محمود عثمان – خاص لترك برس

رغم مرور أكثر من نصف قرن على التعددية السياسية والعملية الديمقراطية والاستحقاقات الانتخابية في تركيا ,فقد ظلت الانتخابات حدثا فوق عادي من حيث ما يرافقها من أحداث , إذ جرت العادة أن تسبقها حالة من الاحتقان والتوتر والتصعيد والاستقطاب السياسي بوتيرة عنيفة حادة إلى درجة تؤثر في نمط الحياة اليومية للمواطن العادي ,حتى أصبحت جزءا من العملية السياسية وأحد استحقاقاتها.

يرى بعض المراقبين أن الأداء السياسي والحزبي في تركيا ما زال يتسم بالحدة والنزق والصدام أحيانا , وأن التجربة الديمقراطية لم تبلغ مرحلة النضج وسن الرشد , وأن غالبية الأحداث السياسية اليومية الاعتيادية يتم تناولها على أنها تاريخية مصيرية , وأن أي قانون يقره البرلمان التركي  يمكن أن يودي بالوطن والأمة إلى الجنة بحسب السلطة ,أوإلى الجحيم بحسب المعارضة !.

لكن في المقابل يرى البعض أن  التصعيد والاستقطاب السياسي غدا تكتيكا سياسيا ولعبة تمارسها كبريات الأحزاب السياسية على حساب صغارها , فما إن يدخل البلد أجواء الانتخابات حتى يتحول الحراك السياسي إلى معارك طاحنة تستخدم فيها كافة الوسائل وجميع الأوراق بشكل تصاعدي يزداد حدة كلما اقتربت ساعة الاقتراع . حيث لا يتورع السياسيون عن استخدام جميع الوسائل من الوعود الخرافية إلى تخوين بعضهم البعض ونبش دفاتر الماضي , إضافة إلى تصيد كل شاردة وواردة ضد الخصوم , فترتفع وتيرة الاستقطاب إلى حد يصل المواطن فيه إلى قناعة بأنه أمام قرار تاريخي مصيري , وأنه بصوته الانتخابي إما أن ينقذ سفينة الوطن أو أنها ربما تغرق وتتجه إلى المجهول !.

وفيما تبدو لعبة الاستقطاب هذه مبررة من أجل جلب واستقطاب المواطنين العاديين الذين يشكلون الكثرة الحائرة والغالبية في جميع البلدان . لكن تأثيرها يكون ضعيفا أو معدوما على المواطن المؤدلج الذي حسم أمره لصالح لون سياسي بعينه وما هؤلاء بكثر .

تبقى الكتلة المستهدفة من حالة الشد والتوتر والاستقطاب هم أصحاب الميول السياسية الاعتيادية غير الحادة ,مثل بعض الأشخاص المتدينين الذين يميلون إلى حزب السعادة أكثر من حزب العدالة والتنمية في الأحوال العادية , وحزب اليسار الديمقراطي أكثر من حزب الشعب الجمهوري على سبيل المثال .. لكن هؤلاء في حالة الاستقطاب السياسي الحاد يضطرون للاصطفاف بجانب الحزب الكبير , حزب العدالة والتنمية , أو حزب الشعب الجمهوري في المثال أعلاه .. حيث الأمر جلل والقضية إما أن نكون أو لا نكون , وهم يدركون أن حزبهم الأقرب إليهم لا يمكنه مقارعة الحزب الكبير في الطرف المقابل مثل حزب الشعب الجمهوري فيصوتون لصالح حزب العدالة والتنمية رغم ميولهم إلى حزب السعادة أكثر .. وكذلك الحال بالنسبة لبعض منتسبي الأحزاب اليسارية التي لا تؤيد حزب الشعب الجهموري وتكون في الأحوال العادية لا تنتمي إلى مدرسته الفكرية لكنها مع حالة الاستقطاب الحاد تضطر لأن تؤيده وتصوت لصالحه من أجل وقف تغول حزب العدالة والتنمية كما يقولون !.

سيأتي يوم السابع من حزيران , وقبله سيفرغ كل ما في جعبته ,وسيقول ما عنده .. سنحضر العرس الانتخابي بجلاله وجماله وجلبته وصخبه وضجيجه , وسنتابع – كالعادة - نتائج الانتخابات حتى الهزيع الأخير من الليل .. سيفرح ناس ويترح آخرون .. ستتعدد القراءات والتفسيرات والتبريرات , بعد أن يغدو كل مواطن محللا سياسيا ..

الأجمل من هذا كله .. عندما يأتي اليوم التالي حيث تستمر عجلة الحياة في دورانها الرتيب رغم الثرثرة وكثرة الكلام عندما يتواعد الفرقاء بانتظار استحقاق انتخابي قادم ..

لوحة جميلة جذابة .. لا تزال شعوب المنطقة تدفع مهرها من غالي دماء أبنائها ودموعهم .

عن الكاتب

محمود عثمان

كاتب سياسي مختص بالشأن التركي


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس