ترك برس

أنتجت قناة TRT التركية فيلم "التاريخ الغامض" الوثائقي، لحل لغز قبر دوق البندقية إنريكو داندولو المدفون في جامع أياصوفيا، المعروف تاريخيا بسمعته السيئة وجشعه وطمعه، تم عرضه يوم 7 تشرين الثاني/ نوفمبر، كما استعرض الفيلم أسرارًا تاريخية لأياصوفيا الذي تحول إلى مسجد لأول مرة في عهد السلطان محمد الفاتح، ثم تحول إلى متحف لبضعة عقود في القرن العشرين ثم عاد مسجدًا في 24 تموز/ يوليو 2020.

ومنذ ذلك الحين، بدأ كشف أسرار جامع أياصوفيا الكبير واحدة تلو الأخرى، وكان أكثرها إثارة للفضول قبر دوق البندقية إنريكو داندولو، الذي قاد الحملة الصليبية الرابعة في عام 1204، باتجاه القسطنطينية لغزوها ونهبها بدلا عن القدس، بعد أن خدع الصليبيين، كما داهم البيزنطيين وفتك بهم بدلا من المسلمين.

كُشِفَت حقيقة قبره في الفيلم الوثائقي الذي أنتجته TRT مؤخرًا، وكانت الروايتان الرائجتان عنه نقلًا عن مصادر بيزنطية بأن جثته تم إلقاؤها في البحر للانتقام بعد استعادة المدينة بالغزو الصليبي بعد 57 عاما من الاحتلال اللاتيني، وذكرت رواية أخرى بأن الانكشاريين أخرجوا الجثة من المعبد بأمر من السلطان محمد الفاتح.

قام فريق الفيلم الوثائقي، بتصوير حلقة جديدة فتح من خلالها آفاقًا جديدةً لفهم قصة داندولو من خلال إجراء مسح في قبره. وقد مكّن نظام المسح من تصوير جثة داندولو، المدفونة في جدار أياصوفيا باتجاه القدس، ووضع الفريق حدا للمناقشات والروايات بمساعدة تقنيات حديثة، بعد أن أنشأ خريطة ثلاثية الأبعاد للجزء الداخلي من المقبرة بنظام الرنين المغناطيسي، ودحض هذا المسح المزاعم القائلة باستخراج الجثة.

موضوع رواية دان براون الشهيرة

أكد الدكتور حكمت كيريك، مقدم برنامج "التاريخ الغامض"، أن قبر إنريكو داندولو، كان موضوع بحث مهم للمؤرخين الغربيين، كما تم ذكره في كتاب "الجحيم" للكاتب الأمريكي الشهير دان براون، وقال: "على الرغم من أن داندولو، ليس شخصية تاريخية معروفة في بلادنا، إلا أن جثته أثارت العديد من التكهنات لأعوام عديدة، كما أن دان براون في كتابه (الجحيم) تساءل هل لا زالت عظامه موجودة في أياصوفيا؟ ما هو مصير جثة دوق البندقية الجشع؟ الذي عرف تاريخيا باسم "الدوق الخالد"، كانت جثته تمثل لغزا تاريخيا حقيقيا، لذلك كان لعملنا أهمية كبيرة أنهت هذه الأسطورة، ولا تعد الدراسة مهمة من ناحية الفيلم الوثائقي فقط بل أيضا من الناحية الأكاديمية، وأعتقد أن نتيجتها ستضع أسس للبحث العلمي في المستقبل".

أضاف كيريك: "تشير السجلات التاريخية إلى فتح القبر وإزالة العظام عند انتهاء الاحتلال اللاتيني في عام 1261، كما ذكر تاريخيا أنه فتح القبر في عام 1405 وفي عام 1850، إلا أنه لم يحتفظ بأي سجل يدل على وجود العظام أو عدمه، لم يذكر هل المقبرة فارغة أم ممتلئة، وظل هذا التساؤل موضع نقاش لأكثر من 750 عاما، الاعتقاد السائد بأن القبر فارغ، إلا أنه لم يتم إجراء أي دراسة علمية حوله حتى اليوم".

نبذة تاريخية عن الفترة التي عاشها إنريكو داندولو

سقطت القدس في يد الصليبيين الذين ارتكبوا فيها أبشع المجازر في عام 1099 وفقا لما سجل في كتب التاريخ، كانت السلطة الدينية في أوروبا تهيمن بأبشع الصور في تلك الفترة لمئات السنين، حيث كان البابا بحكم الرب. ولد إنريكو داندولو، في عام 1107 لعائلة دينية، لا تقبل بأي منصب دنيوي لأن سلطتها الدينية أعلى.

زار داندولو القسطنطينية مرتين بعد بلوغه الستين، وبالرغم من أنه كان كفيفا إلا أنه أحبها وأثرت فيه من حديث مرافقيه عن جمالها وعمرانها واحتضانها للإمبراطورية الرومانية العظيمة، كما سعى لتحقيق مكاسب اقتصادية للكنيسة لذلك تولى منصب دوقا للبندقية وهو في 85 من العمر، ليبدأ بتحقيق أهدافه بالسيطرة الدينية كإله مع السيطرة الاقتصادية.

بعد أن استعاد صلاح الدين الأيوبي القدس في معركة حطين عام 1187، قامت الحملة الصليبية الثالثة لاستعادتها ما بين 1189 و1192، هزمت الحملة ووقعت صلح الرملة قبل عودتها، ثم بدأ جميع ملوك أوروبا بالتجهيز للحملة الصليبية الرابعة، وأرسل إلى دوق البندقية داندولو، للمشاركة بعدد من السفن لنقل الجيوش، وقرر المشاركة لتحقيق حلمه بجمع الدين والاقتصاد.

وضع داندولو شروطا قاسية على القادة الأوروبيين ومنحهم مهلة محددة لجمع المال مقابل سفنه، ليشارك بقيادة الحملة بعد فشل القادة بجمع المال، انطلقت الحملة الصليبية الرابعة في عام 1204، لذلك وصف باللص العجوز الكفيف الذي خدع أوروبا بأكملها، فقد قام بتغيير خط سير الحملة التي كانت ستتجه إلى القدس أو مصر، في البداية طلب من القادة توجيهها إلى ميناء زارا للاستراحة فيها، إلا إنه سيطر عليها لأنها المنافس القوي للبندقية، ليسيطر بذلك على خطوط التجارة البحرية.  

استغل داندولو انقلاب أمير القسطنطينية ألكسيوس الرابع على عمه الإمبراطور ألكسيوس الثالث، وهروبه مستنجدا بالبابا، ليوجه الحملة إلى القسطنطينية بعد زارا، وافقه القادة على ذلك، وحقق حلمه بدخولها وفتك بالمسيحيين الأرثوذكسيين وقضى على الكنيسة الشرقية وطرد البيزنطيين والأرثوذكس منها، لتتحول من ممثلة الأرثوذكس في العالم إلى مجرد كنيسة نتبع الكنيسة الأوروبية في روما، ثم نقل كنوزها بالسفن سفينة تلو الأخرى إلى البندقية ولا تزال فيها إلى يومنا هذا.  

قرر قادة الحملة إنشاء إمبراطورية لاتينية في القسطنطينية وتعيين داندولو، كأول إمبراطور لاتيني فيها، الذي كان عمره آنذاك 92 عاما، إلا إنه رفض كي لا يقلل من شأنه الديني كإله، وعين شخصًا آخر، يعد الدوق مهندس الاحتلال اللاتيني للقسطنطينية الذي قتل ونهب لمدة 57 عاما، كما درجت مقولة "نريد أن نرى عمامة تركية بدلا من رؤية قبعة لاتينية في القسطنطينية".

توفي داندولو، بعد عام من الاحتلال في 1205، وتم دفنه بنحت قبره في الرواق العلوي لأياصوفيا بين الطابقين.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!