ياسين أقطاي - الجزيرة

لا يمكنك فهم تركيا من وسائل التواصل الاجتماعي التي تغمرها أعداد هائلة من المتصيدين الذين ليس لديهم شخصية حقيقية مثل جيش يأجوج ومأجوج، أو من استطلاعات الرأي التي تنشأ بناءً على أمنياتهم وطلباتهم وأحلامهم بدلا من الواقع، أو من الصراخ المدوي للمنادين الذين يغطون على جميع الأصوات لأن صوتهم يعلو على الجميع. تركيا التي ترويها جميع هذه القنوات مختلفة عن تركيا التي روتها صناديق الاقتراع والتي عكست نتائج استطلاعات الرأي الأكثر صدقا.

حصل أردوغان على 49.5% من الأصوات في الانتخابات الرئاسية. الآن أصبحت الصورة العامة واضحة تقريبا، صحيح نحن بصدد جولة ثانية من الانتخابات إلا أننا يمكن أن نقول بثقة إن رجب طيب أردوغان في هذا الوضع سيكون قد تمكن من الفوز في كل الانتخابات التي خاضها تحت قيادة حزب العدالة والتنمية مدة 21 عاما.

بالمقابل، يتضح أيضا أن المرشح المنافس كمال كليجدار أوغلو قد تكررت لديه تجربة الخسارة في جميع الانتخابات التي خاضها ضد أردوغان حتى الآن. وقد أظهر أنه خاسر في هذه الانتخابات أيضا، بنسبة أصوات قليلة تزيد على 44%. ولن تتغير حقيقة أنه بعيد كل البعد عن توقعات النصر التي تم الحديث عنها حتى الآن وفقا لجميع التصورات المنتجة.

كذلك؛ عندما توزع حصة من الأصوات بالتوازي مع الانتخابات الرئاسية على الانتخابات النيابية، يتبين أن تحالف الشعب -بقيادة أردوغان- حصل على الأغلبية في البرلمان. في الواقع، هذا هو الوضع الذي يدحض التوقعات التي نسمعها منذ شهور، "حتى لو تم انتخابه كرئيس، فإنه لن يفوز بغالبية البرلمان". فرغم أننا بصدد جولة انتخابية رئاسية ثانية إلا أن الحزب قد فاز في تحالف الشعب بالأغلبية في البرلمان، وهذا الأمر سيوفر ميزة واضحة في جولة ثانية محتملة.

من ناحية أخرى؛ الصورة حتى الآن لا تحمل أي مفاجأة لأولئك الذين يتابعون تركيا عن قرب وبشكل واقعي، ولكن بالنسبة لأولئك الذين يتابعون هذا البلد من وسائل التواصل الاجتماعي أو بعض الأوساط الإعلامية؛ فهذا بالطبع مفاجأة كبيرة وبالأخص في الآونة الأخيرة، فمن المستحيل ألا يتأثر بشدة أولئك الذين كانوا يثقون في شركات الاستطلاع التي قدمت بكل جهد وأداء تحليلي عال لسنوات طويلة مفهوم "المصداقية" كمادة دعائية لصالح حزب الشعب الجمهوري. حتى لم تتردد هذه الشركات في إخبار عملائها الغربيين بأن كمال كليجدار أوغلو سينهي المهمة من الجولة الأولى وبفارق لا يقل عن 7-8 نقاط.

ربما استندت وسائل الإعلام الغربية مثل إيكونوميست، ولوبوان، ولو إكسبريس، ودير شبيغل، والإندبندنت؛ إلى التقارير التي قدمتها هذه الشركات، وتجاهلت جميع مبادئ الصحافة والعادات، وأظهرت جرأة بالخروج أمام قرائها ككتيّب دعائي لحزب الشعب الجمهوري.

حتى إنهم تجاهلوا أن أردوغان، الذي يصوّره حزب الشعب الجمهوري على أنه "دكتاتور" وجميع تحالفاته في هذه العملية، أنه جاء بعملية انتخابية. أردوغان، الذي تولى الحكم من خلال الانتخابات مدة 21 عاما، لم يظل في السلطة ليوم واحد من خلال أي وسيلة خارج الانتخابات. لو كان دكتاتورا، لكان هناك الكثير من الغموض في نتائج الانتخابات حتى في الساعة التي نكتب فيها هذا المقال.

ومع ذلك، كما في كل انتخابات، عمل أردوغان أكثر من الجميع في هذه الانتخابات، فقد زار البلاد بأكملها بأداء "فوق بشري"، وقدم نفسه للناس، وأخبرهم عن مشاكله ورؤيته، وطلب منهم الأصوات؛ بينما تعرض أحد منافسيه لألف نوع من المكائد والتهديدات والابتزاز فقط من أجل التوافق على مرشح واحد يخرج أمامه. إن عملية الإقناع المغلفة بالابتزاز والتكتيكات المستخدمة لتوحيد الجميع على مرشح واحد هي مثال يتم صفعه في وجوه أولئك الذين يصفون أردوغان بالقمع والدكتاتورية.

الدخول في الانتخابات تحت ظروف عادية أثناء الحكم ليس ميزة، بل على العكس من ذلك، إنها عبء كبير. ففي تركيا، التي تعرضت للوباء والمشاكل الاقتصادية الناجمة عن حرب أوكرانيا وروسيا في الخمس سنوات الأخيرة، رغم الزلزال والشعور الشائع بالملل، نجح أردوغان مرة أخرى في الحصول على 50% من الأصوات. وفي الانتخابات السابقة، كان قد حطم رقما قياسيا لم يسبق له مثيل في تاريخ تركيا، وسيكون من الصعب تكراره.  ولكن الفوز المتتالي في الانتخابات ليس أمرا يحدث بسهولة لأي بشري، وهذا يشير إلى الرابطة القوية التي أقامها أردوغان مع شعبه، وهذا الرابط قد أُعيد تأكيده اليوم.

أيضا؛ معدل المشاركة في الانتخابات، الذي كان من الصعب تصديقه، هو دليل بحد ذاته على مدى استيعاب الديمقراطية في تركيا، فبغض النظر عما يقوله الناس، هذه المشاركة العالية هي دليل واضح على الإيمان العميق بالسياسة في تركيا، ولا يمكن لأحد التشكيك في جودة الديمقراطية في مكان يعتقد الناس أنهم يمكنهم تغيير الأمور من خلال السياسة. لكن الجودة التي يعرضها الناس في السياسة هي قضية أخرى. حيث إن إلقاء اللوم ووصف الفائز بأنه دكتاتور أو مستبد عند عدم الحصول على النتيجة المرغوبة ليس إلا مراوغة وتعنّت بعدم قبول الواقع.

الخلاصة، كانت هناك انتخابات جميلة. فازت الديمقراطية التركية، وفاز أردوغان مرة أخرى.

مبارك، ونتمنى أن تجلب الخير لأمتنا.

عن الكاتب

ياسين أقطاي

قيادي في حزب العدالة والتنمية التركي الحاكم


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس