محمد زاهد جول - أخبار تركيا

قد يظن البعض أن حزب لعدالة والتنمية قد تربع على عرش تركيا في كل الانتخابات التركية البلدية والبرلمانية خلال الثلاثة عشر سنة الماضية، وأخيراً الرئاسية بإيصال مؤسس الحزب السيد رجب طيب أردوغان إلى منصب رئاسة الجمهورية التركية في اول انتخابات مباشرة لانتخاب رئيس الجمهورية التركية منذ تأسيسها في العاشر من آب عام 2014، وبذلك فقد حقق الفوز في كل الانتخابات التي خاضها، فما الذي يريد حزب العدالة والتنمية تحقيقه في الانتخابات البرلمانية القادمة في السابع من حزيران 2015، أي بعد شهر وبضعة أيام منذ الآن؟

من المؤكد أن الفوز بالانتخابات وحده ليس مطلوبا وإنما تحقيق أهداف هذا الفوز، وحزب العدالة لا يخفي هذه الأهداف، ومن أهمها وضع دستور جديد، وتعديل النظام السياسي إلى نظام رئاسي، بحيث يتمكن الحزب وحكوماته ورئاسة الجمهورية من بناء تركيا الجديدة، تركيا التي تنافس الدول الكبرى العالمية على الساحة الدولية في الاقتصاد العالمي وغيره، مثل المشاركة في إدارة شؤون العالم، وعدم الاكتفاء ببقاء تركيا دولة متقدمة وقادرة على حل مشاكلها الداخلية فقط، أي أن حزب العدالة والتنمية يسعى إلى جعل الدولة التركية دولة مؤثرة على الساحة الدولية، وذلك لا يتم إلا بجعل تركيا دولة على قدم المساواة مع الدول الكبرى، ولذلك كان الهدف حتى عام 2023 أن تكون تركيا من الدول العشر الأولى في لعالم.

بهذه الأهداف يخوض حزب العدلة والتنمية الانتخابات البرلمانية القادمة وعينه على أغلبية كبيرة أو مطلقة في البرلمان، فهو يحتاج إلى نحو أربعمائة 380 نائب لكي يستطيع وحده تغير النظام الرئاسي والدستور التركي، وإلا فقد يجد صعوبات كبيرة على تحقيق هذه الأهداف، فعدم فوزه بالأغلبية المطلقة سوف يجعله يحتاج إلى تأييد أحزاب تركية أخرى لتغيير النظام الرئاسي وغيره من القوانين التي ترتبط بالمصالحة الداخلية بين كافة القوميات والاثنيات التركية وفي مقدمتها أبناء القومية الكردية، الذين من المفترض ان يدعموا فوز حزب العدالة والتنمية في الانتخابات، لأن فوزه في هذه الانتخابات بالنسبة التي يسعى لها سوف يمكن حزب العدالة والتنمية من السير في المصالحة الوطنية بدرجة كبيرة، ودون صعوبات من الأحزاب السياسية التركية التي تعارض هذه التغيرات التي يسعى لها حزب العدالة والتنمية.

ومن خلال هذه الرؤية فإن حزب العدالة والتنمية لا ينظر إلى الأحزاب التركية التي سوف تخوض هذه الانتخابات بعين العداء أو الكراهية او التمني لها بعدم الفوز، بل يتمنى لو ان هذه الأحزاب تحمل نفس أهداف حزب العدالة والتنمية في تقدم تركيا ودخولها نادي الدول العشر الأولى في العالم، فهذا مما يرحب به حزب العدالة والتنمية من كل الأحزاب التركية، ولكن الخوف يذهب الآن إلى ان رغبة بعض الأحزاب التركية للفوز بهذه الانتخابات لتقف حجر عثرة أمام تقدم تركيا بحجة منافستها لحزب العدالة والتنمية، أو كراهيتها لمؤسس الحزب ورئيس الجمهورية أردوغان، فهذه الرؤية غير الايجابية لتلك الأحزاب معلنة عند بعض قادة هذه الأحزاب مثل كمال كليشدار اغلو رئيس حزب الشعب الجمهوري، الذي يسعى للبقاء حزبا معارضاً فقط، بينما المطلوب أن يكون حزبا معارضا ايجابياً من أجل تركيا وتقدم تركيا وتقدم مسار المصالحة الوطنية.

وكذلك الحال ينطبق على حزب الحركة القومية الذي يتزعمه دولت باهشلي، فهو حزب يسعى للفوز من أجل البقاء في البرلمان، أي أن اهدافه ان لا يخرج من البرلمان فقط، بل إن بعض زعمائه تهدد إن خروجهم من البرلمان سوف يجعلوهم يثورون في الشوارع، وكأنهم سينتقمون من الشارع الذي أخرجهم من البرلمان، أو انهم يهددون الشارع التركي ان لا يخرجهم من البرلمان والا فإنهم سيحاربونه، وهذا يعني ان معركتهم الانتخابية هي معركة وجود وليست معركة أهداف ولا برامج سياسية عامة، ولا منافسة الحزب الحاكم على قيادة تركيا بصورة أفضل.

وأخيرا فإن المرشح الثالث الذي يزاحم حزب لعدالة والتنمية على كسب مقاعد في البرلمان التركي فهو حزب ديمقراطية الشعوب الذي يتزعمه صلاح الدين ديمرتاش، وهو الحزب الذي يصفه البعض بانه حزب القومية الكردية لأن اغلب عناصره من الكرد، فهو الآخر لا يضع أهدافاً سياسية في مشروعه الانتخابي إلا التهديد بانه إن لم يدخل البرلمان فإنه لن يسير في المصالحة الوطنية سياسيا، وإنما من خلال الصراع خارج البرلمان، وكأنه يهدد الشعب التركي بأن ينتخبه إذا أراد السير بالمصالحة الوطنية من خلال الحوار.

وهذا منطق غريب أن يعلق حزب سياسي مشاركته السياسية والوطنية في إيجاد حل سياسي في البلاد على فوزه في البرلمان، لأن فوزه في البرلمان رهن مشروعه السياسي ومشروع المصالحة التي يؤمن بها، وليس من خلال مقايضة الأحزاب السياسية الأخرى، أو أن يهدد بها الشارع الذي قد لا ينتخبه، وبذلك فإن أحزاب المعارضة التركية تفشل في خطابها قبل خوض الانتخابات، فهي لا تخاطب الناخب التركي من خلال عقله وطموحاته ومستقبله، وإنما من خلال مكاسبها الخاصة في الوصول إلى البرلمان التركي فقط.

فإذا أمكن تفهم مواقف حزب الشعب الجمهوري وحزب الحركة القومية بالنظر إلى أن مواقفهم لم تتغير منذ عقود، فإن التحليلات ينبغي ان تذهب لمعرفة أسباب مواقف حزب ديمقراطية الشعوب، التي ينبغي ان تتقارب مع حزب لعدالة والتنمية، لأن حزب العدالة والتنمية يتبنى المصالحة الوطنية ويعمل لها بجدية، فلماذا لا يسعى صلاح الدين ديمرتاش للتعاون مع داود أغلو في تنسيق المواقف السياسية والبرامج الانتخابية بينهما، بحيث يتمكن حزب ديمقراطية الشعوب من اجتياز الحاجز الانتخابي 10%، ويصبح حزباً سياسياً معارضاً في البرامج الاجتماعية والاقتصادية والسياسة الداخلية والخارجية، ويستقطب أصحاب الرؤى الجديدة، فيصبح هو الحزب الثاني في تركيا على الأقل.

قد لا يكون هناك سبب مقنع حتى الآن إلا أن ديمرتاش يسعى إلى زعامة كردية تفوق زعامة عبدالله أوجلان بين الأوسط الشعبية والسياسية والعسكرية الكردية، ويرى أن دخوله البرلمان من خلال الانتخابات القادمة سوف يسهل عليه تحقيق أهدافه الشخصية، والتي على أساسها يريد التفاوض على مستقبل المصالحة الداخلية، بوصفه زعيم حزب سياسي معارض ولديه كتلة برلمانية تفاوض على القوانين والتعديلات الدستورية مقابل مكاسب قومية، فإذا وجد لهذا السبب حظ من النجاح فإن ذلك مؤشر على ان فوز حزب ديمقراطية الشعوب سيكون الاختبار الأقوى أمام حزب العدالة والتنمية في الانتخابات البرلمانية القادمة.

عن الكاتب

محمد زاهد جول

كاتب وباحث تركي مهتم بالسياسة التركية والعربية والحركات الإسلامية


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس