إبراهيم قاراغول – صحيفة يني شفق – ترجمة وتحرير ترك برس

اقترحت اقتراحاً في مقالي الذي كتبته يوم الجمعة والذي عنونته " دعوة إلى السلام قبل أن تقصف الدبابات الكعبة". في الواقع لم يكن اقتراحاً بقدر ما كان دعوة. وكان تحذيراً من الوضع المزري الذي سنتصل إليه بعد سنة أو سنتين. وكان محاولة للفت الانتباه إلى الخطوات المتوجب أن نتبعها.

لقد وجهت تلك الدعوة إلى رئيس جمهوريتنا رجب طيب أردوغان. وأعتقد أن مثل هذا الأمر لا يمكن له أن يتم إلا بحماة ورعاية اسطنبول التي تعتبر مركزاً عالمياً.

على أردوغان أن يكون مبادراً

لأن الفكر السياسي الذي يحمله, ووجهة نظره إلى المنطقة والعالم, ومواقفه المحلية تعطيك انطباعاً بأن العنوان الصحيح سيكون هنا. ويُظهر الموقف التركي الحالي والمستقبل الذي تسعى إليه تركيا والقوة السياسية التي تتمتع بها أنها بلد يستطيع تحقيق ذلك.

عندما ينظر الإنسان إلى دول المنطقة وحكوماتها وقاداتها بشكل عام فإنه يصاب بالتشاؤم. ذلك أننا نعلم أنهم لن يقوموا بأي عمل مؤثر ولن يستطيعوا حتى إدارة شؤونهم الخاصة أو الحديث عن غير الأدوار المنوطة بهم وأنهم لا نية لهم أن يكونوا طرفاً فاعلاً في المشاريع الكبيرة.

يبدو أن تركيا قد وجدت الحل المناسب لوضع المنطقة , لذلك عليها أن تتخذ التدابير التي تمنع سقوط المنطقة كلها. وقد توضح الموقف السياسي لهذا الحل إضافة إلى حشد الدعم له. وبعد هذه المرحلة أصبح من الواجب إنشاء مؤسسات دائمة, وتحويل هذه المؤسسات إلى مؤسسات دولية بالتدرج.

لن نركع ونتوسل

المنطقة المشتعلة باستمرار من العالم هي منطقتنا. حيث يتم تجربة كل سيناريوهات الصراع في هذه المنطقة, ويتم تطبيق كل الاستراتيجيات العسكرية والأمنية هنا, وكل الصراعات على الطاقة تجري هنا, ويرتبط النفوذ العالمي للدول بمدى نفوذها في هذه المنطقة.

لا نستطيع أبداً أن ننتظر حلاً من الذين كانوا سبباً لمشاكل هذه المنطقة أو أن ننتظر منهم مساعدة في إحلال السلام. وفي حال حدوثه لن يكون ذلك علامة على التدبير السليم. لأنهم هم الذين تسببوا بالمشاكل. وهم الذي قسموا هذه المنطقة. وهم الذين جعلوا شعوب المنطقة تحارب بعضها بعضاً. تأملوا في السنوات العشر الأخير فقط, تأملوا كيف استولت المصائب على دول المنطقة دولة بعد أخرى. وسيكون لهذه الخطوات خطوات أخرى تعقبها. ولن تنجوا أي دولة في المنطقة من هذه المصائب وتركيا ضمن تلك الدول.

في حين نحاول نحن التخلص من آثار السنوات المئة الماضية والانطلاق نحو المستقبل, تحاول مراكز صنع المشكلات أن تعيدنا مرة أخرى إلى الوضع الذي كنا عليه في بداية القرن العشرين, وتضع باستمرار السيناريوهات التي تضمن ذلك. وأصبح من الواجب أن نتنبه إلى هذه الحقيقة. وقد تنبهت تركيا إلى ذلك. ولهذا تحاول أن تدير هذا الصراع الكبير بالشكل المناسب. ولهذا السبب نرى المشاريع الهدّامة, وسيناريوهات الحروب الأهلية ومحاولات الانقلاب بشكل مستمر في تركيا. وهذا هو السبب الوحيد للخيانات الداخلية التي نراها.

فهم يعلمون أنهم إذا تحكموا في تركيا سيتحكمون بالمنطقة كاملة. وإذا تقدمت تركيا فهذا يعني تقدم المنطقة ككل. وإذا أصبحت تركيا أكثر قوة فإن القوى التي تعمل  على خلق المشاكل في المنطقة ستفقد قدرتها على الفعل. ولذلك فإن الحرب التي تعيشها تركيا ليست حربها الخاصة فقط. حيث تشكل الأمل لمجتمعات كادت أن تفنى في الحرب العالمية الأولى.

إذا كنا اليوم نستطيع الوصول إلى أعماق أفريقيا وإلى المناطق النائية من آسيا وإنشاء حوار من القلب مع سكان تلك المناطق. وإذا كنا نرى الأعلام التركية ترتفع في قرغيزستان والبوسنة والصومال عندما تقع تركيا في ضائقة فهذا لأن روح جناق قلعة لا تزال مستمر إلى اليوم. وإذا كنا نستطيع توحيد الجهود السياسية من ساحل المحيط الأطلسي إلى ساحل محيط الباسيفيك فإن هذا يشكل قوة كبيرة.

تقترب منا أخطار كبيرة جداً

 لذلك يجب أن لا يبقى هذا الاتفاق السياسي ضمن الخطابات فقط. يجب أن ينتقل إلى مرحلة تالية. ولهذا فإنه يجب إنشاء مؤسسات محلية تتصف بالقوة والاستمرارية. ويجب على تركيا التي تعبر عن الرأي السياسي المشترك أن تكون الرائدة في هذه الخطوة. ويجب على رئيس الجمهورية الذي لا يتورع عن الحديث عن مثل هذه المؤسسات في كل مناسبة أن يضع القوانين اللازمة لهذه المؤسسات.

نحتاج اليوم بشكل عاجل إلى إنتاج مشاريع تساعد على حل المشاكل وإحلال السلام. ولهذا فإن الأولوية لإنشاء مؤسسات تضمن هذين  الهدفين ويمكن بعد ذلك إنشاء مؤسسات تهتم بالاقتصاد والسياسة والتكنلوجيا والثقافة المشتركة. لأن هناك خطر كبير يقترب. لا تنتقصوا من هذا الخطر, ويجب أن نفكر في السنوات القليلة القادمة لكي لا نصبح كتلك الدول التي تساقطت تباعاً أمام الغزو المغولي.

قبل أن تقصف جيوشنا الكعبة!

لقد تحققت بعض الأمور التي كنا في وقت ما نظنها خيالاً أو فنتازيا. ولكن تأكدوا أن الوضع إذا ما بقي على ما هو عليه فإن الذي سيقصف الكعبة ليس الجيوش الأجنبية وإنما جيوش المنطقة. حيث سيحاصر الجنود الكعبة وستقصف الطائرات المنطقة. وستزين الدبابات التي ستقصف الكعبة بالآيات تحت تأثير الحرب المذهبية. وسنتضطر إلى الانحياز إلى أحد الأطراف في تلك الحرب ولا شك أن دولنا ستجد الحجج السياسية المنطقية لموقفها الذي ستتخذه من هذه الحرب.

لذلك على رئيس الجمهورية الذي يتخطى تأثيره الحدود ويحظى باحترام الكثير من الأطراف أن يستعمل هذا التأثير. ويمكن له أن يجعل من اسطنبول مركزاً للسلام بعد أخذ الدعم من بعض مراكز القوة في المنطقة.

يجب أن يتم إنشاء مجلس للمفكرين وأن يكون مركزه في دولمة باهجة

يجب أن يتم إنشاء مجلس للمفكرين يتكون من رواد السياسة والعلم والمفكرين المتنورين والذين يتمتعون بالاحترام في المنطقة, ويجب أن لا تقتصر اجتماعات هذه الهيئة على الاجتماعات الموسمية بل يجب أن تكون بشكل يومي ومستمر, ويجب عليها أن تعمل على إيجاد الحلول لكل مشاكل المنطقة.

ويجب أن يكون مركز هذه المؤسسات في دولمة باهجة في اسطنبول, ويجب أن توفر لها ميزانيات تتمتع بالاستقلالية. ويجب أن يتم إيجاد مصادر لهذا التمويل. ويجب أن يكون كل من هذه المراكز مؤسسة متعددة الجنسيات, وأن تتحول إلى مراكز دولية مع الزمن. ويجب أن تجهز اسطنبول لاحتضان مثل هذه المؤسسات.

هو الوحيد الذي يستطيع النجاح

هذه المؤسسات التي تحدثنا عنها يجب أن يكون لديها السلطة التي تخولها التدخل في الصراعات بين دول المنطقة وبين طبقات المجتمع في الدولة الواحدة. ويجب أن يتم التحرك من النقاط المشتركة بين شعوب المنطقة لتخطي مرحلة الحروب ويجب أن تحضر شعوب المنطقة لمثل هذا التحرك. وإذا لزم الأمر يجب إبعاد بعض التنظيمات والضغط عليها, وتوعية الشعوب لما تشكله من أخطار.

وهناك شخص وحيد يمكن له النجاح والريادة في هذا الموضوع وهو رئيس الجمهورية رجب طيب أردوغان. وهذا هو النداء الذي يوجهه إليه مواطن مثلي يعيش في تركيا ويعرف هويتها الثقافية وتاريخها ويقلق مما يمكن للمنطقة أن تواجهه في قادم السنوات. 

عن الكاتب

إبراهيم قاراغول

كاتب تركي - رئيس تحرير صحيفة يني شفق


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس