د. سمير صالحة - تلفزيون سوريا

ليس كل الذين ارتكبوا الجرائم والمجازر في العالم أوقفوا وحوكموا ودفعوا ثمن فعلتهم . بعضهم اعتقل وحوكم وبعضهم نجح في الهروب أوعرقلة العدالة وفئة ثالثة ما زالت حرة طليقة تواصل القتل الجماعي والممنهج للمدنيين. المسألة مرتبطة أيضا بحسابات الربح والخسارة في مواقف وقرارات الكبار حيال ملفات من هذا النوع حتى ولو كانت الأدلة ثابتة والوثائق مؤكدة. القناعة الدولية هي أن الجرائم التي ارتكبتها قوات المشير خليفة حفتر في غرب ليبيا صادمة ولا يمكن تجاهلها ولا بد من تحقيق أممي سريع حولها.

تكشف الوجه الآخر لخليفه حفتر وداعميه المحليين والإقليميين بعد هزيمة غرب ليبيا والانتهاكات الجسيمة للقانون الدولي الإنساني التي ترقى إلى جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية تنتظر إنجاز عمليات إعداد الوثائق وتقديمها إلى القضاء الليبي الوطني ومؤسسات القضاء الدولي وتحريك القضية وطنيا ودوليا. هل ستفرط حكومة الوفاق وداعميها الإقليميين والدوليين بحق مساءلة المشير حفتر وأعوانه عن مقتل العشرات من المدنيين والعسكريين وبعدما  أظهرت التحقيقات الأولية حجم الكارثة ووحشية ما جرى؟

قد يرى البعض أن القرار هو سياسي في قضايا من هذا النوع رغم ثبوت الأدلة والوثائق وقد يستشهد بقانون قيصر المبني على قرار سياسي أساسه قانوني وأخلاقي وإنساني لم يحرك الضمائر رغم مقتل مئات الآلاف من السوريين بين نساء وأطفال ورجال في جرائم ضد الانسانية. لكن حكومة الوفاق ستستفيد حتما من التجارب والحالات السابقة للإسراع في تحريك هذه الملفات على النطاق الدولي وهي بدأت فعلا في تنفيذ ذلك عبر التواصل والتنسيق مع المؤسسات المتخصصة تحت سقف الأمم المتحدة ومجلس الأمن لطلب الدعم في إنجاز التحقيقات الأولية ومسح أماكن الجرائم وإعداد الوثائق. تحريك القضاء الدولي على مستوى المحكمة الجنائية الدولية خيار آخر في غاية الأهمية تحاول منذ الآن تفعيله لناحية الاستفادة من تقارير ميدانية مباشرة تعدها منظمات إنسانية معروفة بينها "هيومن رايتس ووتش ".

قد تعاني السلطة السياسية والقضائية في ليبيا من أزمة الأجهزة والقدرة على تفعيل الجسم القضائي الوطني في هذه الظروف التي تعيشها البلاد لإنجاز التحقيقات وإعداد الملفات وانطلاق المحاكمات. وقد تعاني من تقديم بعض العواصم الدولية لمصالحها السياسية والأمنية على مصالح الشعب الليبي وتجاهل هذه الجرائم كما حدث في أكثر من ملف مشابه، لكن فرصة عاجلة وملحة لا يمكن التفريط بها أيضا وهي إضافة  آلية قضائية متخصصة وخاصة في صلب نظام القضاء الوطني الليبي بدعم من خبراء قضائيين دوليين، كفيلة بأن تضيق فجوة الإفلات من العقاب خصوصا إذا ما تم تفعيلها داخل آلية ملائمة باستقلالية ومصداقية وموضوعية .

في ليبيا كان المخطط منذ سنوات تسهيل سيطرة حفتر على كامل الأراضي الليبية وبسط نفوذه بقوة السلاح على العاصمة في الغرب مهما كان الثمن. هو فشل في ذلك لكن الثمن الذي دفعه وما زال أبناء المدن هناك كان باهظا. التقارير تتحدث عن زرع مئات الألغام التي أودت بحياة كثيرين وما زالت الفرق العسكرية تعمل على إزالتها قبل استهداف الآلالف من المدنيين الذين يريدون العودة إلى منازلهم.

 في مطلع الشهر الحالي تم العثور على أكثر من مائة جثة بثلاجات الموتى بمستشفى  ترهونة وحدها. الشيء المرعب الآخر هو ما يتعلق باكتشاف العديد من المقابر الجماعية حول طرابلس وترهونة، ورمي العشرات في آبار متروكة انتقاما من السكان وتصفية الأسرى قبل الانسحاب العسكري من المناطق.

جهود جمع الأدلة والوثائق مستمرة بالتنسيق بين الأجهزة الأمنية والعدلية المحلية وبعثة الأمم المتحدة إلى ليبيا للتحقيق في الجرائم التي ترتقي كلها إلى جرائم حرب تتحمل مسؤوليتها قوات حفتر وداعميه من المرتزقة.

أصوات لمسؤولين أممين ودوليين مثل الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش والممثل السامي للاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل والبعثة الأممية في ليبيا عبرت عن صدمتها ودعت فورا إلى تحقيق دولي شفاف ومستقل يحدد الجهات الفاعلة بهدف محاسبتها على جرائم واعتداءات ضد مدنيين أبرياء .

 الأمين العام لحلف شمال الأطلسي ينس ستولتنبرغ، كان أول المعبرين عن قلقه بشأن التقارير عن المقابر الجماعية في ترهونة، مطالبا بإجراء تحقيق دولي بهذا الشأن.

رئيسة اللجنة الفرعية المعنية بحقوق الإنسان بالبرلمان الأوروبي ماريا أرينا، دعت للتحرك السريع في الكشف عن الجرائم المرتكبة.

وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو يردد أن تركيا التي لعبت دوراً محورياً في إفشال مخططات قوات حفتر وداعميه في السيطرة على العاصمة الليبية، المشروع الذي كانت تقوده عواصم عربية وأوروبية، جاهزة لتقديم الدعم لحكومة الوفاق في كل ما تطلبه للكشف عن المجازر ومرتكبيها.

 وزارة العدل الليبية هي صاحبة الاختصاص في إنجاز التحقيقات واعتقال الفاعلين ومحاكمتهم ومطالبة القضاء الدولي بالتحرك للمساهمة في الكشف عن الفاعلين ومقاضاتهم. وهي بدأت باكرا دعوة المنظمات الدولية المعنية والمتخصصة لتفقد مكان الجرائم ولتقديم الدعم.

اتهام حفتر يعني اتهام شركائه الذين حرضوه على اقتحام مدن غرب ليبيا وقدموا له الدعم العسكري والمادي للاستعانة بفرق المرتزقة الروسية. أميركا في قانون قيصر لا تطارد النظام السوري وحده بل داعميه الإقليميين أيضا. شركاء حفتر من الخارج سيكون لهم حصتهم حتما عند انتهاء التحقيقات وإنجلاء الأمور. تقارير مجلس الأمن الدولي الموثقة والصادرة في الأشهر الأخيرة تتحدث عن الداعمين لحفتر والدعم الذي قدموه في معركته مع الشعب الليبي. المسألة في غاية البساطة والوضوح إذا ما أراد البعض التحرك.

أصدرت  محكمة أميركية في ولاية كولومبيا أوامر استدعاء بحق خليفة حفتر وصقر الجروشي وعارف النايض ومحمود الورفلي، بشأن دعوى قضائية تقدم بها مواطنون ليبيون ضدهم في الولايات المتحدة لارتكابهم جرائم حرب وتحريض في عدوانهم على طرابلس. المدير التنفيذي في منظمة هيومن رايتس ووتش، كينيث روث، يقول إن الجنرال خليفة حفتر هو عسكري ليبي ولكنه مواطن أميركي أيضا، يمكن مقاضاته في محكمة أمريكية. الضغوطات على حفتر تتزايد من كل صوب. جامعة الدول العربية كانت ناشطة في الآونة الأخيرة في عقد الاجتماعات الاستثنائية وإصدار البيانات. علها تفعل شيئا ما هنا أيضا.

عن الكاتب

د. سمير صالحة

البرفسور الدكتور سمير صالحة هو أكاديمي تركي والعميد المؤسس لكلية القانون في جامعة غازي عنتاب وأستاذ مادتي القانون الدولي العام والعلاقات الدولية في جامعة كوجالي


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس