ترك برس

أدى انهيار مئات المبائي في تركيا عقب الزلزال المدمر، إلى تسليط الضوء على المقاولين، وعما إذا كانوا يتحملون الجزء الأكبر من المسؤولية في انهيار هذا الكم الهائل من المباني التي كانت بعضها حديثة البناء.

ويرجح خبراء أن الدمار الواسع الذي أحدثه الزلزال ناجم بصورة كبيرة عن عدم التزام المقاولين بلوائح البناء التي تتضمن معايير فنية تضمن صمود الأبنية إلى حد كبير في وجه الزلازل.

وفي حين أشاد رواد مواقع التواصل بالمقاول أيدن دورسون الذي قام ببناء أكثر من ألف شقة في ولاية هاتاي، موزعة على أكثر من 50 مجمعا سكنيا، بين عامي 1987 و2002 ولم تتعرض للهدم إثر الزلزال، أوقفت السلطات عشرات من المقاولين ومالكي المجمعات السكنية التي تهدمت.

ويقول الخبراء إن لدى تركيا لوائح كافية لتجنب حدوث كارثة كالتي حدثت، لكن يتم التساهل في تطبيقها من جانب بعض شركات البناء والمقاولين، بحسب تقرير لـ "الجزيرة نت."

مواصفات البناء

وفي هذا الإطار، كشف المهندس المدني سعد النحلاوي، الذي يعمل بإحدى شركات التطوير العقاري في تركيا، عن ماهية المعايير الفنية التي ينبغي للمقاولين الالتزام بها لضمان سلامة البناء وصموده، سواء في مواجهة الزلازل أو غيرها.

وقال النحلاوي إن هناك عديدا من "الأكواد" (المواصفات) المختصة بالتصميم الإنشائي لمختلف أنواع الأبنية والمنشآت، وتتضمن هذه الأكواد معايير فنية خاصة، قد تختلف حسب الموقع الجغرافي للمنطقة ومدى قربها من الفوالق الزالزالية وحالة التربة ومستوى المياه الجوفية، بحسب تقرير "الجزيرة نت."

ولفت إلى أن تركيا تملك ما يسمى "كود بناء" يتم تحديثه كل عدة سنوات، وآخر تحديث لكود التصميم الزلزالي كان عام 2018. وعادة ما يغطي الكود عدة عوامل بعضها متعلق بالزلازل، وبعضها بالرطوبة والتقدم في العمر بالنسبة للإسمنت المسلح ومقاومة الشدة في الأعمدة.

ونبه الخبير إلى أن هذه المعايير تدخل في تفاصيل كثيرة، فهي مثلا تضع حدا أدنى للمساحة بين الأعمدة وطولها وعرضها ونسبة التسليح فيها ومعالجة التربة ونسبة عمقها، وتحدد كذلك نسبة الإسمنت والحصى ضمن الخلطة المستخدمة.

وأضاف أنه "عندما ندرس مقاومة البناء للزلزال نأخذ بعين الاعتبار أن هناك اختلافات بين الزلازل، فمنها أفقي ومنها عمودي، بالإضافة إلى الزلزال الارتجاجي والزلزال الدوراني، ونقوم بصياغة توليفة من هذه الأنواع، ونطبق محاكاة على الوحدة الإنشائية للتأكد من أنها قادرة على مواجهة كل أنواع الزلازل".

استيفاء المعايير يضمن عدم الانهيار

حول تأثير استيفاء المعايير الفنية الخاصة على مقاومة البناء للزلازل، أكد النحلاوي أنه عادة ما يصمد البناء المستوفي للمعايير في وجه الكوارث، رغم إمكانية تأثره، فالجدران يمكن أن تتشقق والزجاج قد يتكسر والطوب يمكن أيضًا أن يسقط، لكن الأعمدة والأساسات يجب ألا تتأثر إلا في الزلازل القوية جدا.

كمثال على ذلك، يقول النحلاوي "لاحظنا أن كل الأبنية التي أنشأتها شركة توكي الحكومية للإنشاءات، والتي تضم أكثر من 150 ألف شقة في المناطق التي ضربها الزلزال، لم تشهد انهيارا، لأنها تراعي ضوابط البناء المطلوبة".

وحسب المهندس المدني، فإننا نستطيع أن نقول إن الأبنية الحديثة قد تكون انهارت لأحد سببين:

- إما أن المقاول لم يلتزم بضابط البناء
- أو لأنه أنشأ البناء فوق تربة رخوة ولم يقم بتعزيزه

وأشار إلى أن أحد الأبنية مال بالكامل من دون أن ينهار شيء منه، وهو ما يعني أن المقاول لم يقم بمعالجة مشكلة التربة.

من جهته، يرى المستشار في جامعة إسطنبول التقنية، زيني تكين، أن أسباب الانهيار تعود عادة إلى النوعية الرديئة للإسمنت الذي يمزج مع كثير من الماء والحصى وكميات قليلة جدا من الإسمنت.

وحسب الخبير، فإن الأسباب الأخرى المحتملة تعود إلى نوعية قضبان الحديد التي قد تكون رفيعة جدا بحيث لا تتمكن من دعم الأعمدة، وهو ما يحد من قوة البناء.

المعارضة تنتقد والحكومة ترد

وجهت المعارضة التركية أصابع اللوم إلى الحكومة التي عولت طوال العقدين الماضيين على تنمية القطاع العقاري ليكون قاطرة نمو الاقتصاد.

وقال رئيس حزب الشعب الجمهوري المعارض كمال كليجدار أوغلو إن قرارات الموافقة على الأبنية التي لا تلبي معايير السلامة وآخرها في يونيو/ حزيران 2018 قبيل الانتخابات العامة، ولا سيما في ولايتي كهرمان مرعش وهاتاي، كانت سببا في تحويل "البيوت التي يعيش فيها الناس إلى مقابر".

غير أن الحكومة -بدورها- رفضت تلك الاتهامات، فقال وزير العمران والبيئة والتغير المناخي مراد قوروم إن معظم الأبنية المنهارة بنيت بين عامي 1999 و2000.

وعقب اعتقال عدد من المقاولين المسؤولين عن أبنية انهارت عقب الزلزال، أمرت وزارة العدل التركية النواب العامين في الولايات العشر بفتح تحقيقات في الجرائم المتعلقة بالزلزال، وملاحقة المسؤولين عن إقامة أبنية مخالفة للمواصفات مما تسبب في انهيارها.

وكان أبرز المقاولين المقبوض عليهم محمد يشار غوشكون، مقاول المجمع السكني المسمى "رونيسانس ريزيدنس" (Rönesans Rezidans) الذي دمر إثر الزلزال في هاتاي، وكانت حملته لبيع الشقق قد حملت شعار "ركن من الجنة".

كما تم القبض على المالك حسين يالتشين غوشكون، بينما كان يفر إلى إقليم كارداغ في أذربيجان.

انهيار المباني الحكومية

وشهدت مدينة هاتاي، وهي واحدة من أكثر المناطق تضررا من الزلزال، دمارا هائلا للمباني الحكومية والمستشفيات، وحتى الفرع المحلي لرئاسة إدارة الكوارث والطوارئ التركية (آفاد).

وتظهر الأرقام الرسمية أن عدد الشركات العاملة في قطاع العقارات ارتفع بنسبة 43% خلال السنوات العشر الماضية، لتصل إلى 127 ألف شركة حتى عام 2020.

وبدءا من الربع الثالث 2021، انكمش قطاع التشييد العقاري وبلغ الانكماش ذروته في الربع الثاني عام 2022 بنسبة 10.1%، حسب جمعية مصنعي لوازم البناء (إمساد).

وتشكل استثمارات البناء 50% من استثمارات رأس المال الثابت في تركيا، بينما تبلغ حصتها المباشرة في الناتج القومي الإجمالي 6%، وترتفع هذه النسبة إلى 30% إذا أخذت بعين الاعتبار القطاعات التي يؤثر عليها قطاع التشييد بشكل غير مباشر.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!