صادق عبد الله الشيخ عيد - خاص ترك برس

شكَّل الاتصال الهاتفي الذي جرى الاثنين الماضي بين رئيس الوزراء التركي أحمد داود أوغلو مع نائب رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) إسماعيل هنية حدثاً لافتاً من حيث توقيته ومؤشراً هاماً على أن الحركة بشكل خاص والقضية الفلسطينية بشكل عام لاتزال تحتل موقعاً متقدماً في سلم الأولويات لدى تركيا القوة الاقليمية الكبيرة والهامة، فقد بحث أوغلو مع هنية هاتفياً آخر تطورات الأوضاع في المنطقة وفلسطين، وعلى رأسها موضوعات هامة مثل: إعادة إعمار غزة حيث أعلم داود أوغلو هنية أن بحوزة تركيا مشاريع خاصة لإعادة إعمار غزة، وقضية المصالحة الفلسطينية والتي أولاها أوغلو أهمية كبيرة وقد تعهد بلقاء رئيس الوزراء الفلسطيني رامي الحمد الله لإتمامها، إلى جانب موضوع المعابر الحدودية في غزة والمساعدات التركية وعلاج المصابين الغزيين على الأراضي التركية.

هذا الموقف التركي من حركة حماس والقضية الفلسطينية جاء ضمن سلسلة طويلة من المواقف والاجراءات التركية لنصرة الفلسطينيين والتقارب مع حركة حماس والتي نالت اهتماماً كبيراً من الحكومة التركية بعد فوزها في الانتخابات التشريعية الفلسطينية في مطلع عام 2006. كما أن التنافس الايراني السعودي الذي تصاعد في هذه الأيام وحالة الاستقطاب الحادة بين الفريقين في أعقاب انطلاق التحالف العربي الاقليمي ضد الحوثيين في اليمن يدفع بتركيا باتجاه حسم خياراتها وتحالفاتها في المنطقة ومن ذلك علاقتها بالقضية المركزية للعرب والمسلمين وهي القضية الفلسطينية واللاعبين الأساسيين فيها لاسيما حركة حماس، وهذا ما يفتح الباب أمام حركة حماس لتعزيز علاقتها مع الصديق الكبير والوفي والذي لا تشوب علاقتها معه منغصات طائفية.

يأتي ذلك في بيئة إقليمية متقلبة ومائجة بشدة وبسرعة كبيرة لا يمكن معها الجزم بمستقبل العلاقة بين حركة حماس وتركيا كحال أي علاقة أخرى في الشرق الأوسط، غير أننا نتلمس اتجاهها عبر قراءة المتغيرات والمستجدات على الساحة المحلية الفلسطينية والتركية وكذلك الاقليمية والدولية حيث يمكن حصر سيناريوهات العلاقة المستقبلية المحتملة بين تركيا وحركة حماس في ثلاثة سيناريوهات رئيسية وهي: السيناريو الأول: بقاء العلاقة بين تركيا وحماس على مستواها الحالي واكتفاء تركيا بالدعم السياسي والاعلامي لحركة حماس. السيناريو الثاني: تطور العلاقة إلى مستوى أفضل، وتقديم تركيا الدعم المالي واللوجستي لحركة حماس بما في ذلك فتح مكاتب للحركة على أراضيها. السيناريو الثالث: تراجع العلاقة لتصبح علاقة عادية كعلاقة الحركة ببعض الدول العربية. ولكي نستطيع تحديد السيناريو الأوفر حظاً لمستقبل العلاقة بين تركيا وحركة حماس يجب أن نبحث في متغيرات وعوامل عديدة منها:

عوامل داخلية فلسطينية يتمثل أهمها في مدى قدرة حركة حماس على الحفاظ على قاعدة شعبية كبيرة والسعي للتقدم في ملف المصالحة مع حركة فتح والتزام الحركة بالعملية الديمقراطية الفلسطينية وهذا ما يمكِّن القيادة التركية من تقديم الدعم لحركة حماس بشكل أكبر.

عوامل داخلية تركية وفي مقدمتها مدى قدرة الحزب الحاكم في تركيا -ذو الخلفيات الاسلامية- على مواصلة إرساء الاستقرار في البلاد والفوز في الانتخابات البرلمانية القادمة في يوليو من العام الجاري حيث ترى القيادة التركية أن العالم العربي والاسلامي عمقها الاستراتيجي وأن القضية الفلسطينية تحتل موقع القلب من هذا العالم العربي والاسلامي.

كما تشكل الأبعاد الإقليمية عوامل مهمة تؤثر في رسم شكل العلاقة بين حركة حماس وتركيا ومنها:

1- العلاقة بين تركيا وإسرائيل ومدى استجابة الأخيرة لشروط تركيا لتعافي العلاقة عاملاً حاسماً في شكل العلاقة المستقبلية مع حركة حماس، حيث لازالت العلاقة دون مستوى ما قبل حادثة أسطول الحرية بين تركيا وإسرائيل على الرغم من اعتذار إسرائيل رسمياً عام 2013م وقبول تركيا لهذا الاعتذار واستعدادها لتقديم تعويضات لأهالي الضحايا الأتراك غير أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لايزال يصر على شرط رفع الحصار عن غزة كما لا تبدو رغبة حقيقة لدى القيادة التركية بعودة العلاقات مع إسرائيل إلى سابق عهدها.

2- علاقة السلطات في مصر المتردية مع حركة حماس في ضوء القطيعة بين تركيا ومصر وتنافسهما على الساحة الفلسطينية وفي الإقليم.

3- مدى التقارب بين حركة حماس وإيران -المنافسة لتركيا في المنطقة- واحتمالية تحسن العلاقة حيث جرت عدة زيارات لقياديين من حركة حماس لطهران في ظل الترتيب لزيارة خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لإيران كمؤشر لتعافي العلاقة بين الجابين غير أن هذا اللقاء المرتقب اعترضته بعض العوائق أبرزها معارضة تيار يضم قيادات في حزب الله وإيران والتي تريد أن تكون عودة حماس لإيران عودة التائب المعترف بذنبه.

4- التحسن الجزئي في العلاقات التركية السعودية يتيح لحركة حماس السعي في تحسين علاقاتها مع الطرفين التركي والسعودي دون حرج.

وعلى الصعيد الدولي: فإن حجم التقدم في محاولة انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي والقيود التي تفرض على تركيا في هذا الصدد تدفعها لأن لا تذهب بعيداً في علاقتها مع حركة حماس وأن لا تتمادى في القطيعة مع حليفة الغرب إسرائيل، من جهة أخرى فإن التحسن الجزئي في علاقة حركة حماس مع بعض الدول الغربية كسويسرا ودول أخرى إلى جانب قرار المحكمة الأوروبية ببطلان قرار وضع حركة حماس على قوائم الإرهاب يشجع تركيا على تحسين علاقتها بالحركة دون حرج.

وبناء على هذه العوامل والمحددات يبدو أن السيناريو الأول والقائل ببقاء العلاقة بين تركيا وحركة حماس على مستواها الحالي (أو بتحسن طفيف)، واكتفاء تركيا بالدعم السياسي والاعلامي لحركة حماس هو الأوفر حظاً على المدى المنظور، حيث تراقب تركيا وحماس عن كثب التحولات الجارية في المنطقة وما ستؤول إليه مجريات الأمور.

عن الكاتب

صادق عبد الله الشيخ عيد

مُحاضر وطالب دكتوراه فلسطيني في جامعة سكاريا


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس