الأناضول 

طالب عدد من أهالي ولاية أرضروم، شمال شرق تركيا، الذين لم ينسوا المجازر التي ارتكبت بحق أقاربهم قبل قرن على أيدي العصابات الأرمنية، البرلمان الأوروبي، وبابا الفاتيكان، بزيارة المناطق التي شهدت تلك المجازر، ومعاينة الحقائق على أرض الواقع. 

فما زال أقارب الأتراك الذي قُتلوا تحت التعذيب على أيدي العصابات الأرمنية بين عامي 1906 و 1922، في أرضروم، غير قادرين على نسيان تلك الذكريات الأليمة، بعد كل هذه السنين. 

الأناضول زارت تلك العائلات، المكلومة، والتقت أحفاد وأقارب شهداء تلك المجازر، منهم "عائشة جليك"، إحدى سكان حي "تبه كوي" في أرضروم، التي قالت لمراسلنا: إن الأرمن قتلوا النساء والرجال من أهالي قريتهم، وأن كل شبر في القرية يضم آثارًا للمجازر التي ارتكتب فيها، مضيفةً أن والدة زوجها تعرضت إلى ظلم الأرمن، وكانت صغيرةً عندما قام الأرمن آنذاك بجمع كافة النساء، ووضعهن في حظيرة، ثم أشعلوا النيران في الحظيرة بمن فيها، وأضافت "أن عمة حماتها أقدمت على رمي الحماة خارج الحظيرة بهدف إنقاذها، ما تسبب في فقدانها إحدى عينيها، وتعرضها لجروح في بطنها وفخذيها، وتم إخراج رصاصة من جسدها، فكانت الوحيدة التي نجت من بين نساء القرية، بعد قيامهم بإحراق كبار السن والصغار". 

وذكرت جليك أن غالبية الرجال كانوا في جبهات القتال، لحظة تنفيذ المجزرة. 

واكملت جليك روايتها لمراسلنا قائلة : " ذهب أجدادي إلى جبهات القتال، فقامت عصابات الأرمن بجمع الأطفال، وكذبوا عليهم قائلين: سنعطيكم درساً،فأخذوهم وقتلوهم جميعاً"، مضيفة " لم استطع أن أمسح من ذاكرتي ما سمعته عن والدة زوجي، الناجية الوحيدة، فنحن نعيش حتى الآن ذكرى تلك المآسي، حيث أننا قدمنا الكثير من الشهداء جراء المجازر التي ارتكبها الأرمن، في كافة القرى". 

من جانبه، نفى نجم الدين قره جاويش ( 78 عاماً)، أحد سكان القرية، أن يكون أجداده قد ارتكبوا مجزرة، مضيفاً " كان أجدادنا أًناس يتميزون بأخلاقهم كمسلمين، فالأرمن هم من ارتكب المجازر، وهذه الجبال تشهد على ذلك". 

وذكر قره جاويش أن الأرمن أحرقوا جميع سكان القرى المحيطة، الذين جلبوهم بحجة توزيع مساعدات لهم، متابعاً أن "الأرمن هم من قتلوا جدي، إذ كان والدي في جبهة القتال، فالأرمن يعملون دائماً على خداع العالم، ولم نرتكب أي مجزرة، كما أن الحفريات التي أجريت في قريتنا، تثبت ذلك". 

أمّا، عمر آقيوز (65 عاماً)، فأكد أن الأرمن الذي بقوا في المنطقة بعد انسحاب روسيا، هم من أحرق أجدادهم، قائلاً " قاموا بطعنهم بالحراب، وحرقهم، فهذا المكان الذي جمعوا فيه الأطفال الذكور وأحرقوهم فيه كان يستخدم كحظيرة، إذ قتلوا هنا أكثر من مئة شخص، فقد تم إخراج 80 جمجمة من هنا، كما أن جميع قرى المنطقة شهدت مجازر مماثلة، حيث أنهم أحرقوا المسنين والأطفال والنساء، كون الرجال والشبان كانوا في جبهات القتال". 

بدوره، ذكر محمد قراش (88 عاماً)، أن الأرمن قتلوا 450 شخصاً من أبناء القرى في منطقتهم، لافتاً أنهم قاموا بجمع النساء والأطفال بمكان وكبار السن بمكان آخر، وفتحوا النيران عليهم ومن ثم أحرقوهم، كونهم كانوا عزّلاً بلا سلاح، مشدداً على أن الأرمن يعملون على خداع العالم، وكيل الأكاذيب. 

وأردف قائلأً " لم يقم المسلمون بقتل الأرمن أبداً، فأجدادنا هم الضحية، فالأرمن قتلوا هنا 450 شخصاً ولم يكتفوا بذلك حيث قاموا بإحراقهم، وسرقوا مقتنياتهم الثمينة". 

من جهتها روت فاطمة قراش (85 عاماً)، شهادتها كما سمعتها من أقاربها حول المجزرة قائلة " إن الأرمن جاءوا إلى القرية وعاشوا فيها كأخوة، وكان الروس يقولون قبل انسحابهم من المنطقة "إن الأرمن المسلحين سيقتلونكم"، ولكن أهلنا قالوا "نحن أخوة، ولن يقوموا بذلك"، لكن مع كل أسف، وبعد انسحاب الروس، قام الأرمن بقتل النساء وكبار السن في المنطقة، ما اضطر سكان بعض القرى الأخرى إلى الهروب إلى ولايات أخرى". 

من جهته، أوضح عزالدين ألطاش، (72 عاماً)، أن الأرمن جمعوا الذكور والإناث بشكل متفرق، وطعنوهم بالحراب، وأحرقوهم، مؤكداً أن الحفريات التي أجريت في قراهم، تثبت المجازر التي ارتبكها الأرمن آنذاك، مضيفاً أنه " تم استخراج 278 جمجمة". 

وتابع ألطاش أن الأرمن " جمعوا النساء في إحدى حظائر قريتهم، وقاموا بقتلهم بواسطة الحراب، فيما أحرقوا الذكور وهم أحياء، أمّا النساء الحوامل فعلقوهن من أرجلهن، ودخل الأرمن القتلة في رهان بينهم فيمن سيعرف جنس الجنين، ومن بعدها قاموا ببقر بطون النساء وهن أحياء ليعرفوا الجواب، وتحديد جنس الجنين"؟ 

وشدد ألطاش أن مزاعم الأرمن حول الإبادة مجرد افتراءات، لأن ارتكاب المجازر لا يليق بالدين الإسلامي وبالشعب التركي، مؤكداً عدم وجود أي قبر لشخص أرمني في المنطقة، فجميع الحفريات أثبتت أن البقايا هي لمسلمين أتراك". 

وكان بابا الفاتيكان "فرانسيس"، وصف أحداث 1915 بأنها كانت "أول تطهير عرقي في القرن العشرين وقعت على الأرمن"، خلال ترأسه في 13 نيسان/ أبريل الجاري، قداسًا خاصًا في كاتدرائية القديس بطرس، بمشاركة الرئيس الأرميني "سيرج ساركسيان"، إحياءً لما يسمى بـ "ذكرى ضحايا الأرمن" الذين فقدوا حياتهم عام 1915. 

ومن جهته، أصدر البرلمان الأوروبي، قرارًا اعترف بموجبه بالرواية الأرمينية بشأن أحداث عام 1915، وذلك بالتزامن مع الذكرى المئوية الأولى لتلك الأحداث. 

ما الذي حدث في 1915؟ 

تعاون القوميون الأرمن، مع القوات الروسية بغية إنشاء دولة أرمنية مستقلة في منطقة الأناضول، وحاربوا ضد الدولة العثمانية إبان الحرب العالمية الأولى التي انطلقت عام 1914. 

وعندما احتل الجيش الروسي، شرقي الأناضول، لقي دعمًا كبيرًا من المتطوعين الأرمن العثمانيين والروس، كما انشق بعض الأرمن الذين كانوا يخدمون في صفوف القوات العثمانية، وانضموا إلى الجيش الروسي. 

وبينما كانت الوحدات العسكرية الأرمنية، تعطل طرق امدادات الجيش العثماني اللوجستية، وتعيق تقدمه، عمدت العصابات الأرمنية إلى ارتكاب مجازر ضد المدنيين في المناطق التي احتلوها، ومارست شتى أنواع الظلم بحق الأهالي. 

وسعيا منها لوضع حد لتلك التطورات، حاولت الحكومة العثمانية، إقناع ممثلي الأرمن وقادة الرأي لديهم، إلا أنها لم تنجح في ذلك، ومع استمرار هجمات المتطرفين الأرمن، قررت الحكومة في 24 نيسان/ أبريل من عام 1915، إغلاق ما يعرف باللجان الثورية الأرمنية، واعتقال ونفي بعض الشخصيات الأرمنية البارزة. واتخذ الأرمن من ذلك التاريخ ذكرى لإحياء "الإبادة الأرمنية" المزعومة، في كل عام. 

وفي ظل تواصل الاعتداءات الأرمنية رغم التدابير المتخذة، قررت السلطات العثمانية، في 27 مايو/ آيار، من عام 1915، تهجير الأرمن القاطنين في مناطق الحرب، والمتواطئين مع جيش الاحتلال الروسي، ونقلهم إلى مناطق أخرى داخل أراضي الدولة العثمانية. 

ومع أن الحكومة العثمانية، خططت لتوفير الاحتياجات الانسانية للمهجّرين، إلا أن عددًا كبيرًا من الأرمن فقد حياته خلال رحلة التهجير بسبب ظروف الحرب، والقتال الداخلي، والمجموعات المحلية الساعية للانتقام، وقطاع الطرق، والجوع، والأوبئة. 

وتؤكد الوثائق التاريخية، عدم  تعمد الحكومة وقوع تلك الأحداث المأساوية، بل على العكس، لجأت إلى معاقبة المتورطين في انتهاكات ضد الأرمن أثناء تهجيرهم، وجرى إعدام المدانين بالضلوع في تلك المأساة الإنسانية، رغم عدم وضع الحرب أوزارها. 

وعقب انسحاب روسيا من الحرب جراء الثورة البلشفية عام 1917 تركت المنطقة للعصابات الأرمنية، التي حصلت على الأسلحة والعتاد الذي خلفه الجيش الروسي وراءه، واستخدمتها في احتلال العديد من التجمعات السكنية العثمانية. 

وبموجب معاهدة سيفر التي اضطرت الدولة العثمانية على توقيعها، تم فرض تأسيس دولة أرمنية شرقي الأناضول، إلا أن المعاهدة لم تدخل حيز التنفيذ، ما دفع الوحدات الأرمنية إلى إعادة احتلال شرقي الأناضول، وفي كانون الأول/ديسمبر 1920 جرى دحر تلك الوحدات، ورسم الحدود الحالية بين تركيا وأرمينيا لاحقًا، بموجب معاهدة غومرو، إلا أنه تعذر تطبيق المعاهدة بسبب كون أرمينيا جزءًا من روسيا في تلك الفترة، ومن ثم جرى قبول المواد الواردة في المعاهدة عبر معاهدة موسكو الموقعة 1921، واتفاقية  قارص الموقعة مع أذربيجان وأرمينيا، وجورجيا، لكن أرمينيا أعلنت عدم اعترافها باتفاقية قارص، عقب استقلالها عن الاتحاد السوفييتي، عام 1991. 

الحاجة إلى ذاكرة عادلة والتفهم المتبادل 

وتطالب أرمينيا واللوبيات الأرمنية في أنحاء العالم بشكل عام، تركيا بالاعتراف بأن ما جرى خلال عملية التهجير على أنه "إبادة جماعية"، وبالتالي دفع تعويضات. 

وبحسب اتفاقية 1948، التي اعتمدتها الجمعية العامة للأمم المتحدة بخصوص منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها، فإن مصطلح الإبادة الجماعية، يعني التدمير الكلي أو الجزئي لجماعة قومية أو إثنية أو عنصرية أو دينية. 

وتؤكد تركيا عدم إمكانية اطلاق صفة الإبادة العرقية على أحداث 1915، بل تصفها بـ"المأساة" لكلا الطرفين، وتدعو إلى تناول الملف بعيدًا عن الصراعات السياسية، وحل القضية عبر منظور "الذاكرة العادلة" الذي يعني باختصار التخلي عن النظرة أحادية الجانب إلى التاريخ، وتفهم كل طرف ما عاشه الطرف الآخر، والاحترام المتبادل لذاكرة الماضي لدى كل طرف. 

كما تقترح تركيا القيام بأبحاث حول أحداث 1915 في أرشيفات الدول الأخرى، إضافة إلى الأرشيفات التركية والأرمنية، وإنشاء لجنة تاريخية مشتركة تضم مؤرخين أتراك وأرمن، وخبراء دوليين.   

يريفان لم تنتهز فرصة تطبيع العلاقات 

شهد عام 2009 أهم تطور من أجل تطبيع العلاقات بين البلدين، حيث وقع الجانبان بروتوكولين من أجل إعادة تأسيس العلاقات الدبلوماسية، وتطوير العلاقات الثنائية، في تشرين الأول/أكتوبر، بمدينة زيورخ السويسرية. 

ويقضي البروتوكولان، بإجراء دراسة علمية محايدة للمراجع التاريخية والأرشيفات، من أجل بناء الثقة المتبادلة وحل المشاكل الراهنة، فضلًا عن الاعتراف المتبادل بحدود البلدين، وفتح الحدود المشتركة. 

كما نصّ البروتوكولان على التعاون في مجالات السياحة والتجارة، والاقتصاد، والمواصلات، والاتصالات، والطاقة والبيئة، والإقدام على خطوات من أجل تطبيع العلاقات انطلاقًا من المشاورات السياسية رفيعة المستوى وصولًا إلى برامج التبادل الطلابي. 

وأرسلت الحكومة التركية، البروتوكلين إلى البرلمان مباشرة من أجل المصادقة عليهما، فيما أرسلت الحكومة الأرمنية، نصيهما إلى المحكمة الدستورية من أجل دراستهما، وحكمت المحكمة أن البروتوكلين لا يتماشيان مع نص الدستور وروحه. 

وبررت المحكمة قرارها بإعلان الاستقلال الذي ينص على "مواصلة الجهود من أجل القبول بالإبادة الجماعية في الساحة الدولية"، والذي يعتبر شرقي تركيا جزءًا من الوطن الأرمني، تحت مسمى "أرمينيا الغربية". 

وأعلنت أرمينيا تجميد عملية المصادقة على البروتوكلين، في كانون الثاني/يناير عام 2010، وبعد 5 أعوام سحبتهما من أجندة البرلمان، في شباط/ فبراير المنصرم. 

وكان رئيس الوزراء التركي أحمد داود أوغلو، زار أرمينيا عام في كانون الأول/ديسمبر 2013 بصفته وزيرًا للخارجية في تلك الفترة، وأكد في تصريح صحفي، عقب الزيارة، ضرورة حل القضية عبر تبني موقف عادل وإنساني، بعيدًا عن المقاربات أحادية الجانب، والتقييمات الظرفية، منوهًا أنه لا يمكن صياغة التاريخ إلا عبر ذاكرة عادلة. 

بدوره أعرب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، عن تعازيه لكافة مواطني الدولة العثمانية الذي فقدوا حياتهم إبان الحرب العالمية الأولى، وعلى رأسهم الأرمن، ووجه دعوة من أجل السلام والتصالح، في رسالة بتاريخ 23 نيسان/ابريل 2014، عندما كان رئيسًا للوزراء - Erzurum.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!