د. سمير صالحة - تلفزيون سوريا

ترسخت أسس قرار التباعد التركي المصري في التاريخ السياسي الحديث بعد العام 2013. ساهمت أنقرة والقاهرة في ترسيخ القطيعة دون إظهار أية محاولة تقارب أو إبداء رغبة حقيقية في الإقدام على خطوة من هذا النوع. لعبت عواصم عربية وإقليمية عديدة دورا محوريا في تأجيج التوتر الذي تحول اليوم إلى التحاق باصطفافات زادت العداوة بين السلطات السياسية في الدولتين.

بعد كل هذه الجهود السياسية الجبارة التي بُذلت على طريق القطيعة والتباعد عاد الحديث عن احتمال تقدم ونجاح حوار تركي مصري يجري بعيدا عن الأعين.

من يدعو للحوار في الجانبين يقول في الوقت نفسه إن الخطوة الأولى ينبغي أن تأتي من الجانب الآخر وأنه لا بد من الأخذ بالشروط المسبقة التي لا مفر منها وأن مؤشرات الإرادة الذاتية المستقلة في تفعيل هذا الحوار غير موجودة ومن أجل تفعيلها لا بد من تغير القناعات وتبدل التحالفات. المؤسسات واللوبيات التي يعول عليها في مثل هذه الظروف حيدت في غالبيتها ووسطاء الخير تراجع عددهم وكل طرف يقول إنه ينتظر الأفعال وليس الأقوال فأي نوع من الحوار هو الذي يطلب إلينا تبنيه والدفاع عنه لمصلحة الشعبين؟

قد تكون الرغبة قائمة وقد تكون القناعة التركية المصرية

الجديدة هي في قبول المحاولة وتجاوز أزمة الثقة القائمة أو الالتفاف عليها لكن حقائق ومعطيات كثيرة تقول إن المسألة ليست بمثل هذه السهولة والبساطة.

هل ستسمح عواصم التحالف الإقليمي الذي ساهمت القاهرة في بنائه ولعبت دورا أساسيا في رسم سياساته الذهاب بعيدا في أي حوار تجريه مع أنقرة والحديث يدور عن تحول الأمور من تحالف أمني عربي إلى تحالف إقليمي على شكل "ناتو" جديد في شرق أوسط جديد تحددت معالمه ورسمت خرائطه؟

هل القاهرة نفسها جاهزة للدخول في مغامرة تفعيل حوار مصري تركي غير مضمون النتائج حيث تشير الكثير من المعطيات إلى تزايد ثقل ووزن هذا الاصطفاف الذي تنتمي إليه بعد المصالحات الإسرائيلية مع بعض العواصم العربية بإشراف ورعاية أميركية؟

ما الذي ستقدمه أنقرة لمصر والذي سيكون كافيا لإقناعها بتغيير المواقف والسياسات في العلاقات التركية المصرية، وهل سيكون بمقدورهما اعتماد الأسلوب والسيناريو التركي الروسي القائم على الواقعية والفصل بين الملفات وحماية مسار العلاقات الثنائية رغم التباعد في ملفات إقليمية عديدة؟ 

لا القيادة المصرية وشركاء الاصطفاف الإقليمي الجديد يراهنون على تحول حقيقي وجذري في سياسات تركيا الشرق أوسطية فهو احتمال بعيد في هذه الآونة على ضوء المواقف والسياسات التي ما زالت قيادات حزب العدالة والتنمية تطبقها على أكثر من جبهة. ولا أنقرة تعول على الوصول إلى ما تريده في حوارها مع القاهرة وهي تدرك تماما أنه دون إرضاء دول التكتل الذي التحقت به تل أبيب مؤخرا ليصبح أكثر قوة مع القاهرة والرياض وباريس وأثينا وأبو ظبي فإن الأمور لن تتبدل.

ألا يقرأ الأتراك بيانات القمم العربية الأخيرة وقرار تشكيل لجان متابعة سياسات تركيا العربية وضرورة التحرك للرد عليها وحجم الشرخ بعدما كانت تركيا مرشحة لتكون عضوا غير منتسب إلى الجامعة قبل سنوات فقط؟

هل سيكون بمقدور أنقرة تجاهل التحول الكبير في السياسات العربية نحو اللاعبين الإقليميين غير العرب في المنطقة إسرائيل وإيران وتركيا وحقيقة كيف تعاملت الجامعة العربية مع قرار المصالحات وإعادة العلاقات بين دول خليجية وإسرائيل؟ وهل يعتقد البعض في تركيا أن الأمور عربيا مشابهة للعام 1980 وقرار إبعاد مصر عن التكتل بعد توقيع اتفاقيات السلام مع تل أبيب وأن العواصم العربية ستكتفي بتكرار كلاشيهات قديمة معهودة بينما يعتمد البعض الأساليب البرغماتية لحماية نفوذه ومصالحه؟ أين موقف النظام في دمشق مثلا وتهديدات حزب الله القديمة لكل من يجاوز الخطوط الفلسطينية الحمراء والطروحات والأفكار السياسية والعقائدية للأحزاب العربية التي جعلت فلسطين والقدس مركز الثقل في كل برامجها ومطالبها؟ كيف تروج أقلام عربية دولها في حالة حرب أو موقع عداوة مع إسرائيل حسب دساتيرها وقوانينها ولا أحد يسألها عما تفعله؟

 أصوات عربية كثيرة تدعو إلى تحول حقيقي في سياسات تركيا العربية قبل الحديث عن تحول في العلاقات التركية المصرية لأن نظرة الجامعة العربية إلى تركيا وسياساتها تغيرت وهو ما لم يحدث حتى اليوم. عندما يدور الحديث اليوم عن اتفاقيات السلام بين إسرائيل وبعض العواصم الخليجية تبرز مسألة الخيارات المستقلة والسيادة الوطنية الواجب قبولها واحترامها، وعندما يكون النقاش حول مسار العلاقات التركية العربية يتحول الأمر إلى "فركة أذن" لا بد منها كما يحلو للبعض أن يقول. تركيا بعين الجامعة العربية اليوم هي على مسافة واحدة مع إيران، وإسرائيل في أعين الكثير من القيادات العربية لم تعد كما كانت في الماضي فكيف ستقلب أنقرة الطاولة وتخترق هذا التحالف وتنجح في إقناع القاهرة بما تقول وتريد؟

نحن أنصار التفاهمات الاستراتيجية بين تركيا ومصر نقول لنغير الموضوع إذا فالمعجزة التي ينتظرها البعض في احتمال عودة العلاقات بين البلدين إلى نصابها ليست وليدة اليوم إذا لم نشأ القول إن هذه المحاولة هي بين المستحيلات. كل طرف يراهن على موجة العمق لقلب المعادلات والوصول إلى ما يريد. قرار المصالحة بين بعض العواصم العربية وإسرائيل هو بحد ذاته بين مؤشرات صعوبة الوصول إلى نتائج مرضية في الحوار التركي المصري لأنه جزء في صفقة إبعاد أنقرة عن القاهرة. الكارثة الحقيقية ستكون عندما يفوز جو بايدن في الانتخابات الأميركية والتزامه بتنفيذ السياسة الإقليمية التي أطلقها والتي ستكون ارتداداتها نقطة في بحر ما فعله ترامب.

عن الكاتب

د. سمير صالحة

البرفسور الدكتور سمير صالحة هو أكاديمي تركي والعميد المؤسس لكلية القانون في جامعة غازي عنتاب وأستاذ مادتي القانون الدولي العام والعلاقات الدولية في جامعة كوجالي


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس