ترك برس

أصدر رئيس دائرة الاتصال في الرئاسة التركية، فخر الدين ألطون، مؤخراً، كتاباً له بعنوان "تركيا كقوة استقرار في عصر الاضطرابات"، حيث يسلط فيه الضوء على الخطوات التي اتخذتها أنقرة في السياسة الخارجية ومكانتها في السياسة العالمية.

ويُعرّف ألطون، في هذا الكتاب الذي نُشر في أواخر 2021، الدولة التركية بأنها "قوة استقرار"؛ وهو تعريفٌ لا يبرز قوتها ومزاياها الجيوسياسية فحسب، بل يبرز أيضاً الاستخدام الإيجابي لقوتها، كما كتب فيسيل كورت، الأستاذ في جامعة إسطنبول ميدينيت.

يحاجج الكتاب بالقول إن عالماً خالٍ من النزاعات مع استقرار مستدام يكاد يكون ممكناً، مضيفاً أنه ومع ذلك فإن نية الدول وسياساتها يمكن أن تعمّق هذه الصراعات أو تحدّ منها أو تخففها، بحسب تقرير لـ "TRT عربي."

ففي السنوات الأخيرة، قدّمت تركيا أمثلة ملموسة على كيفية تحقيق هذا الاستقرار، عبر مقترحاتها لإصلاح النظام الدولي وجهودها المتزايدة في المساعدة الإنسانية وتدخلاتها في مناطق الصراع.

كما أن خطوات تركيا نحو معالجة الأزمات السياسية والإنسانية الناجمة عن جائحة فيروس كورونا والحروب الأهلية والكوارث الطبيعية باتت أمثلة ملموسة تؤكد نهج السياسة الخارجية للبلاد.

وفي كل من الأمثلة التي قدمها الكتاب، كانت أدوار تركيا في المفاوضات أو التدخلات تهدف إلى الحد من النزاعات الدولية، مثل "خطة عنان" في قبرص.

تسليط الضوء على عدم المساواة

كما يوضح الكتاب ظاهرة اللامساواة التي كانت موجودة خلال فترة الحرب الباردة والتي لم تغير إلّا شكلها فقط في فترة التسعينيات

ويجادل بأن التفاؤل الذي ظهر بعد الحرب الباردة وتبشير الولايات المتحدة بالسلام والازدهار كان مقصوراً على مناطق جغرافية معينة من العالم، فيما واجهت إفريقيا ودول البلقان ومناطق كثيرة حول العالم صراعات عرقية وحروباً أهلية ومآسي إنسانية.

ويربط الكتاب أيضاً بين المناخ العالمي الذي ساد بعد عام 2001، والصراعات المعاصرة والمآسي الإنسانية التي نعيشها اليوم، قائلاً إنه بعد هجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001 الإرهابية مباشرة، اتخذت الولايات المتحدة موقفاً سياسياً عدوانياً، ودمرت جو التضامن العالمي السابق.

ويقول إن الاستراتيجية العدوانية التي وضعتها الولايات المتحدة لتحقيق مصالحها الخاصة، مستخدمة خطاب: "إما أن تكون معنا أو مع العدو" وضعت العالم في دائرة صراع لا رجوع فيه.

من جهة أخرى، يجادل الكتاب بأن الاستقرار والازدهار في الولايات المتحدة ينعكس بشكل قليل فقط على بقية العالم، في حين أن أزماتها السياسية والاقتصادية تتسبب في تداعيات عالمية.

ويعطي الكتاب مثالاً على ذلك بالدمار الاقتصادي الذي تسببت فيه الأزمة الاقتصادية لعام 2008 في العديد من البلدان وأدى إلى نتائج مماثلة، كما يحاجج بأنه لم تُصلح المأساة والدمار الناجمين عن غزو أفغانستان والعراق حتى الآن.

في المجمل، يسعى كتاب ألطون إلى القول إن الصورة التي ظهرت أثناء الحرب الباردة وبعدها تشير إلى حقيقة بسيطة: على الرغم من الوعود والخطاب المتفائل، فإن النظام الدولي الحديث مبنيّ على المصلحة الذاتية للاعبين العالميين الكبار.

فشل المؤسسات الدولية

يبدأ الكتاب بتحديد أخطاء وإخفاقات الأنظمة القائمة، والتي أصبحت أكثر وضوحاً بعد أن اجتاحت جائحة كورونا العالم على حين غرّة.

ويشير كتاب ألطون إلى أن النزاعات وعدم الاستقرار أمران حتميان في السياسة الحديثة ولا يقتصران على الفترة التي نعيشها، لهذا أنشأت مؤسسات دولية حديثة لتخفّف من آثارها، من قبيل: الأمم المتحدة.

ويتساءل ألطون عمّا إذا كانت هذه الأنظمة الدولية قد أنجزت هذه المهمة حقاً أم لا، خلال حقبة الحرب الباردة وبعدها.

ويقول إن الأمم المتحدة ابتعدت كثيراً عن الادعاءات والوعود المتعلقة بالأهداف الأساسية مثل الأمن والاستقرار والسلام، وهو ما يظهر بوضوح في تعاملها مع مناطق الصراع ووباء كورونا.

ويضيف أن الصراعات خلال فترة الحرب الباردة، والحروب الأهلية خلال التسعينيات، والأزمة السورية الحالية هي انعكاسات لفشل هذا النظام أيضاً.

ويجادل الكتاب بالقول إنه لم يفشل هذا النظام الدولي نفسه في منع هذه النزاعات فحسب (جنباً إلى جنب مع المؤسسات والجهات الفاعلة) بل إن الولايات المتحدة فشلت أيضاً في توفير المساعدات الإنسانية اللازمة للتخفيف من المأساة التي نشأت نتيجة للحروب الأمريكية.

في هذا الصدد، يشير إلى تجاوز عدد اللاجئين اليوم في جميع أنحاء العالم 80 مليوناً، وتجاوز عدد الأشخاص الذين يعيشون في فقر 730 مليوناً.

ويحذر ألطون من أن عدم المساواة في الوصول إلى الاحتياجات الإنسانية الأساسية مثل التعليم والخدمات الصحية يتزايد أيضاً يوماً بعد يوم.

في المقابل، يُظهر الكتاب كيف تقف تركيا عند نقطة استثنائية، بجهودها تجاه الدبلوماسية الإنسانية والمساعدات الخارجية ومنع نشوب النزاعات.

دور تركيا

يستكشف كتاب ألطون دور تركيا في الجهود الإنسانية، لتصبح الدولة الرائدة في مجال المساعدات الخارجية في عامي 2017 و2018.

كما تستضيف البلاد ما يقرب من خمسة ملايين لاجئ وتضمن سلامة أربعة ملايين شخص محاصر في إدلب السورية. كما تبرعت لأكثر من مئة دولة خلال الوباء.

بالإضافة إلى ذلك، تشير تركيا إلى جذور المشاكل وتقترح إصلاحات مختلفة في نظام الأمم المتحدة.

على سبيل المثال، اقترحت تركيا إلغاء حق النقض (الفيتو) الذي يتمتع به الأعضاء الدائمون في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، والقضاء على عدم المساواة في التمثيل فيها، وإعادة هيكلة نظامها ليكون أكثر فاعلية.

وبشكل أكثر تحديداً، تقترح تركيا توسيع مجلس الأمن، بناءً على معايير صلبة تحددها الجمعية العامة للأمم المتحدة.

كما يلفت الكتاب الانتباه إلى حالة البلدان قليلة النمو في كل فرصة، وضرورة أن تكون الأمم المتحدة أكثر نشاطاً في مواجهة المآسي الإنسانية.

في هذا الصدد، يشير الكتاب إلى كلمات رئيس تركيا رجب طيب أردوغان: "العالم أكبر من خمسة" و"عالم أكثر عدلاً مُمكنٌ"، وهي كلمات كان لها تأثير عالمي واسع.

عالم أكثر عدلاً

من بين الأمثلة الأخرى التي قدمها الكتاب على النهج التركي، هو إظهار تركيا مرونة لمقاومة الخطوات غير القانونية لليونان وإدارة قبرص اليونانية في بحر إيجه وشرق البحر الأبيض المتوسط ​​في السنوات الأخيرة.

كما حاولت تركيا منع الحرب الأهلية في سوريا لفترة طويلة، وبذلت أقصى الجهود للتخفيف من المآسي الإنسانية التي سببتها، كما أن تدخلاتها ضد التنظيمات الإرهابية جاءت في إطار القانون الدولي.

علاوة على ذلك، ساعدت تركيا في أنشطة إعادة البناء اللازمة لتحقيق الاستقرار في المناطق التي تم تطهيرها من الإرهاب.

وقدم ألطون أيضاً ما قامت به السياسة الخارجية التركية في العراق وليبيا كأمثلة في نصه على الدور الذي باتت تلعبه تركيا اليوم.

ويحذر الكتاب أيضاً من أن الإسلاموفوبيا وصعود اليمين المتطرف قد تسللا إلى السياسة الخارجية ويقترح "عالماً أكثر عدلاً".

في الوقت نفسه، يعدّ الكتاب أيضاً دعوة للاعتراف بإسهامات تركيا في إرساء الاستقرار في العالم من سوريا إلى ليبيا ومن إفريقيا إلى قبرص

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!