محمود عثمان – خاص ترك برس

عدة عوامل إضافية تجعل الانتخابات البرلمانية  التركية في السابع من شهر حزيران المقبل ذات أهمية خاصة وغير مسبوقة. فهذه المرة الأولى التي يخوض فيها الأكراد المعترك الانتخابي تحت راية حزبهم وليس كمستقلين كما كانوا يفعلون سابقا ,بغية تخطى عقبة حاجز العشرة بالمائة .إذ يشترط قانون الانتخابات في تركيا حصول الحزب السياسي على نسبة عشرة بالمائة من مجموع أصوات الناخبين على مستوى القطر كشرط لدخول البرلمان . ورغم الوعود الكثيرة والمطالب والضغوط الأكثر لتخفيض سقف هذا الحاجز الذي سنه المرحوم "تورغت أوزال" من أجل القضاء على التشرذم وتحقيق الاستقرار السياسي إلا أنها لم تنفذ بسبب مرارة التجارب السابقة , حيث يكون الأمر مفتوحا امام البازارات السياسية , والتدخلات الداخلية والخارجية التي كانت تعبث بالحكومات إسقاطا وبناء بأيدي قوى من خارج السياسة .

بداية لا بد من توضيح حقيقة أن غالبية الأكراد يصوتون لصالح حزب العدالة والتنمية بل إن عدد نواب البرلمان من أصول كردية شكل قرابة ثلث نيابيي الحزب حيث بلغ عددهم في البرلمان السابق 113 نائبا , بينما مجموع نواب الحزب الكردي لم يصل الثلاثين في أحسن أحواله , وكذلك نسبة الوزراء في الحكومة من أصول كردية .

لعل الدافع الأكبر في قرار حزب الشعوب الديمقراطية الكردي الواجهة السياسية لحزب العمال الكردي المسلح PKK  خوض الانتخابات البرلمانية بنفسه ,هو حصول رئيسه الشاب على نسبة 9,2 % في الانتخابات الرئاسية . الأمر الذي حفز بعض القوى المناوئة لحزب العدالة والتنمية التي تعاني من صعوبات حقيقية في ايجاد وطرح بديل مقبول عنه ,رغم علم الجميع بأن معطيات وحيثيات الانتخابات الرئاسية التي جرت أول مرة في تاريخ الجمهورية التركية منذ التحول إلى التعددية السياسية تختلف تمام عنها في الانتخابات البرلمانية . فيما يعتبر بعض الباحثين السياسيين أن قرار الحزب هذا جاء بناء على القرار الاستراتيجي الذي اتخذه عبد أوجلان بالتحول من النضال المسلح إلى الانخراط في العملية السياسية , الأمر الذي يقتضي الانفتاح على جميع مكونات الشعب التركي, والتحول من حزب أقلوي يدافع عن شريحة مجتمعية محدودة إلى حزب سياسي يخاطب المجتمع التركي بكامله . لكن هل يستطيع الحزب الذي ما زال يحتفظ بآلاف المقاتلين في جبال قنديل وشمال العراق أن يحقق هذه القفزة النوعية ؟ وهل بإمكانه إقناع الناخب الكردي فضلا عن الناخب التركي بذلك بعد حرب تسببت في مقتل ما يربو على ثلاثين ألف مواطن معظمهم أكرادا , وخسارة ميزانية الدولة لما يزيد على خمسين مليار دولار ؟ والأهم من ذلك كله هو ما مدى قدرة عبد الله أوجلان الزعيم التاريخي للحركة الانفصالية الكردية القابع في السجن على فرض قراراته , وما مدى التزام المسلحين بها ؟ إذا علمنا أن لدول أوربية رئيسية سهم في دعم حزب العمال وقراراته .. معادلة في غاية الصعوبة والتعقيد , خصوصا وأن الأحزاب الكردية كانت تحصل على جزء معتبر من أصواتها بوسائل التهديد والترهيب , كما أن الأنباء تشير إلى استمرار الأسلوب ذاته في مناطق جنوب شرق تركيا التي تشكل الحاضنة الشعبية لتلك الأحزاب.

تحد آخر يواجه حزب الشعوب الديمقراطية هو لونه الايدلوجي اليساري الماركسي الذي لا يلقى رواجا لدى الناخب في تركيا عموما حيث تصل كتلة اليمين الى السبعين ,بينما لا تتعدى كتلة اليسار الأربعين بالمائة في أحسن أحوالها .

عموما تبدو الاصطفافات والتوازنات السياسية شبه واضحة بالنسبة للأحزاب السياسية التقليدية ,مثل حزب العدالة والتنمية وحزب الشعب الجمهوري وحزب الحركة القومي . إذ لن يكون من الصعب تخمين نسبها في الانتخابات المقبلة , لكن يبدو التكهن حول إمكانية حزب الشعوب الديمقراطية تخطي حاجز العشرة بالمائة من الصعوبة بمكان .

إن دخول حزب الشعوب الديمقراطية البرلمان بهذه الطريقة سوف يشكل منعطفا حقيقيا وعاملا حاسما في طبيعة المرحلة القادمة , حيث سيكون على حساب حزب العدالة والتنمية تحديدا , مما سينقص عدد مقاعده في البرلمان وسيحد من قدرته على سن القوانين , والوفاء بوعوده التي تعهد بها لناخبيه والشعب التركي , وسيتعذر حينها القيام بالتغييرات التي أعلن عنها, مثل تغيير شكل النظام السياسي من برلماني إلى رئاسي كما يطمح الرئيس رجب طيب أردوغان .

وهنا تبرز أهمية أصوات الأكراد المتدينين الذين أصبحوا يشكلون بيضة القبان في المعادلة الانتخابية الحساسة . لذلك انصب اهتمام القوى السياسية على هذه الشريحة تحديدا ,وخصوصا من طرف حزبي العدالة والتنمية والشعوب الديمقراطية ,حيث سيدور معترك التنافس السياسي هناك . وهذا يفسر رفض بلديات حزب الشعوب الديقراطية استقبال الرئيس أردوغان مما جعله يلغي زيارته لعدد من المحافظات التي يديرها الحزب في جنوب شرق تركيا .

ومن الجدير بالذكر أن بعض القوى الاسلامية الكردية حملت السلاح ضد حزب العمال الكردي مثل حركة هدى بار HÜDA-PAR  حيث لا تزال المناوشات جارية بينهم وبين PKK . وقد أدت السياسات الخاطئة و تدخلات الدولة العميقة في المراحل السابقة إلى تعميق الهوة بين الأكراد والحكومة المركزية مما غذى الإرهاب والتطرف. لكن سياسة الانفتاح التي انتهجها حزب العدالة والتنمية أعادت بناء جسور الثقة , مما انعكس ايجابيا على المناطق الكردية التي شهدت تطورا ونهضة عمرانية في السنوات العشر الأخيرة. ليكتشف الجميع بأن أسوأ زمن للسلم خير من أحسن فترة للحرب .

الخلاصة : يقف المواطن الكردي غير المؤدلج وغير الواقع تحت التهديد -عموم هؤلاء من قطاع المتدينين – اليوم على مفترق الطريق إما أن يصوت لحزب يدغدغ عواطفه القومية لكن لا يوافق فطرته , أو يصوت لحزب العدالة والتنمية الذي قدم له من الخدمات والحقوق ما لم يقدمها غيره . إذ تبدو الخيارات الأخرى شبه معدومة ..

فهل يحسم الأكراد المتدينون الانتخابات البرلمانية لصالح حزب العدالة والتنمية ؟!.

عن الكاتب

محمود عثمان

كاتب سياسي مختص بالشأن التركي


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس