ترك برس

رغم بلوغه من العمر 80 عاما، يعد محمد كوشمان من الأشخاص النادرين القادرين على قراءة وكتابة اللغة الأورارتية في العالم، ويحرس منذ 58 عامًا قلعة تشاووش تبة الواقعة في "وان" جنوب شرقي تركيا، التي تعد من أروع أبنية مملكة أورارتو الباقية حتى اليوم. واليوم يترك كوشمان الحارس المخلص لدولة أورارتية منصبه.

تجاوزت مدة خدمة كوشمان في القلعة النصف قرن، لم يقم خلالها فقط بحماية القلعة التي تعد بمثابة موطنه الثاني، بل تعلم أيضا قراءة وكتابة الكتابة المسمارية الأورارتوية بإمكانياته الخاصة.

اجتهد كوشمان الذي لُقّب بـ"الحارس المخلص للأورارتيين" في تطوير نفسه والتعلّم من الأكاديميين الذين نقبوا في القلعة، وأتاح تعلمه للغة له الفرص للذهاب خمس مرات إلى أمريكا وألمانيا وبلجيكا وهولندا بأمر من وزارة الثقافة والسياحة.

وبسبب حبه للأورارتيين وإعجابه بحضارتهم، قدم كوشمان محاضرات في عدة ندوات شرح فيها الأبجدية الأورارتية للمشاركين، كما ساهم أيضا بالتعريف والترويج للمنطقة من خلال صنع وبيع المجوهرات التي قام بنقش الكتابة المسمارية على أحجارها، كما صنع لنفسه قلادة لا يخلعها من عنقه وقبعة أيضا، وقرر أخيرا ترك وظيفته التي عمل بها لمدة طويلة.

في حديث لوكالة الأناضول، تحدث كوشمان عن بداية عمله قائلا: "تغيرت حياتي منذ بدأت العمل في القلعة كعامل ضمن فريق التنقيب بقلعة تشاووش تبة، وكان ذلك بعد إنهائي لخدمتي العسكرية في عام 1962، والتقيت خلال عملي بالعديد من الأساتذة وعلماء الآثار بهدف تعلم اللغة الأورارتية، حتى أنني اضطررت للسفر إلى إيران وأرمينيا، لأن عدد الأشخاص العارفين هذه اللغة قليل جدا في العالم".

وأضاف قائلا: "بحثت بإمكانياتي الخاصة عن جميع البيانات المتعلقة بأبجدية هذه اللغة في بلدنا وخارجها، واستغرقت ثلاثة أعوام في جمعها، وبعد أن تحدثت عني الصحافة بالأخبار، أرسلت وزارة الثقافة والسياحة رسالة إلى رئيس بلدية "وان"، تدعوني من خلالها لحضور ندوة تم عقدها في أنقرة، لأقوم بعرض الحروف الأبجدية للحاضرين، الذين تفاجؤوا وأعجبوا بها كثيرا، بعد عودتي إلى وان بدأت بدراسة اللغة، واشتريت قطعة من كل نقش وجدته، ولم أستطع تعلم سوى 650 كلمة في 22 عاما. كان راتبي من وظيفة الحراسة قليلا بالنسبة لي كأب لأحد عشر طفلا، فخطرت على بالي فكرة لزيادة دخلي، بأن أكتب الأرقام والحروف الأبجدية وأبيعها، ففي البداية كنت أرسمها رسما ثم بدأت بنحتها. وأقوم بتعليم اولادي هذه اللغة وأرجو أن يتعلموها. لكنني مررت بأيام عصيبة بعد تفشي وباء كوفيد 19، لذلك قررت ترك وظيفتي".

كان كوشمان يتوجه إلى وظيفته في القلعة قبل شروق الشمس ويعود إلى منزله بعد غروب الشمس، ويقول: "أتقن أحد اولادي اللغة الأورارتية، ويعمل نائب مدير مؤسسة الضمان الاجتماعي. آمل أن يكون ولدي مجتهدا مثل الأورارتيون الذين أحبهم جدا، وتشهد لهم آثارهم التي تركوها من خلفهم بذلك، فهي رائعة جدا، ومن الصعب جدا بناء مثل تلك الهياكل حتى في ظروفنا الحالية. أنا أعشق الأورارتيين وأعشق أعمالهم أيضا، وقد عملت في قلعة تشاووش تبة لمدة 58 عاما، وتعلقت بها منذ يومي الأول، فتركت عملي في بستاني الخاص وتفرغت لها. لقد عشقت هذا المكان فواصلت عملي به حتى يومنا هذا، وعملت بها بعرق جبيني ورأسي مرفوع".

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!