ترك برس
تعد إسطنبول من الوجهات الثرية بالمعالم السياحية حول العالم. وهي تتصدر هذا المجال ليس فقط من خلال معالمها التي على سطح الأرض، بل من خلال مثيلاتها الغامضة الواقعة تحت الأرض أيضاً.
ولتسليط الضوء أكثر على هذا الجانب من إسطنبول، وثّقَت المؤرخة أرزو أولاش هياكل مخبأة أسفل الجزء التاريخي من المدينة، الذي يُسمَّى "شبه الجزيرة التاريخية"، إذ وضعت خريطة لـ285 منشأة تاريخية تحت الأرض.
وأسفل مدينة إسطنبول مدينة أخرى لا تقلّ روعة وجمالاً عما يعلوها. تحت إسطنبول، وبالأخصّ أسفل شبه الجزيرة التاريخية التي تضم أيا صوفيا والمسجد الأزرق وغيرهما من الآثار العريقة، عدد لا يُحصى من الهياكل والمنشآت متعددة الأغراض التي يعود تاريخها إلى قرون سابقة وحضارات مختلفة.
ومن خلال دراسة مفصَّلة أعدّتها المؤرخة التركية أرزو أولاش، واستمرت نحو 3 سنوات، اكتُشف وسُجّل علمياً عديد من الهياكل تحت الأرض التابعة لإسطنبول، حيث صورت جميع المنشآت المكتشفة ورسمت الخرائط الدقيقة لها، بحسب ما نقله تقرير لـ "TRT عربي."
منشآت غامضة تحت إسطنبول
الاكتشافات التي نتحدث عنها في هذا التقرير كانت بدأت عندما اختارت أولاش موضوع أطروحتها ليكون عن "فحص الهياكل تحت الأرض لشبه الجزيرة التاريخية في إسطنبول في ضوء الوثائق العثمانية".
وقُبيل بدء البحث الميداني، أجرت أولاش مسحاً ضوئياً لوثائق الأرشيف العثماني من أجل تحديد مسار وخطة عملها في إطار هذه الدراسة المهمة. وتأكيداً منها لأهمية الأرشيف والمخطوطات، قالت أولاش: "العمود الفقري للموضوع كان الوثائق، لكن الوثائق وحدها لغة بيروقراطية، كما استفادت من مكتبة السليمانية وبقية المكتبات التاريخية الأخرى من أجل تحديد التصور الاجتماعي لتلك الفترة".
في نهاية كل هذه الأبحاث ظهرت معلومات مهمة، موضحة أن باباً فتح باباً آخر في مغامرتها التي تعقبت خلالها الهياكل تحت الأرض.
وتابعت أولاش: "في هذه الدراسة عيّنت 285 مبنىً تحت الأرض. لقد وجدنا بالفعل مزيداً من الهياكل تحت الأرض، ومع ذلك لم تتطابق أحياناً مع الوثائق، وأحياناً أخرى لم أتمكن من اكتشاف هذه الهياكل في أثناء البحث الميداني، لأن البيانات الحالية لعملي كانت لرسم خرائط لهذه الهياكل وإنشاء خريطة محدثة لشبه الجزيرة التاريخية.
خزانات المياه
السمة المشتركة الأبرز للهياكل الجوفية التي رُسمَت على الخريطة هي خزانات (صهاريج) المياه الجوفية، التي شُيّدَت لتلبية احتياجات المياه في إسطنبول على مدار العصور المختلفة.
وخلال الدراسة حدّدت أولاش وفريقها الصهاريج المغلقة والصهاريج المفتوحة التي كانت توصف باسم "جوكربوستان" في العهد العثماني، والمقصورات التي بُنيَت لتوزيع المياه. ولأن هذه الهياكل محفوظة تحت الأرض، فقد نجا معظمها حتى يومنا هذا بلا ضرر.
ورسمت أولاش ووثّقَت 182 صهريجاً في نهاية بحثها، علاوة على ذلك اكتشفت لأول مرة 26 صهريجاً جديداً. ليس هذا فقط، إذ أُتيحَ لها أيضاً دخول وتصوير بعض هذه الصهاريج مع مُختصّي كهوف وغواصين محترفين.
خزان ضخم أسفل مسجد الفاتح
أكملت المؤرخة أرزو أولاش حديثها عن مغامرتها خلال هذه الدراسة قائلةً: "أثار كل هيكل تحت الأرض في نفسي إثارة مختلفة. مع ذلك كان مكان الخزان تحت مسجد الفاتح مختلفاً جداً لي".
وأردفت: "تحت الأرض يبدو كل شيء أكبر بكثير من حجمه الحقيقي بسبب الظلام. بمعنى آخر، عندما تخطو خطوة واحدة، تشعر أنها 10 خطوات، لأن هذا المكان مليء أيضاً بالمياه، وهو كبير الحجم جداً، فقد شعرت بأننا وجدنا صهريجاً آخر كبيراً، كالصهريج الضخم الموجود بجانب أيا صوفيا".
وأشارت إلى أنهم في هذا الصهريج أجْرَوا دراسة وبحوثاً أكثر تفصيلاً، فركبوا القوارب المطاطية داخل الصهريج أسفل المسجد، ثم باشروا عمل القياسات لتحديد العمق، فيما نزل أحد الغواصين تحت الماء ورأى أن قاعه ممتلئ بقطع الجِرار الأثرية التي تَحطَّمت في أثناء سحب المياه من فتحات التهوية.
في النهاية أكدت أولاش أن هذا الصهريج شُوهِدَ آخر مرة عام 1939 ولم يُرَ منذ ذلك الحين، وقالت إنهم تحمَّسوا للغاية عند رؤية قطع الجِرار وبقايا آثار تلك الفترة.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!