د. علي حسين باكير - العرب القطرية

أثارت تصريحات الرئيس التركي الأسبوع الماضي، حول الأسلحة النووية، ضجّة في الأوساط الإعلامية، لا سيما عندما قال، إنه من غير المقبول بالنسبة له أن تقول بعض القوى النووية: «لا يجدر بتركيا امتلاك سلاح نووي»، كما لفت أردوغان في تصريحه كذلك إلى إسرائيل، بصفتها دولة غير عضو في اتفاقية منع الانتشار النووي، مشيراً إلى أنها حصلت على أسلحة نووية، وأن ذلك جعلها دولة محصّنة.

اختلف المراقبون حول تفسير كلام الرئيس التركي نظراً لغموضها، ومن غير الواضح ما إذا كان قد تعمد ذلك، أم أن الكلام جاء بشكل عفوي، البعض أشار إلى أنه فهم هذه التصريحات في سياق المطالبة بسلاح نووي على غرار القوى الكبرى، فيما اعتبر البعض الآخر أنه كان يشير إلى اختلال ميزان العدالة في المجتمع الدولي، وإلى الازدواجية في المعايير والقوانين المطبّقة على الدول، بغضّ النظر عن ماذا قصد الرئيس التركي بالضبط، هناك من يعتقد أنه يخاطب بكلماته تلك القاعدة القومية، وأن الحديث عن الأسلحة النووية والإيحاء بأنه من الممكن لتركيا أن تمتلكها يعجب الجماهير، لكن هل هو ممكن عملياً؟

لا تمتلك تركيا حالياً القدرة الكافية لإنتاج سلاح نووي، لا من الناحية العلمية ولا من ناحية جاهزية البنى التحتية اللازمة لذلك، أو القدرات المالية المطلوبة لتمويل مشروع من هذا النوع، علاوة على ذلك، فإن تركيا عضو في معاهدة منع الانتشار النووي، ومعاهدة حظر التجارب النووية بأشكالها كافة، هذا يعني أنه ما لم تكن تمتلك برنامجاً نووياً سرياً، فإن هذه المعاهدات تحظر عليها المضي في برنامج نووي ذي طبيعة عسكرية، حتى إذا ما افترضنا أن أنقرة تريد أن تمتلك برنامجاً نووياً عسكرياً، فسيكون عليها الانسحاب في حينه من هذه المعاهدات أو خرقها، وفي كلتا الحالتين سيكون هناك عواقب دولية.

عملياً، لا تحتاج تركيا إلى أسلحة نووية ما دامت دولة عضواً في حلف شمال الأطلسي، عضويتها إلى جانب تمتعها بغطاء الردع الأميركي الممتد أتاح لها أن تكون واحدة من بين 5 دول فقط تمتعت بحق تخزين قنابل نووية أميركية على أراضيها هي: إيطاليا وبلجيكا وهولندا وألمانيا، صحيح أن هذه القنابل المخزّنة في قاعدة «إنجرليك» الجوية ليست تحت قبضة تركيا مباشرة، لكنها لا تزال موجودة، وطالما أن العلاقة مع واشنطن لا تزال قائمة، وعضوية حلف الأطلسي فعّالة، فسيكون من الصعب على تركيا تبرير امتلاك سلاح نووي.

وإذا ما افترضنا جدلاً أن أنقرة قرّرت المضي في طريق الحصول على السلاح النووي، فلا شك أنها كباقي الدول التي امتلكت سلاحاً نووياً لاحقاً، ستحتاج إلى مساعدة في مرحلة ما، فمن أين ستأتي؟ باكستان لم يعُد بإمكانها تصدير المعرفة النووية، بعد أن اكتشف الغرب الدور السابق لها في الانتشار النووي في عدد من دول المنطقة، وبالتأكيد لن يقوم أحد في الغرب بدعم امتلاك أنقرة لسلاح نووي.

تبقى كل من: روسيا وكوريا الشمالية، لكن بما أنه ليس هناك علاقات بين كوريا الشمالية وتركيا، سيكون من الصعب افتراض مساعدة الأولى للثانية.
ماذا عن روسيا؟ لموسكو مصلحة في تطوير طاقة نووية للأغراض السلمية في تركيا، فهي تنظر إلى الموضوع من ناحية تجارية، محطة «أكويو» النووية التي تساهم في إنشائها هي المحطة الأولى في العالم، التي تتم إقامتها على مبدأ «البناء، التشغيل، نقل الملكية»، هذا يعني أنه ستمضي سنوات طويلة قبل انتقال المشروع إلى الجانب التركي تماماً، فلنا أن نتخيل مثلاً مشروع إنتاج قنبلة نووية، سيحتاج إلى سنوات أطول بالتأكيد.

عن الكاتب

د. علي حسين باكير

مستشار سياسي - باحث في العلاقات الدولية والشؤون الاستراتيجية


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس