د. سمير صالحة - خاص ترك برس

الرسالة هي لكل من اسمه فلاديمير في روسيا وليس بالضرورة أن تكون إلى فلاديمير الأكثر شعبية والشخصية الأقوى سياسيا هناك لأن احتمال عدم وصولها إليه كبير.

الرسالة علنية شفافة لأن الهدف أيضا هو أن نقرأها سوية في تركيا وروسيا وسوريا والعالم العربي.

بعد التحية والسؤال عن أفراد الأسرة واحدا واحدا أردت أن أقاسمك بعض ما نناقشه اليوم في تركيا حول العلاقات بين بلدنا وبلدكم في أعقاب التوتر التركي الروسي المتصاعد بسبب أزمة إدلب السورية والاتجاه المحتمل لهذه العلاقات التي كانت قد تحسنت كثيرا في الأعوام الأخيرة، لتصل إلى درجة إكرامنا الآيس كريم على الطريق العام في موسكو على حساب الرئيس وإكرامكم التين التركي الفاخر في القصر الرئاسي على حساب رئيسنا.

أما اليوم فيبدو أن المباحثات التركية الروسية لم تحقق بعد أية تفاهمات بين احتمالات التصعيد والتهدئة في إدلب. كلا الطرفين يتمسك بتفاهمات سوتشي رغم اتهامه للطرف الآخر بخرقها. اللاتفاهم بين الجانبين يعني المزيد من التوتر في علاقاتهما. العقدة الحقيقية تبقى حول كيف ستترجم أنقرة تحذيراتها وتهديداتها للنظام بالانسحاب من المناطق التي دخلها في الأسابيع الاخيرة وكيف سينعكس ذلك على مسار العلاقات التركية الروسية؟

أقرب الأقلام إلى حكومة العدالة والتنمية التي كانت تطعن وتحذر من المبالغة في الرهان على الغرب على حساب الشرق وتدافع عن التقارب التركي الروسي تتخلى عن هذه الفكرة لأنها تشعر أنكم خذلتمونا في سوريا وفي إدلب تحديدا، وسهلتم استهداف الجنود الأتراك الذين دخلوا إلى مناطق خفض التوتر بعد تفاهمات سوتشي عام 2018.

الشارع التركي غاضب بسبب اختياركم الوقوف إلى جانب النظام في دمشق على حساب تركيا الجارة الإقليمية التي أرادت فتح صفحة جديدة من تاريخ العلاقات. أنتم تركتمونا عرضة لانتقادات الكثير من الأتراك والعرب، والشماتة الأميركية بسبب تسليم سلة البيض التركية للروس والتشكيك السوري بسياستنا السورية بعد 9 سنوات من الدعم وسياسة فتح الأبواب والقلوب.

القناعة في تركيا أنكم تجاهلتم تقدم وانتشار القوات الأميركية في شرق سوريا حيث آبار النفط ووضع اليد عليها بالتنسيق مع حلفائها المحليين، وتغاضيتم عن الغارات الإسرائيلية اليومية التي تستهدف العمق السوري، ونسيتم أنه مساس بالسيادة السورية التي تتحدثون عنها ليلا نهارا، عندما تبررون للنظام هجماته ضد الجنود الأتراك بتوجيه ودعم منكم، ومحاولة محاسبة أنقرة على كل متر مربع في الشمال الغربي تريدون استرداده بتفويض شرعي من دمشق كما تزعمون.

يقول الرئيس التركي إن التراجع عن المواقف والسياسات التركية في سوريا بعد الآن سيكون أكثر كلفة على تركيا ومصالحها هناك. هذا يعني أن أنقرة تستعد لعملية خلط أوراق جديدة في إدلب وسياستها السورية قد تنعكس على العلاقات بيننا رغم محاولة وزير الخارجية التركي الفصل بين الملفات ونقاط الخلاف والتوتر وإعلانه أن المواجهة هي مع قوات النظام وليس مع القوات الروسية. لماذا هذا التمسك التركي الروسي إذا بتفاهمات سوتشي التي سقطت أرضا وتبعثرت كل عناصرها ومقوماتها الميدانية والسياسية؟

 ما هو الموقف الروسي من عملية عسكرية تركية واسعة ضد قوات النظام، وموسكو كما نرى نحن هي التي خططت ونفذت سياسة عزل تركيا وإضعاف موقفها في إدلب عبر لعب ورقة مجموعات النصرة ضدها ومحاصرتها بهذه الدمية؟

قد لا يكون هناك استهداف جوي للداخل التركي من قبل مقاتلات النظام في سوريا يستدعي تركيب مظلات الباتريوت الغربية لكن أنقرة تحتاج إلى سلاحها الجوي للوصول سريعا إلى ما تريده في إدلب وهنا تبرز مرة أخرى العقدة الروسية.

أزمة ثقة أخرى بيننا وهي أن أنقرة تتمسك برؤيتها حول أن أي تراجع في ادلب يعني التراجع في مناطق درع الفرات وغصن الزيتون ونبع السلام وفي سياسة تركيا السورية.

المواجهة العسكرية المباشرة بين القوات التركية وقوات النظام السوري تحمل معها مخاطر المواجهة التركية الروسية والتصعيد الإيراني ضد أنقرة إذا ما استهدفت الميليشيات المحسوبة على طهران والتي تشارك في المعارك. خيار الحل العسكري هو الذي يتقدم على الحوار السياسي اليوم. يبدو أنه ومنذ البداية كان هذا خياركم الأول لمحاصرتنا بورقة النصرة والنزوح وسقوط حلم الثورة التي راهنا عليها في سوريا؟

بالمقابل هناك طبعا سيناريو تفاؤلي آخر يرى أن استمرار قوات النظام بعملية التقدم في إدلب بدعم روسي رغم الإنذار التركي، ومواصلة أنقرة إرسال المزيد من القوات والعتاد يعني أن كل طرف متمسك بمواقفه لكنه يكاد يعني أن هناك تفاهمات ستتم حول الشكل الجديد للخارطة الميدانية والسياسية بين أنقرة وموسكو تحت سقف سوتشي جديد معدل فهل هذا صحيح؟ موسكو وأنقرة يتبادلان الاتهامات حول الطرف الذي أخل بتفاهمات سوتشي. هل الهدف هو العودة لهذه الاتفاقية أم لتبرير ذلك في أسباب التصعيد ومحاولات صناعة مشهد ميداني سياسي جديد هناك؟ لا يمكن أن تكون كل هذه المواجهات التركية الروسية والاستنفار والحشد والتعبئة السياسية والعسكرية مناورة تمهد لتبرير التفاهمات الجديدة في إدلب منعا للمواجهة بين البلدين في سوريا. أليس كذلك؟

حقيقة أخرى لا يمكن إغفالها، تركيا تريد إنشاء منطقتها الآمنة الرابعة مقابل ترك روسيا والنظام يرسمان حدود تفاهمات سوتشي الجديد. لكن لا ضمانة لأحد أن هذه التفاهمات ستكون نهائية بانتظار أجواء ملائمة تساعد على مواصلة المشروع الروسي. يعتقد البعض عندكم أن حسم الأمور في إدلب يعني نهاية الأزمة السورية. أما عندنا فهناك من يقول العكس، الانتصار الروسي الإيراني في شمال غرب سوريا لا يعني إضعاف النفوذ الأميركي أو التركي في شرق الفرات وإمساك موسكو بكافة خيوط اللعبة السورية.

أقلام تركية محسوبة على العدالة والتنمية تقول إن ما يجري في إدلب هو حصيلة اللاتفاهمات التركية الروسية وأنه لا فرق بعد اليوم بين الدفاع عن سهل مدينة أفيون في قلب الأناضول وبين الدفاع عن سهل إدلب. يقفون إلى جانب ما يريده دولت بهشلي زعيم حزب الحركة القومية اليميني وحليف أردوغان اليوم أن هدف القوات المسلحة التركية ينبغي أن يكون دمشق ونظام الأسد.

بالأمس كنا نحتفل بوصول الصواريخ الروسية أما اليوم فنتساءل لماذا تأخرت الصواريخ الأميركية؟ واشنطن حذرة ومثلها العديد من العواصم الغربية في مسألة إعطاء أنقرة ما تريده من دعم. والسبب هو احتمال المصالحة التركية الروسية وعودة العلاقات إلى سابق عهدها وعندها سيجد الغرب نفسه في أزمة التصعيد المجاني مع موسكو. فهل تتفق مع هذا الرأي؟

إبراهيم كالن، المتحدث باسم الرئاسة التركية يقول إن تركيا رفضت الاقتراح الروسي الجديد الذي سيحدد مصير إدلب، بما في ذلك الخريطة التي عرضتها موسكو. "لن نغير مواقع نقاط المراقبة العسكرية التابعة لنا، وسنواصل إرسال تعزيزات إلى إدلب... إذا لم نتمسك بهذا الخط هذا يعني ترك 3 ملايين ونصف المليون  شخص تحت رحمة نظام الأسد". موسكو تفترض أن أسوأ السيناريوهات هو استهداف القوات التركية لقوات النظام السوري لكن هناك حتما سيناريوهات محتملة كثيرة أسوأ من ذلك بكثير. أن يكون بينها مثلا هدف محاصرة القرار التركي وإضعافه في سوريا استجابة لرغبة بعض العواصم التي عقدتم الصفقات معها لإضعاف النفوذ التركي الإقليمي بهدف فتح الطريق أمام تغيرات دراماتية في الداخل التركي. مراكز الأبحاث والدراسات الأميركية هي التي تتحدث عن هذه السيناريوهات وأتمنى أن لا تكون لكم علاقة بها كما أتمنى أن لا أكون قد بالغت وأن تكون الكثير من تحليلاتي واستنتاجاتي مخطئة عزيزي فلاديمير.

عن الكاتب

د. سمير صالحة

البرفسور الدكتور سمير صالحة هو أكاديمي تركي والعميد المؤسس لكلية القانون في جامعة غازي عنتاب وأستاذ مادتي القانون الدولي العام والعلاقات الدولية في جامعة كوجالي


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس