عمر الدغيم - خاص ترك برس

يعتبر نهر النيل شريان الحياة الرئيسي لدول حوض النيل جميعها منذ القدم، ولكن إذا كان هذا النهر هو مصدر مياه أساسي بالنسبة للسودان وإثيوبيا وغيرها، فهو المصدر الوحيد للمياه بالنسبة لمصر، حيث أنه كان ومازال يمثل مسألة وجود لمصر ولشعبها، وذلك لقلة الأمطار في مصر، ولأن مياهها الجوفية غير متجددة، ولأنها الدولة الأكثر سكاناً من بين دول حوض النيل، فهي الأكثر اعتماداً على نهر النيل كمصدر للمياه، حيث أن مياه النيل تمثل 97% من موارد مصر المائية (يسري،2016، 1). وقد عبر أحمد أبو دوح عن هذه الأهمية بقوله: " إن إمكانية خوض الحرب لضمان استمرار تدفق مياه النيل أمر مترسخ بعمق في اللاوعي القومي المصري، نظرا لمكانة النيل كمصدر للحياة في بلد تعد معظم أرضه صحراء قاحلة " (الجزيرة،2020).

ولهذا كان من الطبيعي أن تحدث أزمة سياسية تتصاعد حدتها بين مصر وإثيوبيا، وذلك منذ أن أعلنت الأخيرة في تاريخ 1مايو 2010 عن نيتها الشروع في بناء سد النهضة على نهر النيل في أراضيها، والذي سيقلل من حصة مصر والسودان من المياه (يسري،2016، 2). وقد تجددت الأزمة في نهاية شباط الماضي وذلك بعد رفض إثيوبيا التوقيع على الاتفاق الذي تم التوصل إليه بعد المفاوضات الثلاثية - المصرية السودانية الإثيوبية-  والتي جرت برعاية أمريكية، وقد كان واضحاً كما صرح دبلوماسي مصري بأن إثيوبيا لم يكن لديها النية لحل الأزمة وإنما استغلت المفاوضات لكسب الوقت فقط (الجزيرة،2020).

الخيارات الواجبة

يبدو أنه ومنذ البداية كان هناك تعنت واضح من الطرف الإثيوبي، وأن تجاوبه في بعض المناسبات السياسية إنما كان مماطلة لا أكثر، بينما كان يمضي في تنفيذ مشروعه لبناء السد الذي يهدف منه إلى تحقيق غاية ثانوية بالنسبة للأمن القومي الإثيوبي وهي إنتاج الكهرباء، بينما يتجاهل أنه بذلك يهدد صميم الأمن القومي لدول أخرى وأهمها مصر. وعلى المسؤولين في مصر أن يكفوا عن السعي في المسارات الدبلوماسية والسياسية، وأن يقابلوا هذا التعنت بتصعيد على كافة المستويات، وأن يضعوا جميع الخيارات على الطاولة، بهدف منع إكمال مشروع سد النهضة مهما كلف الأمر، من خلال ممارسة المزيد من الضغوطات على الدول المجاورة لإثيوبيا لتقطع علاقاتها السياسية والاقتصادية مع أديس أبابا، وخصوصاً دول الخليج العربي التي لديها استثمارات ضخمة في أثيوبيا والتي كانت قد قبلت أن تقطع العلاقات فعلاً إذا فشل الحوار. وأن تعمل على إقناع الولايات المتحدة الأمريكية بأن تزيد من ضغوطها على حكومة أديس أبابا، وأن تدخل كطرف في مصر في حل الأزمة لا كوسيط محايد يراقب المفاوضات ويرعاها. وكانت مصر في السابق قد لوحت بالخيار العسكري في عهد الرئيس حسني مبارك واستخدمت لغة التهديد، فمسألة النيل بالنسبة لمصر مسألة أن تكون أو لا تكون.

تقييم الموقف التركي

كان يمكن لمصر أن تجنب نفسها اكتساب أعداء إقليميين جدد في المنطقة، وأن تعمل على كسب أصدقاء وحلفاء هي في أشد الحاجة إليهم كتركيا الدولة القوية الصاعدة. فقد انتقلت تركيا من طور التأثير المحلي والانكفاء على الداخل إلى طور اللاعب الإقليمي صاحب القرار المؤثر في الكثير من القضايا والأزمات العالمية والدولية. وكان يمكن لها أن تساعد مصر في الضغط على الجانب الإثيوبي وأن يكون لها يد كبيرة في منع وإعاقة بناء سد النهضة وإتمامه. خصوصاً أن تركيا كانت قد جعلت من الشرق الإفريقي إحدى مناطق نفوذها وأدرجته في مخططاتها الاستراتيجية التي سارت عليها السياسة الخارجية التركية في العقد الأخير. فكانت الزيارات الدبلوماسية رفيعة المستوى مستمرة إلى دول القرن الإفريقي كجيبوتي والصومال وإثيوبيا، والتي نتج عنها توقيع العديد من اتفاقيات التعاون السياسي والعسكري والاقتصادي.

لقد كان الموقف التركي من سد النهضة غامضاً، فهو إن لم يؤيد هذا المشروع علناً فهو لم يعارضه أيضاً. وإن هذا الموقف التركي الصامت غير مستغرب، وليس للمسؤولين في مصر أن ينتظروا غير ذلك، فهم وضعوا أنفسهم في الخندق المواجه لتركيا وأمنها القومي ومصالحها في كل مكان، ففضلاً عن أنها تدعم قوات قسد الديمقراطية ضمن حلفها مع السعودية والإمارات، فهي تصطف في طرف اليونان وقبرص اليونانية وإسرائيل في الصراع على شرق البحر المتوسط  ضد المصالح التركية هناك، وأخيرا دعمها واسع النطاق لقوات خليفة حفتر في ليبيا في مواجهة قوات حكومة طرابلس الشرعية الحليف الاستراتيجي لتركيا في الشمال الإفريقي.

ويبدو أن الزيارة الاخيرة لوزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو لإثيوبيا في 16 يوليو الحالي، جاءت كرد على التصعيد المصري في ليبيا وكورقة ضغط على القاهرة لتترك هذه السياسة العدائية تجاه أنقرة.

وقد علق على ذلك المحلل المصري الخبير في الشأن التركي صلاح لبيب عبدالرحمن بالقول: " إن ما يبدو واضحا هو استثمار أنقرة لحالة الصراع مع إثيوبيا لصالحها، ولكن لا توجد مؤشرات على أن لتركيا تأثير في موضوع السد، الأمر لا يعدو سوى تكثيف الضغوط على القاهرة ليس إلا، وهي خطوات استعراضية أكثر منها واقعية على الأرض". وأكد لبيب على عدم الانخراط الفعلي لتركيا في دعم مشروع السد فقال: " إن الأزمة سابقة على الصراع المصري التركي، ولا توجد دلائل على انخراط تركي واضح في المشروع، فالشركات العاملة في المشروع معروفة "، وهذا ما أكده الأكاديمي التركي وأستاذ العلاقات الدولية في جامعة إسطنبول أحمد أويصال فقال أن الاجتماع الأخيرة بين الدولتين ليس له علاقة بسد النهضة الإثيوبي والنزاع مع مصر، فتركيا لا دخل لها بموضوع السد (الحرة، 2020).


المصادر:

* يسري، السفير إبراهيم، النيل وسد النهضة رحلة عبر التاريخ والجغرافيا، ج3، 20 فبراير 2016، المعهد المصري للدراسات السياسية والاستراتيجية

* الجزيرة، اندبندنت: دماء في مجرى النيل .. هل يشعل سد النهضة حرباً بين مصر وإثيوبيا؟، 11/3/2020

* الحرة، بالتزامن مع تهديد السيسي.. ما سر اللقاء التركي الإثيوبي؟، 16/7/2020

عن الكاتب

عمر الدغيم

طالب جامعي، جامعة كارابوك في تركيا، علوم سياسية وادارة عامة.


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس