفقد نفوذًا سياسيًا كبيرًا في الصراع السوري وتواجه موجة كبيرة أخرى من اللاجئين السوريين الذين يفرون إلى حدودها. كما أن ذلك سيقيد نفوذها على الحدود التركية السورية غرب نهر الفرات المحاطة بنفوذ روسي وإيراني وتنظيم "ي ب ك".

أما بالنسبة إلى روسيا، فتتمتع إدلب أيضًا بقيمة استراتيجية كبيرة حيث يمر نحو ثلثي الطرق السريعة M4 وM5 اللذين يربطان اللاذقية بحلب ودمشق بحلب عبر إدلب. وستؤدي إعادة السيطرة على هذه الطرق الرئيسية على إنعاش النظام السوري اقتصاديا. كما تحتاج روسيا إلى تأمين مناطق معينة في غرب إدلب لمنع قصف قاعدة حميم العسكرية في اللاذقية.

وبناء على ذلك، كما يقول المحلل الأمريكي، تبدو موسكو منفتحة على منح أنقرة الفرصة للتوسع في تل رفعت مقابل تقدم روسي في جنوب إدلب. لكنه يستدرك بأن هذه الصفقة صعبة التحقق لعدة أسباب:

أولًا، من غير المحتمل أن تمنح روسيا الضوء الأخضر للطائرات التركية لقصف تل رفعت، كما فعلت مع عفرين العام الماضي.

ثانيًا، من غير المحتمل أيضًا ضمان موافقة تركيا على عملية برية واسعة النطاق على إدلب، وهي تعلم جيدًا أن المضي قدمًا من جانب واحد قد يدفع أنقرة إلى أحضان واشنطن.

ثالثًا، من المرجح أن تعترض كل من إيران والنظام السوري و"ي ب ك" على صفقة روسية تركية بشأن تل رفعت.

وفي المقابل قد يكون من الممكن إجراء عمليات مقايضة محدودة على كلا الجبهتين، حيث تفضل تركيا وروساي تأجيل الصدام على مصالحهما المتباينة، والقيام بدلا من ذلك بصفقات تدريجية دون إعطاء انطباع بأنهما تقدمان تنازلات.

ورأى ماكرون في ختام مقاله أن تركيا قد يتعين عليها أن تقرر ما إذا كانت أولويتها هي صفقة في شرق أو غرب نهر الفرات، والأهم من ذلك ما إذا كان ينبغي أن تتخلى عن تل رفعت أو منبج أو إدلب وبأي ثمن. وإذا صعدت الولايات المتحدة من موقفها بشأن صواريخ إس 400، فقد تضطر تركيا أيضًا إلى الاختيار بين العقوبات الأمريكية التي تقوض الاقتصاد التركي أو الهجوم الروسي في إدلب الذي يضعف النفوذ التركي في سوريا.

وخلص إلى أن هذه العوامل إلى جانب الغموض المستمر في العلاقات التركية الروسية، تعد بمزيد من التصعيد وعدم القدرة على التنبؤ في شمال غرب سوريا.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!