علي حسين باكير - السورية نت

يشكّل منتصف هذا العام، أي شهر يونيو/حزيران القادم محطّة هامة في مسار الملف السوري ذلك لأنّ هذا الشهر سيشهد خمسة استحقاقات على الأقل ستحدد إلى حد بعيد المسار الذي ستسلكه الثورة وسوريا خلال المرحلة المقبلة نظراً لارتباطها المباشر أو غير  المباشر به.  أمّا هذه الاستحقاقات، فهي:

أولاً: الاتفاق النووي الأمريكي – الإيراني

في نهاية شهر حزيران، سيكون على الجانبين الأمريكي والإيراني قول كلمتهما الفصل بشأن الاتفاق الذي تم تحديد خطوطه العريضة في 2 أبريل الماضي، فإما التوقيع على اتفاق شامل وإما انهيار الاتفاق (إذا استبعدنا فكرة التمديد مجدداً). وهذا يعني أن شهر حزيران سيحدد مصير الاتفاق النووي ومعه مصير التقارب أو ما يمكن تسميته بتحالف الأمر الواقع بين الطرفين. لكن ما علاقة هذا أيضاً بالملف السوري؟

إذا تم التوقيع نهاية شهر يونيو، فإن ادارة أوباما تعتقد أن الاتفاق سيغيّر من سلوك النظام الإيراني، أو سيفتح على الأقل، قنوات تتيح التواصل بين الطرفين بشكل بنّاء مما يساعد على حلحلة بعض المسائل الإقليمية. ولا شكّ أن الجانب الأمريكي يضع في عين الاعتبار الملف السوري على لائحة هذه المسائل التي يتطلع إلى أن يتعاون فيها مع الإيرانيين.  كيف سيتصرف الإيراني حيال هذا الأمر؟ من غير الواضح حتى الآن، لكن وجهة نظري الشخصية إن كان سيحصل مثل هذا الشيء، فإن الجانب الإيراني سيقترح التركيز على محاربة "داعش" و "القاعدة" في سوريا ولا شك أنّه سيقترح على الجانب الأمريكي ما يخدم وجهة النظر هذه، فيما يتوقع الجانب الأمريكي منه في المقابل أن يسهّل إخراج الأسد من المعادلة عبر جينيف3 أو أي تسوية سياسية أخرى.

إما إذا فشل الطرفان في التوقيع على الاتفاق النووي نهاية شهر يونيو، فهذا يعني أنّه لم يعد هناك من مبرر لإدارة أوباما لعرقلة توجّه المعارضة السورية الداخلي أو توجه الدول الإقليمية (لاسيما تركيا والسعودية) الساعية للإطاحة بنظام الأسد، وذلك على اعتبار أن أوباما ظل لأربع سنوات يرفض هذا الخيار كي لا يخسر التفاوض مع إيران. أما وقد خسره فلا داعي لمراعاة هذا المُعطى على الإطلاق، بل من المتوقّع أن يفتح هذا الأمر باب الخيارات الأخرى على مصراعيها ولاسيما خيار المنطقة الآمنة والحظر الجوي والتسليح النوعي للمعارضة السورية المعتدلة.

ثانياً: الانتخابات البرلمانية التركية

في 7 يونيو القادم ستقام الانتخابات البرلمانية التركية، وهي انتخابات في غاية الأهمّية بالنسبة لحزب العدالة والتنمية ستحدد معها مسار الحزب خلال المرحلة القادمة حتى العام 2023، وكذلك مصير النظام السياسي للبلاد.  إذا استطاع حزب العدالة والتنمية تحقيق طموحه في هذه الانتخابات وحصل على ثلثي مقاعد البرلمان فهذا يعني تلقائياً أنّ الطريق بات معبّداً أمامه لتغيير النظام السياسي في البلاد إلى نظام رئاسي. لكن ما علاقة هذا الأمر بالملف السوري؟

فوز حزب العدالة والتنمية بمثل هذه النسبة يعني حسم النقاش حول عدد من الأولويات الداخلية وهذا يهيئ المسرح التركي لاستقرار سياسي وتوسّع اقتصادي مما يتيح لصانع القرار التفرّغ بشكل جدّي وعملي للتطورات الإقليمية. ومع تحول النظام السياسي إلى نظام رئاسي فهذا يعني صلاحيات أكبر لرئيس الجمهورية ودور أقصر لمسار القرار في الأروقة البيروقراطية لاسيما فيما يتعلق بالقرارات الكبرى.

خلال هذه المرحلة، إذا بقي الوضع السوري على ما هو عليه، فإن إمكانية أن يلعب الجانب التركي دوراً أكبر وأكثر فعالية في الداخل السوري ستصبح أعلى بكثير، وستكون المعطيات مهيئة أمام الجانب التركي لزيادة الدعم العسكري الكمي والنوعي للمعارضة وصولاً إلى إمكانية وضع خطط المنطقة الآمنة والحظر الجوي موضع التنفيذ (كيف ومع من وعبر من، أمور من الممكن مناقشتها في مقال لاحق)، لاسيما إذا فشل الاتفاق النووي الأمريكي – الإيراني.

ثالثاً: مصير الجنرال ناغاتا وبرنامج التدريب والتسليح

في 15 أبريل، نشرت بلومبيرغ تقريراً يقول إنّ المسؤول الأول عن برنامج التدريب والتسليح للمعارضة السورية الجنرال "مايكل ناغاتا"، سيترك منصبه ويرحل خلال شهر يونيو على الأرجح. وقد ردّت القيادة المركزية الأمريكية على تقرير بلومبيرغ ببيان نشرته قالت فيه إنّ الجنرال ناغاتا مستمر في قيادة برنامج الولايات المتّحدة لتدريب وتجهيز المعارضة السورية المعتدلة ولا يجري حالياً أي جهد لاستبداله، وإنّ أي تكهنات تفيد بعكس ذلك غير صحيحة.

حسناً، سيأتي شهر يونيو وسنرى مدى حقيقة هذا الأمر، خاصّة أنّ لهذا الموضوع أهمّية كبرى في ظل التقدّم الذي تحرزه المعارضة السورية على الأرض في هذه الفترة. الجنرال ناغاتا مهم جداً للمعارضة السورية المعتدلة ليس فقط لأنّه يمثّل بنفسه برنامج التدريب والتسليح الذي ارتبط به ارتباطاً عضوياً، وإنما لأنّ ناغاتا كان قد دافع عن المشروع الذي أُقرّ له حوالي نصف مليار دولار، وشكّل هو بنفسه حلقة الوصل مع الكونغرس والحكومات المعنيّة والثوار السوريين.

إذا ما صح خبر تركه لمنصبه، فسيعد ذلك ضربة جديدة للثوّار المعتدلين، وسيعطي إشارة إضافية عن عدم جدّية أوباما، ويؤكد صحة الافتراضات التي سبق وقالت إنّ اقرار برنامج التدريب هو ذر للرماد في العيون وهدفه الحقيقي يتراوح بين كسب المزيد من الوقت للإدارة الأمريكية وبين إعداد المقاتلين لمحاربة "داعش" فقط.

أمّا إذا لم يكن الخبر صحيحاً، فهناك بعض المعلومات التي تفيد بأنّ ناغاتا جاد في برنامجه وأنّه ينوي أن يبدأ في ادخال المقاتلين إلى داخل سوريا خلال أشهر قليلة جداً، وأنّه قاتل دفاعاً عن وجهة نظره التي تقول إنّه يجب تأمين غطاء جوي للمعارضة المعتدلة إذا احتاجت ذلك، وهو الأمر الذي لا يعجب أوباما ومن يقف على نفس رأيه.

رابعاً: نهاية دور دي ميستورا

يونيو القادم سيكون حاسماً أيضاً بالنسبة إلى دور المبعوث الأممي "دي ميستورا"، وقد يشهد هذا الشهر على الأرجح نهاية مسيرته، فهو لم يحقق أي تقدّم يذكر وغير قادر على تحقيق اختراق أو فعل أي شيء وكل عدّة أشهر يخرج بمقترح عن مبادرة جديدة تولد ميتة. والأصل كما تم طرحه سابقاً أنّه قد تم تلزيمه بهذه المهمّة من أجل ملء الفراغ في الجهد السياسي والدبلوماسي إلى حين تتضّح الرؤيا في المعطيات الأخرى المرتبطة بالملف السوري إقليمياً ودولياً. وإذا ما حصل هذا فعلاً، أي إذا انتهى دوره في يونيو القادم، فذلك يؤكّد أنّ مرحلة جديدة ستبدأ، وأنّ قرارات ستتخذ ولن يكون هناك حاجة حينها لأدوار لملء الفراغ فقط.

خامساً: مؤتمر  المعارضة السورية

تقوم السعودية منذ وصول الملك سلمان إلى الحكم بإعادة تقييم الملف السوري على مختلف المستويات، وقد اختلفت النبرة والنظرة وطريقة التعامل مع الملف بشكل لافت خلال فترة قصيرة. كما لوحظ تزامن ذلك مع تحقيق المعارضة المسلّحة داخل سوريا إنجازات متعاظمة وذلك بموازاة عاصفة الحزم التي أطلقتها المملكة ضد الحوثيين في اليمن.

وتحشد المملكة منذ فترة لإقامة مؤتمر يجمع جميع فصائل السورية المعارضة، وفي حين تشير معظم التقييمات إلى أنّ المؤتمر قد يقام على الأرجح خلال شهر مايو المقبل، إلا أنّ نتائجه العملية ستبدأ بالظهور من دون شك في شهر حزيران في حال انعقد في تلك الفترة.

من الجيّد أن المعارضة السورية تحقق تقدماً نوعياً في الآونة الأخيرة، فهذا بدوره سيلعب دوراً مهماً في إعادة تشكيل الخيارات الممكنة مع تبلور الصورة الإقليمية والدولية بشكل أوضح لاسيما بعد المرور بالاستحقاقات التي تمّ ذكرها أعلاه في شهر يونيو المقبل.

عن الكاتب

د. علي حسين باكير

مستشار سياسي - باحث في العلاقات الدولية والشؤون الاستراتيجية


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس