ترك برس

خلال العهد العثماني رمم مسجد آيا صوفيا عدة مرات كان أشهرها تلك التي جرت في عهد السلطان عبد المجيد الثاني تحت إشراف جاسبار فوساتي وأخيه جوزيبي فوساتي، بين عامي 1847 و 1849. وخلال تلك المدة كثر عدد الإيطاليين في إسطنبول ووصل إلى 10.000 في عام 1860.

الأخوان جاسبر فوساتي (1809-1883) جوزيبي فوساتي (1822-1891)، من أسرة فنية معمارية عريقة، فجدهما الأكبر كان له دور كبير في عمارة بعض المنشآت المدنية في إيطاليا وفيينا وسويسرا.

تلقى جاسبر تعليمه في فيينا حتى سن 13 عندها التحق بمدرسة الزخرفة ثم مدرسة العمارة. وفي عام 1827م حصل على الجائزة الذهبية للفنون الكلاسيكية الحديثة. انتقل المعماري من مدينة إلى أخرى إلى أن استقر في روسيا وتأثر تأثرًا كبيرًا  بـ"كارول روسي" الذي تبنى الفكر البروديجيسلي prodigiously في العمارة، إذ اتسمت عمائره بالفخامة والضخامة والسعة.

ومع انتقاله إلى روسيا في عام 1836 عين كبير معماري البلاط الروسي، وبنى في روسيا الكنيسة الايطالية، وكنيسة في كرونستادت، وقصر بيرندكاي، والمستشفى الحربي والإسطبلات الحربية في فنلندا، وواجهة قصر بيسلديس لفردينالد الأول بالنمسا.

تمكن جاسبر من عمل ذلك كله خلال ثلاث سنوات فقط إلى أن كلفه الامبراطور "تسار نيكولاس الاول" بالسفر إلى إسطنبول لإنشاء مبنى السفارة الروسية بها، فأقام فيها مدة طويلة، تعرف خلالها العمارة والفن العثماني، وكون فريقه المعماري والفني من إخوة وأصهار وبعض أقاربة.

وﻓﻲ شباط/ ﻓﺒﺮﺍﻳﺮ ﻋﺎﻡ 1839 ﺍﺳﺘﺪﻋﻰ جاسبر شقيق ﺯﻭﺟﺘﻪ إﻜﺴﻨﺪﺭﻭ ﺭﻭﺳﻜﺎ، ﻭﺃﺧاﻩ ﭼﻮزيبي، ﻭﺯﻭﺝ ﺃﺧﺘﻪ ﺍﻟﺮﺳﺎﻡ أﻧﻄﻮﻧﻴﻮ ﻓﻮﺭﻧﺎﺭﻱ ﻟﻠﻌﻤﻞ ﻣﻌﻪ ﻓﻲ إﺳطنبول. ﻭﻗﺪ ﺻﻤﻢ هو وﺃﺧﻮﻩ ما يقارب 50 ﻋﻤلًا ﻣﻌﻤﺎﺭيًا ﻓﻲ المدة ﻣﺎ ﺑﻴﻦ 1843-1841.

وﻓﻲ ﻋﻠﻢ 1858 ﻋﺎﺩﺍ ﺍﻟﻰ ﺳﻮﻳﺴﺮﺍ ﻟﻘﻠﺔ ﺍﻷﻋﻤﺎﻝ ﺍﻟﻤﻨﻮﻁﻪ ﻟﻬما، ﻭﻟﻤﻮﺕ ﺭﺷﻴﺪ ﺑﺎﺷﺎ ﺍﻟﺬﻱ ﻛﺎﻥ ﺩﺍﻋﻤًا ﻟﻬما ﻋﻨﺪ الباب العالي. وقد عمل الأخوان فوساتي في إسطنبول خلال عهد ثلاثة سلاطين، ﻭﻫﻢ: ﺍﻟﺴﻠﻄﺎﻥ ﻋﺒﺪ ﺍﻟﻤﺠﻴﺪ 1861-1839ﻡ، وﺍﻟﺴﻠﻄﺎﻥ ﻋﺒﺪ ﺍﻟﻌﺰﻳﺰ 1876-1861ﻡ، ﻭﺃﺧﻴﺮًﺍ ﺍﻟﺴﻠﻄﺎﻥ ﻋﺒﺪ ﺍﻟﺤﻤﻴﺪ ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ 1909-1876.

ووفقًا للدراسة التي أعدتها الدكتورة غادة الجميعي عن "العمارة الإيطالية في تركيا العثمانية" تعددت ﻋﻤﺎﺋﺮ ﺍلأﺧﻮﻳﻦ ﻓﻮﺳﺎﺗﻲ ﻣﺎ ﺑﻴﻦ ﻋﻤﺎﺋﺮ ﻣﺪﻧﻴﺔ ﻟﻠﺠﺎﻟﻴﺔ ﺍﻷﻭﺭﺑﻴﺔ، ﻭﻛﻠﻴﺎﺕ ﻭﻣﻜﺎﺗﺐ إﺩﺍﺭﻳﺔ ﺳﻮﺍء ﻟﻠﺒﺎﺏ ﺍﻟﻌﺎﻟﻲ ﺃﻭ ﻟﻠﺤﻜﻮﻣﺎﺕ ﺍﻷﺟﻨﺒﻴﺔ، إﻟﻰ ﺟﺎﻧﺐ ﺑﻌﺾ ﺍﻟﻮﺣﺪﺍﺕ ﺍﻟﺤﺮﺑﻴﺔ ﺩﺍﺧﻞ ﻣﺒﻨﻰ ﺍﻟﺴﻔﺎﺭﺍﺕ، وﺑﻨﺎء ﺍﻟﻤﺴﺘﺸﻔﻴﺎﺕ ﻭﺍﻟﺠﺴﻮﺭ ﺳﻮﺍء ﻓﻲ إﺳطنبول ﺃﻭﻏﻴﺮﻫﺎ ﻣﻦ ﻣﺪﻥ ﺍﻷﻧﺎﺿﻮﻝ.

ومن أهم أعمالهما في إسطنبول التي رصدتها الباحثة، ﻣﺴﺘﺸﻔﻰ ﺑﺎﺏ ﺻﺮﺟﺎﻟﻲ، وجامعة دار الفنون، وقصر رشيد باشا وضريحه، وكنيسة سان بيترو للجالية الإيطالية، ومسارح إيطالية منها مسرح ناعوم في جلطا، ومبنى التلغراف، ومباني الكثير من السفارات، منها السفارة الروسية والهولندية والإيطالية والإيرانية.

ﺗﺮﻣﻴﻢ ﻣﺴﺠﺪ ﺁﻳﺎ ﺻﻮﻓﻴﺎ

اﻛﺘﺴﺐ ﺍﻷﺧﻮاﻦ ﻓﻮﺳﺎﺗﻲ ﺷﻬﺮﺗﻬﻤﺎ ﻣﻦ ﺃﻋﻤﺎﻝ ﺍﻟﺘﺮﻣﻴﻢ ﺍﻟﺘﻲ ﻗﺎﻣﺎ ﺑﻬﺎ ﻓﻲ ﺁﻳﺎ ﺻﻮﻓﻴﺎ، ﻭﻗﺪ ﺑﺪأﺕ ﺃﻋﻤﺎﻝ ﺘﺮﻣﻴﻢ المسجد ﺑﺄﻣﺮ ﻣﻦ ﺍﻟﺴﻠﻄﺎﻥ ﻋﺒﺪ ﺍﻟﻤﺠﻴﺪ ﺳﻨﺔ 1847، فأوكل إليهما ترميم المسجد وإصلاحه بعد أن بدأت  ﺑﻌﺾ أجزاء المسجد ولوحاته ﻓﻲ ﺍﻻﻧﻬﻴﺎﺭ.

كان تجديد المسجد بكامله يحتاج إلى ميزانية كبيرة، لكن الإمكانيات المادية حالت دون حدوث ذلك، فاكتفى الأخوان ﻓﻮﺳﺎﺗﻲ ﺑﺘﺮﻣﻴﻢ ﺍلأﺟﺰﺍء ﺍﻟﻤﺘﻬﺪﻣﻪ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺴﺠﺪ ﻣﻌﻤﺎﺭﻳأﺎ ﻭﻓﻨﻴأﺎ، ﻭﻛﺎﻥ ﻟﻨﻘﺺ ﺍﻟﻤﻮﺍﺭﺩ ﺍﻟﻤﺎﻟﻴﺔ ﺍﻟﺪﻭﺭ ﺍﻟﻮﺍﺿﺢ ﻓﻲ ﺍﻟﺒﻌﺪ ﻋﻦ ﺍﻟﺘﻜﻠﻒ ﺃﻭ ﺍﺳﺘﺨﺪﺍﻡ ﻣﻮﺍﺩ ﺑﻨﺎء ﺟﺪﻳﺪة كالرخام ﺃﻭ ﻏﻴﺮﻩ ﺑﻞ ﺍﺳﺘﻌﻴﺾ ﻋﻨﻪ ﺑﻤﺎ ﻫﻮ ﻣﻮﺟﻮﺩ ﺩﺍﺧﻞ ﺍﻟﻤﺴﺠﺪ، ﻓﻜﺎﻥ ﻳﺘﻢ إﻋﺎﺩﺓ استعمال ﺍﻟﺤﺠﺮ ﻭﺍﻟﺮﺧﺎﻡ ﺑﻌﺪ إﺻﻼﺣﻪ ﻭإﺩﺧﺎﻝ ﺍﻟﺘﺮﻣﻴﻤﺎﺕ ﻋﻠﻴﻪ ﻓﻲ ﻧﻔﺲ أﻣﺎﻛﻨﻪ ﺃﻭ إﻋﺎﺩﺓ ﺍﺳﺘﺨﺪﺍﻣﻪ ﻓﻲ أﻣﺎﻛﻦ ﺃﺧﺮﻯ ﺑﻤﺎ ﻳﺨﺪﻡ ﻋﻤﺎﺭﺓ ﺍﻟﻤﺴﺠﺪ ﻭﺧﺎﺻﺔ ﺍﻟﻘﺒﺔ.

ﺃﺷﺮﻑ ﻓﻮﺳﺎﺗﻲ ﻋﻠﻰ ﺗﺮﻣﻴﻢ ﺍﻷﺟﺰﺍء ﺍﻟﻤﻌﻤﺎﺭﻳﺔ ﺣﻮﻝ القبة. وحاز اختيارهما هذا على رضا السلطان وثقته، مع أن ﻣﺤﻴﻂ القبة ﻛﺎﻥ ﻳﻤﺜﻞ ﺍﻟﺘﺤﺪﻱ ﺍﻷﻛﺒﺮ ﻟﻬﻤﺎ، ﻓﻘﺪ ﺑﺪآ ﺑﺎﻻثني ﻋﺸﺮ ﻋاﻤﻮﺩﺍ ﺍﻟﺤﺎﻣﻠﻴﻦ ﻟﻠﻘﺒﺔ وغيرا ترتيب أماكنها، وهو ﻤﺎ ﺃﺩﻯ إﻟﻰ ﺗﻘﻠﻴﻞ ﺍلإﺿﺎءﻩ ﺍﻟﻨﺎﻓﺬﺓ ﺍﻟﻰ ﺩﺍﺧﻞ ﺍﻟﻤﺴﺠﺪ ﻧﻈﺮًﺍ ﻟﺤﺠﺐ ﺑﻌﺾ ﺍﻟﻔﺘﺤﺎﺕ.

وإﻟﻰ ﺟﺎﻧﺐ ﻗﻴﺎﻣﻬﻤﺎ ﺑﺘﻐﻴﻴﺮ ﺑﻌﺾ ﺍﻟﺮﻭﺍﺑﻂ ﺍﻟﺤﺪﻳﺪﻳﺔ ﻭﺗﺮﻣﻴﻢ ﺧﻮﺫﺓ ﺍﻟﻘﺒﺔ ﺫﺍﺗﻬﺎ، ﻗﺎﻣﺎ ﺑﺘﻐﻴﻴﺮ ﻭﻫﺪﻡ ﺑﻌﺾ ﺃﻋﻤﺎﻝ ﺍﻟﻤﻌﻤﺎﺭي معمار ﺳﻨﺎﻥ ﺣﻴﺚ ﻗﺎﻣﻮﺍ ﺑﻬﺪﻡ ﺑﻌﺾ ﺍﻟﺴﻼﻟﻢ لتخفيف الحمل ﻋﻦ ﺍﻟﺴﻘﻒ ﻭﻗﺒﺔ ﺍﻟﻤﺴﺠﺪ. إﻟﻰ ﺟﺎﻧﺐ تجديدهما ﻟﺒﻌﺾ ﺃﺑﻮﺍﺏ ﺍﻟﻤﺴﺠﺪ، ﻭﺍﻟﻤﺤﺮﺍﺏ ﻭﺃﺭﺿية ﺍﻟﻤﺴﺠﺪ ﺑﺎﻟﻜﺎﻣﻞ، والمئذنة ﻭﺑﺮﺝ ﺍﻟﺴﺎﻋﺔ.

ﻭﻗﺪ ﺃﺷﺮﻑ ﺃﻧﻄﻮﻧﻴﻮ ﻓﺮﻧﺎﻧﺪﻭ ﻋﻠﻰ ﺍﻷﻋﻤﺎﻝ ﺍﻟﻔﻨﻴﺔ مستعملًا ﺗﺼﻤﻴﻤﺎﺕ ﻓﻨﻴﺔ قاﻡ ﺑﺘﺼﻤﻴﻤﻬﺎ ﺑﻨﻔﺴﻪ، ﻭﻗﺪ ﻛﺎﻥ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻌﻤﻞ ﺍﻟﻔﻨﻲ ﻟﺘﻐﻄﻴﺔ ﺳﻘﻒ ﺍﻟﻄﺎﺑﻖ ﺍﻟﺴﻔﻠﻲ ﺑﺄﻛﻤﻠﻪ ﺗﻘﺮﻳﺒًﺎ، إﻟﻰ ﺟﺎﻧﺐ ﺣﺠﺒﻪ ﻟﺒﻌﺾ ﺍﻟﻌﻨﺎﺻﺮ ﺍﻟﻤﻌﻤﺎﺭﻳﺔ ﻣﺜﻞ ﺑﻌﺾ ﺍﻟﻨﻮﺍﻓﺬ ﺍلأﺻﻠية ﺑﺎﻟﻄﺎﺑﻖ ﺍﻟﺴﻔﻠﻲ.

كان ﻣﺼﻄﻔﻰ ﻋﺰﺕ ﺃﻓﻨﺪﻱ ﻗﺎﺿﻲ ﺍﻟﻌﺪﻝ ﻣﺴؤﻮلًا ﻋﻦ ﺍﻟﻜﺘﺎﺑﺎﺕ ﻭﺍﻟﻨﺼﻮﺹ ﺍﻟﻘﺮآﻧﻴﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺯﻳﻨﺖ ﻗﺒﺔ ﺍﻟﻤﺴﺠﺪ ﺑﺘﺰﻳﻴﻦ ﻋﻤﺎﺭﺓ ﺍﻟﻤﺴﺠﺪ ﺑﺎﻟﻄﺎﺭﺍﺕ ﺍﻟﻜﺒﻴﺮﺓ ﺍﻟﻤﻜﺘﻮﺏ ﻋﻠﻴﻬﺎ "ﷲ" "ﻣﺤﻤﺪ" ﻭﺃﺳﻤﺎء ﺍﻟﺨﻠﻔﺎء ﺍﻟﺮﺍﺷﺪﻳﻦ.

ﻭﻗﺪ ﻛﺎﻥ ﺍﻟﺘﺤﺪﻱ ﺍﻟﺪﺍﺋﻢ ﻟﻸﺧﻮﻳﻦ ﻓﻮﺳﺎﺗﻲ ﻣﺮﺍﻋﺎﺓ ﻋﺪﻡ ﺍﻟﻜﺸﻒ ﻋﻦ ﺍﻟﺰﺧﺎﺭﻑ ﻭﺍﻟﻨﻘﻮﺵ ﻭﺍﻟﺼﻮﺭ ﺍﻟﺠﺪﺍﺭﻳﺔ ﺍﻟﻤﺴﻴﺤﻴﺔ ﺍﻟﺒﻴﺰﻧﻄﻴﺔ، وﻋﺪﻡ ﺍﻟﻜﺸﻒ ﻋﻦ ﺍﻷﻟﻮﺍﻥ ﺍﻟﺘﻲ ﺍﺳﺘﺨﺪﻣﻬﺎ ﺍﻟﻔﻨﺎﻥ ﺍﻟﺒﻴﺰﻧﻄﻲ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﺁﻳﺎ ﺻﻮﻓﻴﺎ ﻜﻨﻴسة ﺑﻴﺰﻧﻄﻴﺔ.

ﻭﻳﺬﻛﺮ جاسبر ﻓﻲ ﻣﺬﻛﺮﺍﺗﻪ ﺃﻥ ﺍﻟﺴﻠﻄﺎﻥ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺭﺃﻯ ﺍﻟﺰﺧﺎﺭﻑ ﺍﻟﻜﻨﺴﻴﺔ ﺍﻟﻤﺰﻳﻨﺔ ﺑﺎﻟﻠﻮﻥ ﺍﻟﺬﻫﺒﻲ ﻓﻲ ﺑﻌﺾ ﺟﺪﺭﺍﻥ ﺍﻟﻤﺴﺠﺪ ﺻﺮﺥ ﻓﻲ الأخوين ﻭﻭﺑﺨﻬﻤﺎ، مشيرًا إلى ﺃﻥ ﺫﻟﻚ ﻛﻔﻴﻞ بإحداث ﺍﻟﻘﻼﻗﻞ داخل السلطنة.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!