ترك برس 

عرفت تركيا خلال العصر العثماني تقليد "askıda ekmek" أو "الخبز المعلق"، حيث كان أهل الإحسان يشترون خبزًا أكثر من حاجتهم ويعلقونه في الأفران ليأتي الفقراء وذوو الحاجة ويأخذون منه. ولكن هذا التقليد تطور خلال السنوات القليلة الماضية بحيث لم يعد يقتصر على الخبز فحسب، بل شمل أشكالًا جديدة لمساعدة المحتاجين، ولا سيما الطلاب، كما يقول موقع "بي بي سي" البريطاني في تقرير مطول عن ذلك التقليد.  

ليس من الواضح  متى وكيف بدأ تقليد الخبز المعلق. وعلى الرغم من وجود تقاليد متشابهة وأكثر حداثة في بلدان أخرى، مثل تقليد القهوة المعلقة في إيطاليا، فإن الخبز المعلق يرتبط ارتباطًا وثيقًا بالثقافة والدين الإسلامي في تركيا. 

ويوضح  فيبيه أرمانيوس، أستاذ التاريخ في كلية ميدلبري في فيرمونت بالولايات المتحدة، والذي يركز في أبحاثه على العلاقات الإسلامية المسيحية في الشرق الأوسط وتاريخ الطعام، أن الخبز المعلق "عادة متجذرة في العصر العثماني وترتبط بمفهوم الزكاة، أحد أركان الإسلام الخمسة".

ويقول أرمانيوس إن "إعطاء الطعام يعد ذا أهمية خاصة في تركيا لأنه في العقيدة الإسلامية، يحافظ الخبز على الحياة، وحماية الحياة أمر مقدس، فالخبز بالغ الأهمية في تناول الطعام وهو يمثل الجوع - الشبع/ الجوع - اليأس".

ويضيف أن في أحاديث النبي محمد ﷺ "يرد الحديث عن الخبز بوصفه نعمة أرسلها الله، وإذا سقطت قطعة خبز على الأرض بطريق الخطأ، فيجب التقاطها فورًا ووضعها في مكان أعلى. بعض الناس يُقبّلونها قبل القيام بذلك لإظهار احترامهم."

ووفقًا لأرمانيوس، استخدم السلاطين العثمانيون هذا الاحترام للخبز لإضفاء الشرعية على حكمهم وكسب الولاء. إذ كان يعتقد أن الناس إذا أكلوا جيدًا يكونون أقل احتمالًا للقيام بثورات، ولذلك كان يتم التشديد على أسعار المواد الغذائية الأساسية مثل الخبز. قام منظمو السوق، الذين يطلق عليهم "المحتسب"، بمراقبة بيع الخبز للتحكم في السعر وضمان عدم استخدام مواد رخيصة بدلًا من الدقيق.

كما شجع العثمانيون من يستطيعون تحمل تكاليف توفير الخبز للمحتاجين. وكان التقليد عند تنفيذ التزامات الزكاة، ألا يشعر الفقراء بالحرج من خلال عدم الكشف عن هوياتهم لمن يعطون الزكاة والعكس صحيح.

وقد تحقق ذلك من خلال ما يعرف بحجر الصدقة "sadaka taşı" وهو عبارة عن حجر رخامي كبير بارتفاع قد يصل إلى مترين، يوضع في رأس كل شارع، وحي، وأمام الجوامع. وكان الأغنياء يضعون ما تجود به أنفسهم من أموال في الفتحة العليا للحجر، وفي المساء يأتي الفقراء والمحتاجون ليأخذوا مقدار حاجتهم من هذه الصدقات، دون أن يرى أي من المتصدقين أو المحتاجين الآخر.

وفي الوقت الحاضر تم استبدال حجر الصدقة بمواقع الإنترنت لحساب الزكاة، والتي تديرها مؤسسات خيرية تعتمد على التبرعات لمساعدة المحتاجين.

كما طرح الخبز المعلق على الإنترنت أيضًا، على موقع "yemek.com"، وهو موقع تركي شهير يشتمل على وصفات يومية، ويطلب من القراء ترشيح متاجر الأحياء التي تروج للخبز المعلق، تحت شعار "دعونا نساعد الأشخاص الذين يعيشون في الشوارع ولا يستطيعون شراء الخبز".

وقد سارت هذه التطورات التكنولوجية خطوة إلى الأمام بفضل أوغوزهان جانيم الذي فكر في طرق لتوسيع هذا التقليد من أجل الوصول إلى المزيد من الناس. عرف جانيم أن هناك مساعدات حكومية محدودة لطلاب الجامعات في تركيا وأنه لم يكن هناك ما يكفي من المنح الدراسية ومنح الطعام. 

وكان الحل هو إنشاء مؤسسة اجتماعية تسمى "Askidanevar"، وهي المؤسسة الأولى في تركيا التي تجمع بين تقليد الخبز المعلق ومنصات التواصل الاجتماعي. قد تكون الفكرة مبتكرة، لكن الهدف بسيط للغاية: ربط طلاب الجامعات المحتاجين بالشركات التي ترغب في دعمهم.

ويقول غوركيم أوزاتشيك مدير العمليات في المؤسسة: "المؤسس جانيم طور تقليد الخبز المعلق، وبمساعدة الإنترنت قرر زيادة حجم هذا المشروع بحيث يعمل بفعالية، ويصل إلى أكبر عدد ممكن. نحن نهدف إلى خلق المزيد من الفرص... باستخدام قوتنا للوصول إلى الشباب". 

أراد المؤسس جانيم أن تتاح للشباب الذين يراهم مستقبل تركيا الفرصة لقراءة الشعر، والانخراط في الفنون، وأن يصبحوا أشخاصًا متكاملين يتمتعون بخبرة جيدة. ويعتقد أنهم بهذه الطريقة، لن ينجحوا فقط في دراساتهم، بل سيطورونها ويساهمون أكثر في المجتمع التركي والعالم، من خلال ثقافة المشاركة.

يحتفظ المشروع بروح تقليد الخبز المعلق التي تقوم على إخفاء هوية المحتاجين. فبعد تسجيل الطلاب في الموقع، يمكنهم النقرا على زر "Take" للحصول على رمز لاستخدامه في وجبة مجانية من مجموعة من المطاعم المشاركة. وبنقرة أخرى، يحصلون على فرصة لتلقي الكتب والمجلات وتذاكر المسرح والحفلات الموسيقية وغيرها. أما الشركات المساهمة فتترك تفاصيل ومعلومات عن ما تقدمه تحت زر "Give". 

يوجد نحو 150.000 طالب مسجلين حاليًا في مشروع "Askidanevar"، يستخدمون نحو 500 كوبون من الطعام يتم التبرع بها كل شهر. وقدمت هذه المؤسسة الاجتماعية منذ إنشائها  قبل سبع سنوات مساعدات لنحو نصف مليون شخص، غالبيتهم من اسطنبول وأنقرة وإزمير.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!