ترك برس

يتعمّد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، تصعيد التوتير في منطقة شرق المتوسط بين تركيا واليونان، بدعمه المستميت لحكومة أثينا التي تدّعي حقوقا في تلك المنطقة، لا تستند إلى القوانين الدولية والاتفاقيات المبرمة سابقا.

ويظهر من خلال تحليل نشره موقع "خبر7" التركي بقلم الخبير في الشؤون الخارجية طه داغلي، أن ماكرون يسعى من خلال تصعيد التوتر بين تركيا واليونان، لتوجيه ضربة قاضية لحلف شمال الأطلسي (الناتو)، سيما أنه صرح في وقت سابق بأن الناتو بات ميتا سريريا.

ونص المقال التحليلي الذي كتبه الخبير طه داغلي على الشكل التالي:

اليونان لم تنظر بإيجابية للحلول التي طرحتها الناتو لحل الأزمة القائمة في شرق المتوسط، فالناتو لا يخطط لمفاوضات سياسية، بل يرغب في عقد اجتماعات تقنية وعسكرية وحل الأزمة عبر الخرائط.

اليونان لم ترغب في الجلوس إلى طاولة الحوار، لأنها تدرك بأن جميع الاتفاقيات والمعاهدات المبرمة في السابق حول شرق المتوسط والجزر الموجودة فيها والتي تدعي اليونان حقا لها في تلك الجزر، تصب في مصلحة تركيا.

وتستمد اليونان شجاعتها في رفض مقترحات الناتو، من فرنسا التي ترغب في تصعيد التوتر بشرق المتوسط قدر استطاعتها، بل تقوم باريس باستفزاز أنقرة لتدفع بتركيا إلى البدء بعمل عسكري فعلي في المنطقة.

ومهمة الناتو هنا، إخماد الحريق قبل إندلاعها بشكل حقيقي، فتركيا جاهزة لأي حوار ومفاوضات سواء كانت عسكرية أو سياسية أو تقنية، لكن الطرف الآخر لا يبدي أي ميول للتفاوض بل يتعمد التصعيد.

وكما قلنا فالسبب الأول لرفض اليونان مقترحات الناتو، هو إدراكها بأن تركيا ستخرج من تلك المحادثات منتصرة، أما السبب الثاني والأهم، يتعلق بالمشاكل القائمة بين فرنسا والناتو مباشرة.

تركيا واليونان عضوين في حلف شمال الأطلسي، لذا فمن الأولى أن يتولى الناتو حل الأزمة القائمة في شرق المتوسط، وليس الاتحاد الأوروبي.

فرنسا لا ترغب في أن يكون الحل على يد الناتو، بل تسعى لإبعاد الناتو عن هذه الأزمة وجر تركيا إلى طاولة التفاوض مع الاتحاد الأوروبي.

وإذا ما نظرنا إلى سياسات ماكرون خلال العامين الأخيرين، نرى أنه قد وضع في رأسه فكرة إنهاء حلف شمال الأطلسي بشكل واضح، لا سيما أن فكرة تأسيس جيش أوروبي موحد بدل الناتو، عائدة لفرنسا.

وبالطبع إن ماكرون لا يستطيع أن يروّج لهذه الفكرة بمفرده، بل يحظى بدعم ألماني مبطّن، فالرئيس الفرنسي صرح علنا بأن الناتو بات ميتا سريريا.

وإن فعاليات تركيا في ليبيا وشرق المتوسط، ساهم في إظهار رغبة ماكرون بالقضاء على الناتو بشكل أوضح، حيث أنه ادعي بأن البحرية التركية تحرشت بسفينة فرنسية، وطلب من الحلف أن يفرض عقوبات على تركيا العضوة في الناتو، وقال له "أثبت أنك لست ميتا سريريا".

وبناء على طلب فرنسا، قام الناتو بالتحقيق في تلك الادعاءات، وتبين كذب الرئيس الفرنسي، وفي الحقيقة فإن نتيجة التحقيق لم تكن مفاجئة بالنسبة لماكرون، فالأخير كان يرغب في تصعيد التوتر بين بلاده والحلف، ويبحث عن حجج تخدم تلك الرغبة.

وفي ليبيا لم يتردد ماكرون الذي يعد رئيسا لدولة عضو في الناتو، في عقد شراكة مع الروس بليبيا، بل ذهب أبعد من ذلك وعرض على روسيا التعاون في شمال القارة الافريقية بشكل علني.

الرئيس الفرنسي بدأ بدعم الوجود الروسي في مناطق تقع جنوب القارة الأوروبية، علما بأن ماكرون يدرك جيدا بأن الناتو يعتبر روسيا أكبر تهديد له.

بالطبع إن سياسات ماكرون لفتت انتباه الولايات المتحدة الأمريكية حيث صدرت عدة تقارير رسمية من واشنطن تدين تلك السياسات. 

والخلاصة يمكننا القول إن ماكرون يسعى من خلال التصعيد في شرق المتوسط إلى إضعاف الناتو، وعلى الأخير بذل المزيد من الجهود لحل الخلافات القائمة شرق المتوسط، وإلا فإن ماكرون سيبلغ مراده ويجعل الجميع يشككون بقدرة الناتو وقوته وقابليته لحل الأزمات.  

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!