يحيى بستان - يني شفق
سنتحدث اليوم عن أهم التطورات التي تحدث في محور أوكرانيا -البحر الأسود- مرتفعات "قره باغ"، والتي تتابعها تركيا بعناية لمساسها بالأمن القومي التركي بشكل وثيق.
قال رئيس هيئة الأركان المشتركة الأمريكية، الجنرال مارك ميلي: "تبقى لأوكرانيا 30 إلى 45 يومًا لضرب روسيا قبل أن تجعل الظروف الجوية ساحة المعركة أكثر صعوبة"، يعتقد الأمريكيون أن هجوم أوكرانيا المضاد الذي بدأ في يونيو لم يكن فعالًا ومن الواضح أن هذه الحرب مستمرة.
لم يكن ممر الحبوب مجرد آلية لتوصيل الحبوب إلى الدول الفقيرة، كان أيضًا صمام أمان يمنع نقل الصراع إلى البحر الأسود. عندما تم تعليق الممر لم يكن أمام أنقرة سوى إعادة تفعيل هذه الآلية، وكنا قد كتبنا من قبل بأن السيناريوهات البديلة والخطوات أحادية الجانب لن تجلب إلا مزيدًا من النزاع وعدم الاستقرار.
من أجل حل المشكلة كان من الضروري الوفاء بالوعود -أو على الأقل ببعض الوعود- التي سبق تقديمها للروس، من جانبها خفضت موسكو عدد الشروط التي طالبت بها لإعادة تشغيل الممر إلى اثنين (نظام "سويفت" وتأمين السفن). ومع ذلك فإن الغرب لا يتخذ أي خطوات في هذا الصدد، فالذين يحاولون إفشال ممر الحبوب يسعون إلى إثارة المشاكل عمدًا.
الطائرات البريطانية في سماء البحر الأسود
بات من الممكن معرفة ما سيحدث؛ فقد أعلن الروس أنهم سيستهدفون السفن التي تحمل الحبوب في البحر الأسود دون إذن، وكانوا قد قصفوا مخازن الحبوب في موانئ نهر "الدانوب" وهو الطريق البديل لأوكرانيا (ونتيجة لهذه الحرب تم إتلاف 280 ألف طن من الحبوب منذ شهر يوليو وحتى يومنا هذا). تتوقع أنقرة أن يزداد التوتر في منطقتها المجاورة لذا فهي لا تسمح لأي سفينة تحمل حبوبًا بالمرور عبر مضائقها، ومع ذلك تشجع بعض الدول أوكرانيا على إرسال سفن الحبوب.
تشير سجلات الرادار إلى زيادة كبيرة في عدد الطائرات الحربية البريطانية التي تحلق فوق البحر الأسود، وعلمت فيما بعد أن بعض هذه الطائرات كانت تجمع معلومات استخبارية لدعم هجوم أوكرانيا المضاد، لكن يبدو أن الوضع قد تغير فقد أعلنت "داونينغ ستريت" أن الطائرات البريطانية بدأت في القيام بدوريات في البحر الأسود لمنع روسيا من مهاجمة السفن المدنية التي تحمل الحبوب، وهذا يؤيد توقعات وقلق أنقرة. وأخيرًا كانت زيارة وزير الخارجية البريطاني "جيمس كليفرلي" إلى أنقرة في اليوم السابق ولقاؤه مع نظيره "هاكان فيدان"، مثيرة للاهتمام من حيث توقيتها.
أذربيجان مصممة على المضي قدمًا
كما رُصد تحرك مشبوه في الطرف الشرقي من المحور وفي منطقة "قرة باغ" أيضًا. وفقًا للتقارير الواردة فإن قوات أرمينيا تفتح النار على مواقع أذربيجان، وهي تحشد قواتها في المنطقة وتحفر الخنادق وتزرع الألغام، باختصار يبدو أنها تستعد للهجوم. وأثار تآمر أرمينيا لإجراء انتخابات غير شرعية في "قره باغ" من حدة التوتر في المنطقة.
وبدورها تتابع أذربيجان التطورات عن كثب، هناك اتفاق بين الطرفين بعد انتصار "قره باغ" وتسعى العاصمة "باكو" لتطبيق هذا الاتفاق بالكامل، كما أكد بوتين هذا الأسبوع أن أرمينيا اعترفت رسميًا بـ "قره باغ" أرضًا أذربيجانية بموجب الاتفاق، إلا أنها إلى الآن تماطل في فتح ممر "زنغزور". زار رئيس الأركان العامة الأذربيجاني "فيلاييف" أنقرة الأسبوع الماضي، وخلال محادثاته مع المحاورين الأتراك بيَّن أن "باكو" مصممة على اتخاذ خطوة وتصعيد الموقف إن لم يتم فتح ممر "زنغزور".
الصيد في الماء العكرتستغل القوى التي تحاول السيطرة على المنطقة حالة الاضطرابات الناجمة عن الحرب، فتحاول الولايات المتحدة دخول جنوب القوقاز لإشغال روسيا عن أوكرانيا، كما تنظم مع أرمينيا مناورات عسكرية مشتركة تحت اسم "كارتال بارتنر 2023"، على الرغم من أن عدد الجنود المشاركين في التدريب ليس مهمًا فإنه يُعتقد أن الهدف هو إعداد أرمينيا لمعايير الناتو، وأعربت روسيا عن غضبها إزاء هذه المناورات المشتركة. وفي غضون ذلك وافق "باشنيان" على اتفاقية روما التي تعترف بقرارات المحكمة الجنائية الدولية الملزمة مما أثار غضب بوتين، وبدورها أرسلت موسكو مذكرة إلى العاصمة "يريفان" بسبب خطواتها غير الودية.
إيران حليفة لأرمينيا لذلك تنظر إلى انتصار أذربيجان في "قره باغ" على أنه هزيمة، كما أنها دعمت أرمينيا في هذه الأحداث (وإسرائيل تدعم أذربيجان)، كما أكدت وزارة الدفاع الإيرانية أنها ستتدخل في هذا الصراع إذا تعرضت وحدة أراضي أرمينيا للهجوم، ثم تراجعت عن ذلك بعد أن تلقت على الأرجح تحذيرًا من موسكو فقالت: "نحن لا نقبل أي تغيير في الجيوسياسية الإقليمية". وفي الطرف المقابل أرسلت أنقرة رسالة إلى طهران مفادها أنها ستقف إلى جانب أذربيجان مهما كان الثمن.
موقف أنقرة
تكشف كل هذه الأحداث ما يتم التخطيط له على محور أوكرانيا-البحر الأسود-القوقاز الجنوبي؛ إنهم يصعدون التوتر، وأنقرة مدركة لكل ما يحصل، ولهذا السبب تريد استمرارية ممر الحبوب وتدعو أرمينيا إلى التخلي عن موقفها المتعصب. وقد لخص الرئيس أردوغان الوضع بقوله: "ليس لدينا خيار سوى دعوة المنطقة إلى الهدوء". فما الذي يمكن لأنقرة أن تفعله أكثر من ذلك؟
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس