ترك برس 

ستكون الزيارة القادمة للرئيس التركي أردوغان إلى بغداد الشهر المقبل اختبارا لمدى جدية العراق في الخروج من دائرة النفوذ الإيراني، وفتح صفحة جديدة في العلاقات مع تركيا، كما يرى المحلل والمستشار السياسي، علي حسين باكير، في ورقة بحثية نشرها منتدى الخليج الدولي حول تعقيدات علاقة تركيا مع إيران والعراق.  

ويستهل باكير بالإشارة إلى أن انسحاب الولايات المتحدة من العراق في عام 2011 ترك إيران كفاعل رئيسي وصانع للقرارات في العراق، ولذلك واجهت تركيا عقبات أكبر في تطوير علاقات متبادلة المنفعة مع بغداد.

وأضاف أن المواقف المتناقضة بشأن الثورات العربية، وخاصة فيما يتعلق بسوريا، تضع إيران والعراق في معارضة لتركيا. وفي نفس الوقت، نظرت أنقرة إلى مشروع طهران لإنشاء "هلال شيعي"، بوصفه محاولة طائفية لعزل تركيا عن العالم العربي ولا سيما دول مجلس التعاون الخليجي. 

ولكن على الرغم من الخلافات السياسية بين أنقرة وطهران وبغداد، عملت تركيا على الحفاظ على مستوى عالٍ من العلاقات الاقتصادية وفي مجال الطاقة مع كلا البلدين. وهي سياسة تركية نموذجية، حيث فضّل صناع القرار الأتراك تاريخيًا الاقتصاد على السياسة، وهو اتجاه واضح جداً في حالة العراق وإيران.

وأوضح باكير أنه في ذروة الخلاف بين أنقرة وطهران في عام 2012 ، وصل حجم التجارة بينالبلدين  إلى أعلى مستوى على الإطلاق بنحو 22 مليار دولار. وقد لوحظت نفس الزيادة في العلاقات التركية العراقية، خلال حقبة نوري المالكي التي توترت في أثنائها العلاقات السياسية بسبب سياسات المالكي الطائفية وقربه من النظام الإيراني.

ووفقا لباكير، فإن حالة الهدوء التي شهدتها العلاقات التركية الإيرانية حتى عام 2017  ترجع إلى ثلاثة عوامل رئيسية: 

أولًا، دفعت أزمة الخليج أنقرة إلى الانفتاح السياسي تجاه إيران من أجل تأمين طريق سريع وأكثر استدامة اقتصاديًا لمساعدة قطر على التغلب على الحصار الذي تقوده السعودية. ثانيًا، فتح العامل الكردي المتمثل في استفتاء انفصال إقليم شمال العراق وزيادة نشاط تنظيم "ي ب ك" في سوريا نافذة صغيرة من الفرص بين العاصمتين للعمل على قضايا محددة ومشتركة تتعلق بالأمن. ثالثًا، أدى الضغط الأمريكي على تركيا والعقوبات المزدوجة على تركيا وإيران بشكل واضح إلى تقارب البلدين.

على أن إعادة فرض العقوبات على طهران عام 2018 شكل تحديا للتعاون الاقتصادي بين أنقرة وطهران. فعلى الرغم من التدابير التي اتخذها البلدان لتقليل تأثير العقوبات الأمريكية، فإن أرقام 2018 تشير إلى انخفاض في الحجم الإجمالي للتجارة الثنائية إلى نحو 9.3 مليار دولار، مقارنة بالحجم السابق البالغ نحو 11 مليار دولار. 

ويشير الباحث إلى أن العلاقات التركية العراقية شهدت انفراجة في نهاية عام 2018، حيث عبر الجانبان عن رغبتهما في فتح صفحة جديدة في علاقاتهما الثنائية. ونظرًا لأن البلدين يحاولان تجنب الوقوع وسط التوترات المتصاعدة بين الولايات المتحدة وإيران في الخليج، فقد خلق الوضع فرصة لتعزيز التعاون السياسي والاقتصادي والأمني ​​المشترك.

لكنه يستدرك بأنه على الرغم من الجهود التركية في التقارب مع بغداد وارتفاع حجم تجارة تركيا مع العراق إلى  13 مليار دولار، فقد تم حظر البضائع التركية بشكل منهجي في العراق لأسباب يعتقد الأتراك أنها دوافع سياسية. وتوجه أصابع الاتهام نحو إيران التي تعد أنقرة منافسًا لها في العراق ولم تدخر في الماضي أي جهود لعرقلة قدرة أنقرة على تلبية متطلبات السوق العراقية في بغداد والمحافظات الجنوبية.

واعتبر الباحث أن هذا الإجراء سوف يلقي بظلاله على محاولات تعزيز العلاقات بين تركيا والعراق، وقد يؤثر أيضًا على الخطط الحالية بالفعل لفتح بوابة حدود جديدة  لتحفيز التجارة عبر الحدود، كما قد يؤثر على رغبة البلدين في إنشاء خط سكة حديد يربط مرسين، والبصرة ثم إلى دول مجلس التعاون الخليجي. ذلك أن إيران لن تنظر بشكل إيجابي إلى أي من هذه المشاريع.

وخلص الباحث إلى أن النفوذ الإيراني القوي في العراق ، وانعدام الثقة بين تركيا وإيران، بالإضافة إلى الخلافات السياسية المستمرة بين أنقرة وطهران حول مجموعة من القضايا الإقليمية بما في ذلك سوريا، قد يعوق جهود أنقرة لتعزيز علاقاتها مع العراق. 

وأضاف أن زيارة أردوغان القادمة إلى العراق في نهاية العام الحالي ستكون اختبارا لجدية العراق بشأن تحويل صفحة جديدة مع تركيا، أو أن النفوذ الإيراني أقوى من إرادتها للقيام بذلك.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!