توران قشلاقجي - القدس العربي

عندما انهارت الإمبراطورية العثمانية بعد الحرب العالمية الأولى، تأسس العديد من الدول في الأراضي التي خلفتها وراءها. وتوزع بعض المثقفين ورجال الدولة العثمانيين في هذه الدول حديثة النشأة. أمّا بعض أولئك الذين فضلوا العيش في جمهورية تركيا المؤسسة حديثا، فقد اضطروا لاحقا إلى الذهاب لبلدان أخرى لأسباب سياسية. على سبيل المثال، اضطر السياسي والمفكر البارز الدكتور رضا توفيق المعروف بالفيلسوف، إلى مغادرة البلاد بعد أن حُكم عليه بالإعدام بدعوى تعاونه مع البريطانيين، ولاحقا أُضيف اسمه إلى قائمة تتضمن أسماء 150 شخصا صدرت بحقهم أوامر بالسجن أو النفي بسبب التوقيع على معاهدة سيفر.

انتقل توفيق في البداية إلى مصر، ثم ذهب إلى الأردن بناء على طلب من الأمير عبدالله، الذي اهتم به وجعله من الشخصيات المقربة إليه في الإمارة التي كان قد أسسها حديثا. وجرى تعيين المفكر العثماني رضا توفيق مستشارا للأمير في الأردن التي تأسست على أراض كانت تابعة سابقا للدولة العثمانية.

كان رضا توفيق يتمتع بخبرة علمية وسياسية وإدارية واسعة للغاية، تحدث عنه الصحافي والمفكر الشهير محمد أسد، الذي ينحدر من أصول أوكرانية واعتنق الإسلام لاحقا، في كتاب له بعنوان «الطريق إلى مكة»، وهو يشرح زيارة قام بها إلى عمان والأمير عبدالله في عام 1923. ويقول أسد إن الأمير كان قد حوّل واحدة من الخيم إلى مقر يقيم فيه، ويصف رضا توفيق الذي استقبله هناك بأنه «المستشار الكبير للأمير عبدالله». كما قام أسد بتدوين جميع المهام التي قام بها رضا توفيق في السابق، ويؤكد أن الأخير صاحب معرفة وخبرة كبيرة جدا وكان من رفاق الأمير عبدالله في مجلس المبعوثان العثماني (البرلمان)، وأن الثنائي كانا يتحدثان بين بعضهما بعضا باللغة التركية.

تولى رضا توفيق العديد من المهام بعد وصوله إلى الأردن، في مقدمتها، مترجم الديوان الأميري، ثم عضوية مجمع العلم، ومدير الآثار، وعضوية المجلس التشريعي، ومدير حفظ الصحة. وكان يقوم بإعداد الخطابات والتقارير المتعلقة بمهامه باللغة التركية، ثم يتم لاحقا ترجمتها إلى اللغة العربية. وفي عام 1928، سافر الفيلسوف رضا توفيق إلى ابنه المقيم في أمريكا. وعلى الرغم من بدء إجراءات تقاعده، إلا أن مهمته استمرت في الأردن وحصل على إجازة مدتها ثلاثة أشهر. وبعد عام من الإقامة في أمريكا، عاد إلى الأردن بتاريخ 17 أكتوبر 1929.

وعندما قرر الانتقال إلى أمريكا مجددا، قام بإهداء مكتبته الخاصة إلى إدارة المعارف وهي بدورها تبرعت بالكتب إلى مكتبة الجامعة الأردنية عام 1963. ولهذا السبب وضع اسمه على اللوحة الموجودة على يسار مدخل المكتبة، التي تعتبر قائمة شرف تضم أسماء الشخصيات التي قدمت مساهمات كبيرة. والكتب التي أهداها رضا توفيق هي كتبه الشخصية التي نقلها من إسطنبول إلى مصر، وقام الأمير عبدالله بتغطية تكاليف نقل تلك الكتب من مصر إلى الأردن.

لم يتوقف رضا توفيق عن الكتابة بعد انتقاله إلى الأردن، وحرص على كتابة المقالات وتقديم المحاضرات وتأليف الأعمال الأدبية والشعرية. وطلب منه الكاتب رفيق خالد، أن يكتب المقالات والقصائد الشعرية من أجل صحيفتي «الطريق الصحيح» و»الوحدة»، وتظهر المراسلات بينهما أن رضا توفيق لم يرفض الطلب، وبعث له نصوصا متنوعة للنشر. ومن بينها «مدن صامتة» و»تعالي… اقتربي مني أكثر). كما كتب قصيدة «القدرية» وأهداها إلى الأمير عبدالله. ومن القصائد التي أهداها للأمير أيضا قصيدة «من دار قوم إلى أخرى»، وقام الأمير عبد الله شخصيا بترجمتها إلى اللغة العربية. وكتب أيضا قصيدة تتحدث عن الشوق والحزن وهموم الدنيا والمشاكل الناجمة عن الحروب، ويقول إنه يتفاءل تارة وتنزل عليه سحابة من الحزن تارة أخرى.

خلاصة الكلام؛ أدى المفكر العثماني دورا مهما في سنوات تأسيس الأردن، وتقاعد من مهامه في هذا البلد عام 1934 وبعدها استقر في جونية اللبنانية. وبعد نحو 5 سنوات من صدور قرار بالعفو عن الـ150 شخصا، عاد إلى تركيا عام 1943. تجنب رضا توفيق العمل السياسي وفضّل الاهتمام بالمجال الثقافي فقط إلى أن وافته المنية بتاريخ 30 ديسمبر 1949 ليتم دفنه في مقبرة زينجيرلي كويو.

عن الكاتب

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس