محمود عثمان - خاص ترك برس

قرار الحكومة التركية إطلاق "صلاح الدين الأيوبي" اسما للمطار الجديد الذي تم افتتاحه أمس بمدينة "Yüksekova يوكساك أوفا" - الواقعة في جنوب شرق تركيا التي تقطنها أغلبية كردية - وحضره أركان الدولة التركية رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء وعدد كبير من الوزراء والنواب وكبار المسؤولين في الدولة، واختيار اسم شخصية تاريخية لقائد كردي كبير له مكانته الخاصة في قلوب عامة المسلمين وعند الأكراد على وجه الخصوص كان له دلالات كثيرة وكبيرة، ليس أولها التأكيد على الذهاب إلى أبعد نقطة في تحقيق المصالحة الوطنية بين الأكراد والدولة التركية، ولن يكون آخرها مضي حزب العدالة والتنمية الحاكم قدما في تنفيذ مشروعه النابع من رؤيته الاستراتيجية والقاضي بضرورة التكامل بين المكونات التاريخية  والحضارية لشعوب المنطقة، على اعتبار أن التنوع العرقي والمذهبي والديني يجب أن يكون عامل ثراء بدل أن يكون سببا في الفرقة والفتنة والحرب وسفك الدماء.

هنا بالتحديد يظهر الفرق الجوهري جليا بين المشروع التركي (العثماني) الداعي إلى السلم والشراكة والتعاون والتكامل بين شعوب المنطقة على أسس إنسانية حضارية، ويرى إمكانية القفز على العقبات التي شكلتها سايكس بيكو بحدودها المصطنعة التي قطعت أوصال الأمة الواحدة. وبين المشروع الإيراني المذهبي التوسعي الدموي العنيف الذي بدأت تتكشف معالم خطته واستراتيجيته القائمة على الاتفاق في السر مع الأمريكان على تقسيم المنطقة إلى دويلات وكانتونات عرقية مذهبية بعد أن يتم استنزافها وإرهاقها بحروب داخلية تأتي على الأخضر واليابس، تفني موارد الأمة وطاقتها البشرية وثرواتها الطبيعية، عبر بث الفرقة والفتن واستغلال عنصر التطرف الذي استشرى بين الشباب بسبب هزائم الأمة وعجزها، لتستسلم شعوب المنطقة في نهاية المطاف للأمر الواقع فتقبل بالتقسيم على أنه شر لا بد منه.

في كلمته في حفل الافتتاح وقف رئيس الوزراء أحمد داود أوغلو عند رمزية صلاح الدين الأيوبي التي تؤكد اليوم من جديد على الأخوة التاريخية بين المكونات الرئيسية للأمة، الأكراد والعرب والأتراك، مشددا على قدسية الأقصى والقدس الشريف وأنها للمسلمين وليست لغيرهم، فهي رمز وحدتهم، ومركز اهتمامهم، وقضيتها ستبقى هي الأولى في وجدانهم.

كلمة داود أوغلو حملت قدرا كبيرا من التعريض برئيس حزب الشعوب الديمقراطي صلاح الدين دميطاش الذي سبق وارتكب هفوة من العيار الثقيل عندما أراد لفت الانتباه إلى مكانة ساحة التقسيم بالنسبة لهم كيساريين فشببها بقدسية مكة عند المسلمين والقدس عند اليهود، متجاهلا مكانة القدس عند المسلمين، ورمزية صلاح الدين (الذي يتسمى باسمه) بالنسبة للقدس والأقصى!. مما أتاح الفرصة أمام غريمه السياسي داود أوغلو ليقتنصها ويسدد ضرباته المؤلمة من خلالها.

في الجهة المقابلة حاول حزب الشعوب الديمقراطي عرقلة الافتتاح بكل الوسائل. ولما عجز مارس ضغوطا كبيرة من أجل خلق حالة عصيان مدني، وإضراب عام في مدينة يوكساك أوفا التي تم افتتاح المطار فيها. ومن الجدير بالذكر الإشارة إلى أن الافتتاح جاء متأخرا عامين كاملين بسبب الاعتداءات المتكررة من قبل عناصر حزب العمال الكردستاني المسلحة، الذين قاموا بما يزيد عن مائة عملية تخريب وحرق وتفجير للممتلكات وآلات البناء فضلا عن اختتطاف العاملين في إنشاء المطار.

توقيت الافتتاح ولغة الكلمات التي ألقيت في حفل الافتتاح تؤكد ما كنا قد نوهنا إليه في مقالات سابقة بأن الصراع السياسي على كسب أصوات الناخبين سيكون على أشده ويبلغ ذروته في الساحة الكردية وعند شريحة المتدينين منهم خصوصا حيث من المنتظر أن يشكلوا بيضة القبان والعنصر المرجح في انتخابات السابع من حزيران/ يونيو المقبل.

اختيار لن يكون سهلا البتة.. إما حزب العدالة والتنمية صاحب الرصيد والمصداقية الذي يتكلم بلغة الأرقام والإنجازات الملموسة، أو حزب الشعوب الديمقراطي الذي حرق السفن وبنى استراتيجيته على خطاب قومي عاطفي حساس: "نكون أو لا نكون".

عن الكاتب

محمود عثمان

كاتب سياسي مختص بالشأن التركي


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس