ترك برس

شهدت تركيا، أسبوعاً حافلاً باللقاءات الدبلوماسية الرفيعة وزيارات لزعماء بلدان، بعضها الأولى من نوعها منذ سنوات، في خطوة تدفع المراقبين للتساؤل عما إذا كانت أنقرة تعود إلى سياسة "صفر مشاكل."

واستقبل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان تباعاً، الأسبوع الفائت، الرئيسين الإسرائيلي والأذربيجاني، قبيل استقبال رئيس الوزراء اليوناني، فيما عقد وزيرا خارجية روسيا وأوكرانيا، أول لقاء بينهما منذ اندلاع الحرب بين البلدين.

يأتي ذلك بالتزامن مع انطلاق أعمال منتدى أنطاليا الدبلوماسي الذي شارك فيه عشرات من وزراء خارجية دول العالم، بينهم وزير خارجية أرمينيا، وذلك في حراك دبلوماسي كبير جداً يظهر ذروة التحولات السياسية التي تشهدها تركيا في إطار مساعيها للعودة إلى سياسة "صفر مشاكل".

وفي هذا الإطار، بدأت تركيا مساراً دبلوماسياً جديداً في الأشهر الأخيرة تمكنت من خلاله إعادة تطبيع العلاقات وتحسينها مع الإمارات ودول عربية مختلفة، وسط تقدم في مساعيها مع مصر والسعودية، وتراجع لافت في حدة الخلافات مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، كما تشير اللقاءات الجديدة إلى حصول اختراق كبير في المساعي المشابهة مع إسرائيل واليونان وأرمينيا، بحسب تقرير لـ "القدس العربي."

والأربعاء، بدأ الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ زيارة إلى أنقرة هي الأولى لرئيس إسرائيلي منذ نحو 9 سنوات، شهدت فيها العلاقات بين البلدين خلافات عميقة وصولاً لسحب السفراء على خلفية صراع شرق المتوسط والهجمات الإسرائيلية على الشعب الفلسطيني، وما سبقها من هجوم إسرائيلي على سفينة "ما في مرمرة" ومقتل 10 ناشطين أتراك.

ومنذ أشهر، بدأت أنقرة وتل أبيب مساعي إعادة تطبيع العلاقات عبر اتصالات على مستوى الاستخبارات والدبلوماسية المنخفضة، قبل أن تجري اتصالات بين أردوغان والرئيس هرتسوغ ورئيس الوزراء الإسرائيلي، حيث بدأ الجانبان في خطوات مختلفة لإعادة بناء الثقة، وسط أنباء عن تعاون أمني نجح في إفشال عمليات كانت تستهدف إسرائيليين في تركيا، وضغوط إسرائيلية على أنقرة لطرد قيادات حركة حماس ووقف أنشطتها في تركيا، إلا أن تل أبيب لا تزال تشكك في نوايا أنقرة وسط دعوات إسرائيلية لمزيد من "الحذر" في التعامل مع أردوغان.

وفي هذا الإطار، قال الرئيس الإسرائيلي وهو في طريقه إلى تركيا: "العلاقات بين تل أبيب وأنقرة مهمة جداً بالنسبة للجهتين والمنطقة كلها.. هذه العلاقات شهدت تراجعاً تارة، ودفئا تارة أخرى، سنحاول إعادة بناء العلاقات وتحديثها بحذر"، حيث يتوقع أن يبحث أردوغان وهرتسوغ إعادة تطبيع العلاقات والتعاون في ملف غاز شرق المتوسط حيث تضغط أنقرة للتوصل إلى اتفاق لإنشاء خط لتصدير غاز شرق المتوسط إلى أوروبا عبر الأراضي التركية عقب فشل مشروع "إيست ميد" الذي كان يهدف لنقل الغاز لأوروبا عبر اليونان وتهميش الدور التركي.

وفي زيارة لا تقل أهمية، التقى أردوغان في إسطنبول، الأحد، رئيس الوزراء اليوناني كيرياكوس ميتسوتاكيس، الذي أعلن عن زيارة مفاجئة إلى تركيا بعد أيام قليلة من زيارة الرئيس الإسرائيلي، دفعت المراقبين لربط الزيارة بمساعي اليونان إلى أن تكون جزءا من التفاهمات التركية - الإسرائيلية المتوقعة في شرق المتوسط، كما اعتبرت وسائل إعلام تركية أن اليونان تتجه نحو تقليل التوتر مع تركيا وتحييد الخلافات بالحد الأدنى بدل التصعيد عقب ما وصفته بـ"خذلان" الناتو والاتحاد الأوروبي لأوكرانيا في صراعها مع روسيا.

وقال المتحدث باسم الحكومة اليونانية يانيس أويكونومو: "في هذه الظروف الصعبة عالميا، يواجه البلدان، رغم خلافاتنا، تحديات مشتركة تتعلق بمجموعة من القضايا. يجب التعامل مع هذه التحديات بمنطق حل المشكلات وليس إضافة مشكلات جديدة"، "الغزو الروسي لأوكرانيا غيّر الواقع فيما يتعلق بالأمن في أوروبا، كما سلط الضوء أيضا على إدانة المجتمع الدولي لأي شكل من أشكال التوسع والتعديل."

ويربط مراقبون بين الزيارتين بإمكانية وجود ضغوط غربية على جميع الأطراف من أجل تحييد الخلافات والتعاون للتوصل إلى اتفاق لنقل غاز شرق المتوسط إلى أوروبا وذلك في ظل تصاعد التهديدات المتعلقة بأمن الطاقة لأوروبا عقب حرب أوكرانيا، والخشية من إمكانية لجوء روسيا لوقف إمدادات الطاقة لأوروبا التي بدأت بخطوات عملية استراتيجية للتخلي عن الغاز الروسي.

وفي حراك آخر، استقبل أردوغان في أنقرة، الخميس، الرئيس الأذربيجاني إلهام علييف، حيث تطرق اللقاء إلى التطورات في أوكرانيا وإمكانية رعاية تركيا حوارا بين أذربيجان وأرمينيا، إلى جانب بحث زيادة إمدادات الغاز الأذربيجاني إلى تركيا ومنها إلى أوروبا أيضاً.

وفي خطوة هامة، نجحت الدبلوماسية التركية في ترتيب لقاء هو الأول من نوعه منذ بداية الحرب بين وزيري خارجية روسيا وأوكرانيا، حيث عقد اللقاء، الخميس، بشكل ثلاثي بمشاركة وزير الخارجية التركي، وهي أبرز نتيجة توصلت إليها الدبلوماسية التركية التي تسعى منذ أشهر للعب دور الوسيط بين موسكو وكييف.

وينظر إلى اللقاء الثلاثي على أنه بادرة للوصول إلى نتائج ولو جزئية، يمكن أن يفتح الباب أمام تركيا للعب دور أكبر بالوساطة بين البلدين. وعلى الرغم من استبعاد إمكانية عقد لقاء على مستوى الرؤساء بين بوتين وزيلينسكي، إلا أن إسطنبول مرشحة لاستضافة مزيد من اللقاءات بين البلدين، وهو ما يعطي زخماً أكبر للدبلوماسية التركية، ويساعد أنقرة في تجنب التجاذبات التي قد تجعل منها طرفاً في الحرب الدائرة.

وفي زخم هذه اللقاءات، انطلق الجمعة أعمال منتدى أنطاليا الدبلوماسي الذي شارك فيه عشرات من وزراء خارجية الدول حول العالم، كما عقد على هامش أعماله العديد من اللقاءات الثنائية بين وزراء الخارجية من دول مختلفة، وهو ما يعطي زخماً آخراً للدبلوماسية التركية، ويمنح منصة جديدة للمسؤولين الأتراك لمخاطبة الكثير من الدول والتأكيد على أنها تسير حالياً نحو إنهاء أي خلافات مع أي دولة حول العالم.

وإلى جانب مشاركة وزيري الخارجية والطاقة الإسرائيليين في المنتدى، وعدد من المسؤولين العرب، وأمين عام مجلس التعاون الخليجي، شارك وزير خارجية أرمينيا لأول مرة منذ سنوات طويلة، في أحدث مثال على تقدم مساعي إعادة تطبيع العلاقات بين أنقرة ويريفان، وهي خطوة تاريخية قد تمهد لإنهاء قطعية طويلة بين البلدين.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!