ترك برس 

يرى خبراء في الشؤون الأوربية أن السياسة العالمية التي تتغير باستمرار والتي اكتسبت فيها المزايا الجيوسياسية زخمًا جديدًا تدفع الاتحاد الأوروبي لإيجاد طريقة لمعالجة الخلافات وانعدام الثقة المتبادل بين الكتلة وتركيا، مما يبرز دور تركيا المهم بموقعها الاستراتيجي.

وقالت فاليريا جانوتا، الخبيرة الأكاديمية في السياسة التركية والعلاقات الدولية، إن تركيا تبرز في النظام الدولي الحالي كدولة محورية بفضل علاقاتها مع الجهات الفاعلة العالمية، مضيفة أن تركيا تضطلع بدور مركز دولي، حيث إنها تشابك مع العديد من المناطق الجغرافية. 

وأوضحت  الخبيرة الإيطالية في حديث لصحيفة ديلي صباح، أن أنقرة تستطيع تنسج علاقات إيجابية مع دول آسيا والخليج والشرق الأوسط وأفريقيا والغرب بنفس القدر من القوة والاهتمام. هذه الدبلوماسية المنسجمة تجعل تركيا جسرًا وشريكا لا غنى عنه للاعبين العالميين. 

بدوره رأى إسماعيل أرمغان، الأستاذ في جامعة مدنيات بإسطنبول، أن: "تركيا تزيد من نفوذها بطريقة متوازنة على كل من المحور الأوروبي الآسيوي وفيما يتعلق بحلف الناتو"، موضحا أن المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل قد رأت أهمية هذا الدور، على عكس الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي لفت الأنظار بتصريحاته المناهضة لتركيا.

وعلى الرغم من تباين الأيديولوجيات المهيمنة على العلاقة بين الاتحاد الأوروبي والقوى الصاعدة على المحور الغربي - الشرقي، وتحديدًا روسيا والصين، فإن الاقتصاديات مرتبطة ببعضها بعضا في عدة جوانب تتجاوز المخاوف الأمنية والخطابات السياسية.

علاوة على ذلك، فإن تغيير جيوبوليتيك الطاقة بعد تحول الولايات المتحدة إلى التصدير ودخولها منافسا لروسيا يمثل أبعادًا جديدة لسياسة الطاقة في الاتحاد الأوروبي، حيث تعتمد بعض الدول داخل الكتلة اعتمادا كبيرا على الغاز الروسي. 

وفي هذا الصدد من المتوقع أن ينقل مشروع خط أنابيب التيار الشمالي الغاز الروسي إلى السوق الأوروبية عن طريق ضم تركيا في طريقه إلى اليونان. 

وقالت الخبيرة جانوتا: "لا غنى لأوروبا عن شبكات ومصادر الطاقة في تركيا من أجل أمن الإمداد. علاوة على ذلك، فمن خلال تعزيز التعاون، قد تكون أوروبا أكثر أمانًا لأن تركيا بوابة جنوبية في مواجهة بعض التهديدات الرئيسية مثل المقاتلين الأجانب وتدفق اللاجئين". 

وأشارت جانوتا إلى إن هناك خيبة أمل متبادلة تلقي بظلالها على العلاقات بين الاتحاد الأوروبي وتركيا، والتي أصبحت أكثر وضوحًا مع التطورات الأخيرة مثل عقوبات الاتحاد الأوروبي المفروضة على تركيا بعد عملية مكافحة الإرهاب في البلاد والتي استهدفت كيانات إرهابية في سوريا المجاورة، إلى جانب تصريحات بعض قادة الاتحاد الأوروبي بعد محاولة الانقلاب الفاشلة في تركيا عام 2016.

لكن الخبيرة الإيطالية استدركت أن المهم هو أن العلاقات الثنائية لا تزال فوق أي من الروايات السياسية.

وأوضحت أن: "تركيا وأوروبا أثبتتا قدرتهما على التخلي عن المصالح قصيرة الأجل لتحقيق المزيد من الرفاهية"، مشيرةً إلى التجارة، كمثال على التعاون الناجح بين بروكسل وأنقرة.

وأشارت إلى أن العلاقات الاقتصادية بقيمة مليارات الدولارات بين تركيا والاتحاد الأوروبي استمرت في النمو رغم الخلافات السياسية في عام 2018.

وأكدت جانوتا أنه "على الرغم من معارضة بعض القادة في الاتحاد لعضوية تركيا الكاملة في الاتحاد الأوروبي، فإن دولًا مثل ألمانيا وإنجلترا وفرنسا لا تزال في قائمة العشرة الأوائل من الشركاء الاقتصاديين الرئيسيين".

وشددت على ضرورة تحديث الاتحاد الجمركي بين تركيا وأوروبا، لأنه لا يزال يستبعد بعض القطاعات مثل الخدمات والزراعة التي تساهم بنسبة كبيرة من الناتج المحلي الإجمالي لتركيا.

من جانبه أكد فولفجانج فيسيلز، مدير مركز دراسات تركيا والاتحاد الأوروبي بجامعة كولون، على أهمية العمل على القضايا التي يمكن التوصل إلى حل وسط بشأنها بين بروكسل وأنقرة، مثل صياغة اجتماعات على أعلى المستويات وإنشاء برامج عمل، بدلًا من التركيز على الموضوعات المثيرة للانقسام.

وتعد عملية تحرير التأشيرة قضية أخرى مثيرة للجدل لم تجد حلا بين تركيا والاتحاد الأوروبي والتي يمكن أن تكون خطوة نحو تعزيز العلاقات.

وقالت جانوتا: "يجب ألا نتجاهل أن تركيا هي الدولة الوحيدة المرشحة التي لا تتمتع بنظام تحرير التأشيرات مع الاتحاد الأوروبي. والمفارقة هي أن رواد الأعمال الأتراك يواجهون صعوبات مستمرة في الوصول إلى البلدان التي تعد الوجهة الرئيسية لصادراتهم".

وتابعت: "ستبقى عملية انضمام تركيا مجمدة، ولكن من أجل التخلص من العلاقات غير المتكافئة بين بروكسل وأنقرة، يجب على الاتحاد الأوروبي التركيز أكثر على حل النزاعات والخلافات، واتخاذ خطوات لتحديث الثقة المتبادلة."

ولاحظ الخبراء كذلك أن عدم القدرة على وضع سياسة خارجية مشتركة داخل الاتحاد الأوروبي يمثل قضية أخرى تمنع بروكسل من اتخاذ خطوة حازمة بشأن العديد من القضايا مثل الأزمة السورية، وأزمة الهجرة. 

وقال ويسيلز إن الاتحاد الأوروبي يشكو دائمًا من القضية السورية، ومع ذلك لا يقدم بدائل، مضيفًا أن بروكسل لا تريد مغادرة منطقة الراحة الخاصة بها.

وتتفق الخبيرة جانوتا مع هذا الرأي، وقالت: "كانت السياسة الخارجية المشتركة للاتحاد الأوروبي أحد أعمدة اتفاقية ماستريخت. وعلى الرغم من بعض التغييرات والإصلاحات، لم يتم حتى الآن تحقيق إنجازات وتطورات كبيرة. وهذا يمثل أحد نقاط الضعف في الاتحاد الأوروبي كمشروع سياسي، في ضوء التحديات الداخلية الحالية حيث إن التناقضات تجعل من الصعب للغاية وضع سياسة خارجية ثابتة".

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!